السفير : الإجماع النيابي يقوّي الحكومة … ويحمي المعارضة

 كتبت "السفير" تقول ، فجأة وبلا مقدمات، صار المستحيل لبنانياً، منذ عقود طويلة، متاحاً في لحظة قصيرة جداً من الزمن.
فجأة جاء من "ينير" عقول نواب الأمة، فإذا بهم يقدمون حلاً سحرياً للبنانيين، ينتج كهرباء رسمية على مدى أربع وعشرين ساعة، في كل لبنان، لكن بعد سنوات وسنوات… نظرياً.
ومن الآن، وحتى يأتي موسم القطاف، لا بد للبنانيين أن يفرحوا مع نواب أمتهم ووزراء حكومتهم، بالإنجاز الكهربائي. أن يرقصوا ويطيروا. أن يصلوا نهارهم بليلهم، قبل أن يكتشفوا أن ليلهم ربما يستمر طويلا، اذا لم يجدوا من يخرج اللمبة الصفراء ونقطة الماء وحبة القمح من بطن حيتان المال والصفقات ممن استفادوا من غياب الدولة أو تغييبها المتعمد، حتى أصبحوا أمراء في الاقتصاد والمال والوكالات الحصرية والطوائف والمناطق والأحزاب.
نعم، صار بمقدور اللبنانيين أن يفرحوا نظرياً بإقرار الخطة الكهربائية في مجلس النواب، أمس، وهي الخطة التي ضاعت طوال عقدين من الزمن في خضم حسابات المافيات النفطية والكهربائية، غير أن هذه الفرحة لها شروطها حتى تصبح حقيقية، بأن يسلك المشروع طريقه إلى التنفيذ بالروحية السحرية ذاتها التي رافقت الإقرار… وإلا فإن وضع العراقيل في المسار العملي، من جهة، والغرق في حسابات الحصص والمنافع من جهة ثانية، سيعيد اللبنانيين عقوداً إلى الوراء.
ولعل الصورة الإجماعية التي شهدها مجلس النواب، حول خطة الكهرباء، التي كانت حتى ما قبل ساعات قليلة، عالقة على خطوط تماس الجبهات السياسية المتنافرة، جعلت إقرار الخطة يتخذ بعداً إجماعياً بامتياز، بحيث خرج نواب المعارضة والأكثرية، ومن يقف بينهما، لكي يتبنوا "الإنجاز" سياسياً، ويزفوا البشرى السارة لكل اللبنانيين… بأن الكهرباء لم تعد مستحيلة ولكن بعد حين.
وبدا واضحاً من خلال الحضور النيابي الواسع، وخاصة مشاركة كل من وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، في "لحظة الكهرباء" وحسب، أن ما من أحد يريد أن يضع نفسه خارج "الكادر الكهربائي"، الذي يمكن أن يوفر للحكومة الميقاتية أهم رافعة سياسية ـ خدماتية من الآن وحتى انتخابات العام 2013، اذا أحسنت الاستثمار ولم تضيّع الإنجاز في زواريب الكيديات السياسية.
واذا كان "يسجل" للعماد ميشال عون أنه أخطأ سياسياً في إدارة المعركة الكهربائية، في أكثر من محطة حكومية ونيابية، وهو أمر يستوجب المراجعة الجدية، فإنه يسجل له أيضا أنه "والد الإنجاز"، ولو أن المشروع مطروح منذ زمن الحكومة الماضية.
لقد وضع ملف الكهرباء طويلاً في الأدراج حتى بلغت فاتورته على مدى عقدين من الزمن حوالى نصف قيمة الدين العام، ويسجل للعماد عون أنه فرضه نقطة أولى على جدول أعمال الجميع، مجلساً نيابياً وحكومة ورأياً عاماً، حتى بلغ خواتيمه النهائية ليجد بعد ذلك تخمة في من ينسبونه لأنفسهم كإنجاز، وهذه عادة الربح، بينما تكون الخسارة دائماً يتيمة.
واذا كانت حكومة نجيب ميقاتي قد سجلت هذا "الإنجاز" في سيرتها الذاتية، فإن "الحل السحري" الذي ابتدعه الرئيس نبيه بري، ومهّد له بداية باللعب على حافة الهاوية حتى ليل الأربعاء ـ الخميس، جعل الجميع يلتقي في منتصف الطريق. وفي المحصلة، ربح الجميع بالنقاط على جانبي الموالاة والمعارضة، وإن كانت قوى المعارضة قد سعت إلى تظهير شراكتها الفاعلة في إقرار الخطة الكهربائية، ومنع ميشال عون من التفرّد بالإنجاز.
ورب قائل إن الاستطلاع الذي أجرته المعارضة للنصاب النيابي ولاحتمالات التصويت، خاصة بعدما أقنع الرئيس بري العماد عون بالصيغة ـ المخرج، أظهر أن الأكثرية قادرة على توفير النصاب، برغم سفر وزيرين نائبين هما وائل أبو فاعور ومحمد الصفدي، حيث حضر وليد جنبلاط ومعه نعمة طعمة قاطعاً رحلة خارجية، وتم استدعاء بعض أعضاء "تكتل التغيير" من السفر، وحصل تمن واضح على سليمان فرنجية وطلال أرسلان أن يشاركا وهذا ما حصل، وبالتالي كان يمكن للمشروع أن يمر من دون المعارضة، التي أدركت أنها غير قادرة على إلزام رئيس الحكومة ببعض التفاصيل الإجرائية التي كانت تنادي بها، فاضطرت الى مسايرة المناخ التوافقي بالتصويت لمصلحة المشروع كما ورد من الحكومة أولا، ومع إضافات بري في اللجان المشتركة ثانيا، وهو الأمر الذي استوجب من عون التحفظ على الصياغة من جهة والحماسة لإقرار المشروع، من جهة ثانية.
وفي المحصلة، استطاعت الأكثرية أن تثبّت نفسها ومعها الحكومة التي كانت هدفاً للمعارضة أولا، ولبعض أهل بيتها ممن طرحوا معادلة "الكهرباء أولا والحكومة ثانيا"، وبدا واضحاً أن اهتزاز البيت الحكومي ليس مسموحاً به، وأي ارتجال هو عبارة عن عزف منفرد، بدليل إبداء عون حرصه على التضامن الحكومي، في مسك ختام الجلسة الكهربائية.
غير أن الإنجاز لا ينفي احتمال اصطدام الحكومة بملفات أكثر حساسية ودقة مما شهدته الخطة الكهربائية قبل إقرارها، وعلى رأسها ملف تمويل المحكمة، الذي يقال انه أدخل الى غرفة العناية المركزة لبلورة "مخرج ما"، الى جانب الملف المزمن المتعلق بالتعيينات الإدارية الذي بات فريق وازن في الأكثرية يفضل مقاربته بالمفرّق لا بالجملة.
وكان المجلس النيابي قد أقر بالإجماع امس، خطة لإصلاح القطاع الكهربائي عبر تخصيص اعتماد عقد قدره 1772 مليار ليرة لبنانية (نحو 1,2 مليار دولار) لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل الطاقة الكهربائية وتوزيعها.
وتهدف الخطة الى إنتاج 400 ميغاوات في نهاية عام 2014. وتنص على إنشاء محطات كهرباء بالغاز الطبيعي المسيل على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتحديث محطات الكهرباء القائمة. وتتضمن أيضا إجراء إصلاحات في منشآت كهربائية للمحطات وخطوط النقل وخطوط التوزيع. على أن تُموَّل الإصلاحات على دفعات عن طريق قروض ميسرة أو بإصدار سندات خزانة بالعملة المحلية أو العملات الأجنبية، بالإضافة إلى أموال من مانحين دوليين وعلاقات شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتلحظ حيثيات الخطة أن "غياب التوازن الكهربائي يترافق مع غياب للتوازن المالي، إذ يؤدي عجز الكهرباء الى خسارة للخزينة تتعدى المليار دولار سنوياً لتصل الى حدود ملياري دولار سنوياً بحسب أسعار المحروقات، إضافة الى كلفة المولدات الكهربائية على المواطنين والشركات التي إذا ما أضيفت إلى خسارة للاقتصاد الوطني يصبح مجموع الخسائر لا يقل عن ستة مليارات دولار سنوياً بأقل تقدير".
وذكرت أوساط رئيس الحكومة أن المشروع الكهربائي "جاء ليحل أزمة مزمنة يعاني منها البلد وتستنزف الخزينة منذ سنوات طويلة، وليس المهم من انتصر أو خسر، المهم أن البلد كله ربح، وهذا ما يؤكد ما كان وما زال يردده الرئيس ميقاتي من أن أي أمر لا يحل بالسجال والصراخ بل بالتفاهم والتعاون والحوار". وأشادت بالتعاون الذي حصل بين المجلس النيابي والحكومة ومن كل الاطراف لبلورة المخرج الذي أمّن للناس تطوير قطاع الكهرباء والمدخل لحل أزمة التيار ووقف نزف الخزينة. وقالت: "المهم استمرار تعاون الجميع لتنفيذ هذا المشروع بكل تفاصيله، بما يضمن تحقيق الغاية الأساسية منه" .
من جهة ثانية، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجدداً لبنان بتنفيذ التزاماته إزاء المحكمة الخاصة بلبنان، وذكر بيان لمكتب بان أن الأخير اجتمع، أمس، مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان على هامش افتتاح الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وناقش الأمين العام وسليمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 وأهمية الاحترام الكامل للخط الأزرق من جانب جميع الأطراف والدور الرئيسي لقوات "اليونيفيل". وأعاد الأمين العام خلال الاجتماع دعمه الكامل لعمل المحكمة الخاصة للبنان, ودعوته لبنان لتنفيذ جميع التزاماتها في هذا الصدد. كما تبادل الجانبان ايضاً ـ وفقاً للبيان ـ وجهات النظر حول القضايا الإقليمية، بما فيها استكشاف الموارد البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط واستغلالها. 

السابق
النهار: سليمان: على المجتمع الدولي إلزام إسرائيل تنفيذ الـ1701
التالي
المستقبل: بان يذكّر سليمان بالتزامات لبنان إزاء المحكمة..