تعلّموا من حزب الله!

لا هدايا في السياسة، ولا قيمة للشعارات من دون استراتيجيات لترجمتها.

في العام 2005، انتصرت "ثورة الأرز" وتحقّق ما كان مستحيلاً في ذلك الوقت، وهو خروج القوات السورية من لبنان. أما "حزب الله" فانكفأ الى الخطوط الخلفية للدرس والنقاش والتخطيط.

أولى ثمار هذا التخطيط، كان الالتفاف على الثورة من داخل الثورة، فوجّه ضربته الاولى الى قلبها فقسّمها بعزل مكوّن رئيسي من مكوناتها هو العماد ميشال عون وتياره الشعبي الكبير، من خلال "التحالف الرباعي"، الذي افتتحت به 14 اذار مسلسل التسويات.

أما الضربة الذكية الثانية فكانت في اغراء العماد عون وفك العزلة عنه من خلال "وثيقة التفاهم" التي نقلت "التيار" من الحياد الى التحالف مع حزب الله ومعاداة فريق "ثورة الارز" ، فكان الطلاق بعد الافتراق.

في تموز 2006 تلقى "حزب الله" ضربة كادت تكون قاتلة من اسرائيل، ظن افرقاء 14 اذار أنه لن يتعافى منها قبل سنوات وسنوات. تراجع الحزب. انكفأ. لملم جراحه. استوعب الضربة. عاد إلى الدرس والتخطيط. قرّر أن يحاسِب بدل أن يُحاسَب.

ضرب "حزب الله" مجدداً في 7 ايار، حيث "اقتنع" الوزير وليد جنبلاط بمنطق القوة، فخرج من قيادة "ثورة الأرز"..

لم يستطع أفرقاء "الثورة" فعل شيء، كالعادة. فذهبوا إلى تسوية (الدوحة) مجدداً وشاركوا حزب الله السلطة مجدداً وإن مرغمين، وهم لم يستطيعوا إمساك مفاصل السلطة على رغم انكفاء "حزب الله" في أكثر من مرحلة، وعلى رغم كل الدعم العربي والدولي لهم.

ثم جاء الاختراق الرابع الذي قلب موازين القوى. فكان "سحر القمصان السود" ، الذي توّج إغراء الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي واحمد كرامي بالانتقال من التحالف مع "تيار المستقبل" و"ثورة الارز"، الى التحالف مع "حزب الله".

أما الاختراق الخامس، فأتى هدية الى "حزب الله"، حيث خسر "تيار المستقبل" دار الافتاء فيما خسر مسيحيو 14 اذار بكركي.

هذا التسلسل في الاحداث، ليس مصادفة، ولم يتم بالصلوات والتمنيات.

هناك نهجان:

الأول صاحب منطق وحق، لكنه لا يملك مشروعا ولا استراتيجية لتحقيق شعاراته في بناء الدولة وترسيخ السيادة والحرية ، ويكتفي بالرهان على المحكمة الدولية والربيع العربي.

والثاني متهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقيادات لبنانية، وباستمرار التسلح وقضم الدولة ومعزول عربيا ودوليا،ويواجه الشرعية الدولية، لكنه يملك مشروعاً واستراتيجية وصبراً وجَلَداً على التخطيط والتنفيذ، ولا يساوم الا لكسب الوقت او الفوز بالنقاط.

ورغم هذه الوقائع ، ما زال يأمل مَن بقي من "ثورة الأرز"، في قطف ثمار الربيع العربي وتحقيق مشروع الدولة.

لكن السؤال المشروع الذي يفرض نفسه: لماذا لم يحقّق قادة "ثورة الأرز" مشروع الدولة يوم وصلوا الى السلطة؟ ما الذي تغيّر اليوم او سيتغيّر غدا حتى تعود عقارب الزمن الى الوراء؟

الحق لا ينفع اصحابه اذا ما ساوموا وقايضوا وتنازلوا والتهوا وارتخوا، فيما الخصم يفكر ويعدّ، ويعاند ويقاتل، ويعود اقوى كلما انكفأ وكاد يُهزم. "حزب الله" يتقن سياسة الجزرة والعصا،وما أكثر الذين يحبون الجزرة ويهابون العصا. أما 14 اذار فلا يملكون لا عصا ولا جزرة.

فهل مَن يتعلم؟  

السابق
النهار: تمويل المحكمة والحذر من سوريا بين ميقاتي وكلينتون وجولة الراعي في الولايات المتحدة لا تشمل واشنطن
التالي
ليست خطوة صغيرة