رياض سلامة: الفصل بين السياسة والاقتصاد يقوّي موقع “المركزي”

  أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة انتهاج سياسة تنأى بمصرف لبنان عن الانخراط في الصراعات السياسية الداخلية، لافتا الى أن "القطاع المصرفي اللبناني واجه مصاعب وعقبات عدّة نتيجة أزمات محلية وخارجية، إلا أنّه اجتازها بفضل السياسات والهندسات المالية الصائبة والتعاميم والقرارات التي أصدرها والتي تصب كلّها في خانة تحصين القطاع المصرفي والنقد الوطني".

واشار الى أن "السياسة التي انتهجها مصرف لبنان حالت دون إعلان أي مصرف إفلاسه، في حين خرج من السوق أكثر من 33 مصرفاً بفضل عمليات الدمج التي دعمها مصرف لبنان بقروض ميسّرة للبنك الدامج".

وكشف أن "لبنان يواكب مقررات بازل 3 من أجل المحافظة على قطاع يتمتع بالثقة لكل المتعاملين معه"، مشيرا إلى أن "نسبة الملاءة المطلوبة في بازل 3 محققة حالياً في المصارف اللبنانية، ونحن نعمل منذ سنوات على أسس قريبة من تلك التي اعتمدت في المقررات المذكورة".

كلام سلامة جاء في حديث الى صحيفة "القبس" الكويتية، وهنا نص الحوار:

* ماذا عن المخاطر المحتملة من التأزم السياسي في لبنان، وهل يشهد لبنان استقرارا على الصعيد النقدي في ظل المتغيرات على الساحة السياسية؟

– منذ اليوم الأوّل لتسلّمي مهامي على رأس حاكمية مصرف لبنان في شهر آب من عام 1993، حرصت على أن أنتهج سياسة تنأى بمصرف لبنان عن الانخراط في الصراعات السياسية الداخلية، وهذا النهج في السياسة أثبت جدواه، وهو سيستمر خلال مهامي كحاكم مصرف لبنان للفترة الرابعة التي تمتد حتى عام 2017.

إن القطاع المصرفي اللبناني واجه العديد من المصاعب والعقبات نتيجة أزمات محلية وخارجية، إلا أنّه اجتازها بفضل السياسات والهندسات المالية الصائبة والتعاميم والقرارات التي أصدرها مصرف لبنان والتي تصبّ كلّها في خانة تحصين القطاع المصرفي والنقد الوطني. اليوم، سنستكمل بالحفاظ على سمعة لبنان واستقراره النقدي".

* هل لبنان أمام مخاطر اقتصادية تؤدّي الى انهيارات، كما يتوقع بعض المحللين، أم العكس هو الصحيح؟

– لقد أثّرت أحداث لبنان سابقا على وضعه المالي، لكن اليوم تراجع تأثر الوضع المالي والاقتصادي بالواقع السياسي، وهذا الأمر لمصلحة لبنان واللبنانيين.

لقد شهد اللبنانيون أننا تمكّنا من البناء ماليا ومصرفيا وحققنا انخفاضا في الفوائد وحافظنا على هذا الانخفاض رغم الظروف السياسية الصعبة، وهذا يؤكد أننا نجحنا الى حد كبير في الفصل بين السياسة والاقتصاد.

أريد أن أطمئن بعض المحللين الى أنه لا يوجد أي مصرف مهدد في لبنان أو مصرف يتم تحضير تدابير ضدّه، وهذا أمر مؤكد، وإني على يقين بأن قطاعنا المالي سيبقى ملتزماً بأي قرارات دولية تصدر عن مجلس الأمن.

* ما تقويمكم للمشهد السياسي الآن في لبنان في ظل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟

– ما سمعناه منذ تشكيل الحكومة الجديدة ومن الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي على وجه التحديد هو التشدّد على أن لبنان ملتزم ومتعاون ومحترم للشرعية الدولية، ولبنان دولة مؤسسة في الأمم المتحدة. إني لا أرى أي مخاوف يمكنها حالياً أن تؤثر سلباً في مسيرته المالية واستقرار نقده الوطني.

* ما هي فرص الاستثمار في لبنان الآن، وهل تتوقعون زيادة المستثمرين في القريب العاجل؟

ليس جديداً القول إن لبنان يعوّل على الاستثمارات، بل هو يعمل على تشجيع الانخراط في الاستثمار والتوظيف في مجالات عديدة.

– لبنان يمتلك امكانات كبيرة وسياسات محفزة لتوظيف الأموال. ليس من الحق أن ننسى أن لبنان تجنب الوقوع في براثن الأزمة المالية العالمية، مما يجعله محطّة جاذبة للرساميل والاستثمارات. لبنان ينعم باستقرار سياسي وأمني رغم الظروف التي تحيط بنا.

هل هناك مشكلة تضخّم في ارتفاع الأسعار، وهل ارتفاع أسعار النفط وأسعار المواد الأوليّة مرتبطة به؟

منذ البداية، كان هاجسنا الاستقرار النقدي والمحافظة على أموال الناس والحرص على ألا يخسر أي مودع أمواله في لبنان.

اليوم، نشهد لدولار معروض لمصلحة الليرة، والاشارات قوية ترسلها الأسواق مترجمة بالتالي الشعور المطمئن في اتجاه الأوضاع المالية والعملة الوطنية.

* عمد مصرف لبنان ضمن صلاحيّاته القانونيّة الى المساهمة في ارساء المناخ المناسب لتطوير الأعمال وسوق العمل في لبنان، هل ما زال هذا الوضع قائما؟

– لقد ساهم مصرف لبنان والقطاع المصرفي في تأمين نمو مرتفع خلال الأعوام الماضية، وكان النمو في التسليف الأداة لتحقيق ذلك. إن النموذج المصرفي الذي بنيناه من خلال تعاميم أصدرها مصرف لبنان منع قطاعنا من التعرض الى الأزمات التي هزّت الأسواق المالية العالمية، وما زالت تهدّد أكبر المراجع المالية الدولية.

* ما هو تقويمكم لأداء القطاع المصرفي في لبنان؟

-أثبت القطاع المصرفي في لبنان أنّه قادر على تحمّل المسؤولية واستيعاب الدروس مما يشهده العالم. الأرقام خير دليل على ذلك، فتحويلات اللبنانيين الى وطنهم، تخطت 8 مليارات دولار أميركي سنوياً والناتج المحلي يقدّر بـ 40 مليار. إن هذه الأرقام تضع لبنان في طليعة الدول العربية غير النفطية من حيث الدخل الفردي.

* هل حققت البنوك اللبنانية نتائج إيجابية في العام 2011 على الصعيد التشغيلي؟

-إن السياسة التي انتهجها مصرف لبنان حالت دون إعلان اي مصرف إفلاسه، في حين خرج من السوق أكثر من 33 مصرفاً بفضل عمليات الدمج التي دعمها مصرف لبنان بقروض ميسّرة للبنك الدامج.

من المفيد التذكير بأن لبنان يضم 26 مجموعة مصرفية لبنانية و17 مصرفاً أجنبياً علماً أن وطننا لا يفرض أي قيود على انتقال الرساميل أو العملات الصعبة. التأزم السياسي الذي شهده لبنان منذ سنة، أصاب معدلات النمو التي نتوقع ألا تكون مشابهة لمعدلات العام 2010.

* ما وضع القروض في لبنان ودورها في التنمية؟

– لقد أطلقت الحكومات السابقة القروض الميسّرة الممنوحة للقطاعات الإنتاجية مثل الصناعة، السياحة والتكنولوجيا ويهتم المصرف المركزي بإدارة هذه القروض مع الإشارة الى ان القطاع المصرفي يخضع لادارة أشخاص مؤهلين ومتمرّسين.

* ما مدى استعداد البنوك اللبنانية لبدء تطبيق اتفاقية بازل 3 وإصلاحاتها؟

– لبنان يواكب مقررات بازل 3 من أجل المحافظة على قطاع يتمتع بالثقة لكل المتعاملين معه. تجدر الإشارة الى ان نسبة الملاءة المطلوبة في بازل 3 محققة حالياً في المصارف اللبنانية، ونحن نعمل منذ سنوات على أسس قريبة من تلك التي اعتمدت في مقررات بازل 3.

لقد عرف لبنان خضّات سياسيّة وأمنيّة أثرت سلباً على اقتصاده وعلى استقراره النقدي. اليوم، يسير قطاع المال في لبنان نحو العافية التي بدورها تنمو مع الأمل بتفادي التقلبات السياسية والاجتماعية.

* يشكل غسل الأموال أحد أكبر الأنشطة الإجرامية حجما وأكثرها انتشارا في عصرنا هذا، ماذا فعلت الحكومة والقطاع المصرفي اللبناني للحد من هذه الظاهرة؟

– لقد أولى لبنان موضوع مكافحة تبييض الأموال أهمية قصوى وشارك بكل مؤسساته في القطاع العام والقطاع الخاص في العمل الجدي على مكافحة تبييض الأموال. دأب لبنان في هذا المجال على العمل على تطوير أنظمته القانونية كافة، وتعزيز مكامن الضعف في التشريعات المطبقة، بالإضافة الى سن القوانين الضرورية وإصدار الأنظمة التطبيقية والتعاميم ذات الصلة. كل هذا العمل ليكون لبنان مواكباً للأنظمة العالمية الحديثة ولتطوير بيئته الاقتصادية استقطاباً للاستثمارات، لاسيما الخارجية منها.

* إلى أي مدى من التقدم والنمو والانفتاح وصل القطاع المصرفي الكويتي في نظركم؟

– نقاط شبه كثيرة تجمع بين لبنان والكويت، وهذه الأخيرة شكلت وتشكل فرصة لتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والمصرفية، حيث تعد دولة الكويت من أبرز الداعمين للبنان سواء من خلال ودائع حكومية في مصرف لبنان أو عبر إقامة مشاريع حيوية عنده يتولّى تمويلها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، فضلاً عن استثمارات القطاع الخاص الكويتي في لبنان والتي تقدر بنحو 4 مليارات دولار. إن العلاقات الكويتية – اللبنانية بحاجة الى المزيد من التنسيق بغية تحسين أدائهما في مجالات الاقتصاد والتجارة والأعمال والتعاون المصرفي.

إن لبنان يعوّل بشكل كبير على تنمية العلاقات الثنائية مع الكويت، وهو لا ينسى الأيادي البيضاء التي تهب دائماً للمساعدة كلما احتاج بلدنا اليها. فعلى سبيل المثال، يساهم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ولأوّل مرّة منذ انشائه في تمويل مشاريع في لبنان تتصل بالتراث والثقافة (متحف بيروت، قلعة الشقيف، متحف صيدا) وقد خص لبنان بهذا الاستثناء فأدخل التراث والثقافة في لائحة المشاريع الممولة بمنحة من الحكومة الكويتية البالغة 300 مليون دولار والتي خصصتها دولة الكويت إثر حرب يوليو 2006.

* كيف تنظرون إلى التواجد المصرفي الكويتي في لبنان؟

– إن التواجد المصرفي الكويتي في لبنان يزيد من الثقة التي تكنها دولة الكويت لقطاع المصارف ويساهم في تعزيز حجم الاستثمار في بلدنا. ويسرنا أن الأداء المصرفي الكويتي على تطور دائم، وهو يساهم في تنمية الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين.
 

السابق
اختفاء ابو عبد سليم يشغل الاوساط الجنوبيــــة
التالي
قاسم هاشم: للخارجية التحقيق في جولة توفو على الحدود