واشنطن والرهانات الفاشلة

عقدة الإدارات الأميركية على مدى سنوات طويلة في منطقة الشرق الأوسط كانت ولا تزال سورية، باعتبارها حجر الرحى في المعادلة الإقليمية والدولية، وباعتراف قوى كبرى في العالم من جهة وموقعها وموقفها النضالي مع قوى المقاومة والممانعة من جهة ثانية، وهذا الذي لا ترغبه الإدارة الأميركية الحالية لسبب جوهري وحيد هو حماية الكيان الصهيوني والمحافظة على مصالحها في المنطقة وفي مقدمتها النفط.

وعقدة الإدارة الأميركية الحالية من وجهة نظر مصادر دبلوماسية عربية حيال سورية، هي عملية الانسحاب الأميركي من العراق، فسورية ومعها الجمهورية الإسلامية في إيران وقبلهما الشعب العراقي بفئاته السياسية والحزبية الأساسية، يرفضون مبدأ التمديد للقوات الأميركية في العراق تحت أي شعار، حتى لو كان تدريب القوات العراقية أو حماية السفارة الأميركية في بغداد، وهذا لا يتطلب عشرة آلاف أو خمسين ألفاً للقيام بهذه المهمة.

وتضيف المصادر الدبلوماسية العربية، من الملف العراقي بدأت معركة الإدارة الأميركية مع سورية، على قاعدة شعارات وهمية ومزيفة تتعلق بالإصلاح السياسي وتعددية الأحزاب والحرية للشعب السوري، مع العلم أن الرئيس بشار الأسد منذ تسلمه سدة الرئاسة، كان المبادر الأول لطرح هذه الإصلاحات، إلا أن ظروفاً ومعطيات إقليمية ودولية على علاقة بسورية، حالت دون تحقيق هذه الإصلاحات في حينه، لكن الولايات المتحدة الأميركية ومعها الدول الأوروبية وبعض العرب، أرادوا أن تكون هذه الإصلاحات مطية لتحقيق أهداف أخرى تتصل بقضية علاقة سورية بإيران وقوى المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق، وصولاً إلى حل النزاع في الشرق الأوسط على قاعدة أن تكون "إسرائيل" الرابح الأكبر في أي تسوية تحصل بغطاء عربي، واستنزاف سورية لإتعابها وإشغالها في ملفها الداخلي وتحديداً الأمني الذي اتخذ طابعاً إرهابياً بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ما تشهده بعض المناطق في سورية من عمليات إجرامية وإرهابية مسلحة ضد قوات الجيش العربي السوري وقوى حفظ النظام والقوى الأمنية الأخرى، بالإضافة طبعاً إلى المواطنين الأبرياء الذين سقطوا على أيدي هذه المجموعات التكفيرية والإرهابية.  
وترى المصادر الدبلوماسية العربية، إنه مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية، تحاول إدارة أوباما أن تجد الجهة الصالحة لتغطية الفراغ الذي ستتركه وراءها، وهي لم تجد للقيام بهذه المهمة المشبوهة إلا تركيا تكون رأس الحربة في قيام منظومة إقليمية بديلة من الولايات المتحدة. لكن هذا التوجه الأميركي لم يرض "عرب الاعتدال" لأن هناك حساسية في العلاقة التركية مع بعض هذه الدول العربية ومنها مصر والمملكة العربية السعودية، وعرب الاعتدال هؤلاء، أبلغوا الإدارة الأميركية أنها همّشت دورهم في العراق بعد احتلاله وسلمته بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى إيران، واليوم في مرحلة انسحابها تحاول تسليمه إلى تركيا، وهذا الأمر غير مقبول من قبل هذه الدول، لذلك تحاول بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية إقامة جبهة عربية تضم دول الخليج والأردن والمغرب تقف في مواجهة الدور التركي، ولكن حتى قيام هذه الجبهة كما ترى المصادر الدبلوماسية، لن يكون له تأثير قوي على الساحة الإقليمية وحتى الدولية إذا كانت سورية بعيدة عنه، ولذلك ليس من المستبعد البحث عن صيغة ما لهذه القضية الجوهرية في العالم العربي. وتعتبر المصادر الدبلوماسية العربية أنه بالإضافة إلى رفض عرب الاعتدال، أن تكون تركيا هي المشرفة على السياسة الإقليمية في المنطقة بدعم أميركي، فإن الكيان الصهيوني من جانبه يرفض كذلك هذا الدور التركي ولو كان مدعوماً أميركياً، من زاوية التنافس على لعب الأدوار في المنطقة بين "إسرائيل" وتركيا.

وأشارت المصادر الدبلوماسية، بسبب أن الأميركي سينسحب من العراق، فهو يمارس المزيد من الضغوط على سورية، مع العلم أنه لم يتخذ خياراً بإسقاط نظامها، كما يفعل الفرنسي الذي يسعى مع أمير قطر بكل قوة الى تحقيق هذا الشعار، الذي يبدو أنه سقط إلى الأبد بعد مرور هذه الأشهر الستة من عمر الأزمة، حيث تحولت الأمور إلى مصلحة الدولة التي أصبحت تمسك زمام المبادرة. لهذا كله فإن الإدارة الأميركية مربكة وكل ما تحاول فعله في هذه المرحلة هو إنهاك سورية من خلال الضغط الاقتصادي وإحداث فتنة، بعدما تبين لهذه الإدارة ولغيرها أنهم غير قادرين على إسقاط النظام أو إحداث انشقاق داخل الجيش العربي السوري، الذي أثبت أنه المؤسسة الوطنية والقومية القادرة على حماية الدولة السورية والشعب السوري بكل أطيافه وفئاته. 

السابق
الجوزو: جعجع حكيم وينطق بالحكمة
التالي
توقيف مشتبه فيه بالتعامل مع إسرائيل في حاصبيا