الجمهور المعتدل..والقيادات المتطرفة

عند المنعطفات الصعبة، وفي خضم الإعصار، يتبصر المرء الأفق الذي تتبين منه مؤشرات العاصفة، ومدى قوة تأثيرها، ومندرجات رياحها واتجاهاتها، لأن ما يمكن ان تحمله من أخطار قد لا يمر في عشرات السنين العادية. كما ان اللعب في المياه الساخنة يختلف عن السباحة في الأحواض الراكدة.

تحمل الأحداث الجارية في المنطقة المحيطة بلبنان، مجموعة من المخاطر، قد يؤسس الخطأ في التعامل معها سياقات متعددة من عدم الاستقرار، تبدأ من احتمالات تفجر الوضع جنوبا، من جراء عدوان إسرائيلي محتمل، مرورا بالاضطراب السياسي الداخلي، وصولا للترابط الدقيق بين لبنان وما يجري من أحداث دامية في سورية.

قد يشكل المخاض الجاري لولادة الدولة الفلسطينية، خلال الشهر الجاري في الأمم المتحدة احد مصادر الخطر، كون لبنان يرأس مجلس الأمن الدولي لهذه الدورة، وهو مؤيد بطبيعة الحال للاعتراف بالدولة الفلسطينية الجديدة. والأمر عند إسرائيل هام وحساس، لأن ما قبل الاعتراف بالدولة الفلسطينية الوليدة، بالتأكيد ليس كما بعد هذا الاعتراف، فطبيعة التعامل مع قضية هذا الشعب العادلة والمحقة ستختلف، وسيكون للعدو الإسرائيلي سيناريو مختلف، يحاول من خلاله الاصطياد في المياه العكرة التي تطفو على سطح الأحداث في المنطقة، وفي لبنان على وجه التحديد ـ خاصة ان هناك اكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني ـ يتواجدون على الأراضي اللبنانية. والانقسام السياسي الداخلي في لبنان مصدر من مصادر الخطر، خاصة انه يترافق مع أحداث عربية واسعة، وتغييرات كبيرة تشهدها خارطة المنطقة، تحمل بذور حرب باردة (تركية ـ ايرانية) قد لا تبقى باردة، إضافة الى تداعيات الانقسام الدولي الحاصل.

والاضطراب الواسع الذي تشهده سورية على خلفية الحراك الشعبي المطالب بالتغيير والإصلاح، ايضا مصدر توتر محتمل، نظرا للانقسام العمودي الحاد للقوى السياسية، وللمجموعات الطائفية حول هذه الأحداث، بين مؤيدين للنظام ومعادين له.

معظم الجمهور اللبناني يتطلع الى تمرير المرحلة بروح من الاعتدال والاتزان في مقاربة الأمور. ويعرف هذا الجمهور مخاطر الدخول في لعبة التجاذب حول تطورات المنطقة على لبنان، وهو لم يكد ينتهي من لملمة حروقه من نار أحداثها المشتعلة، وخاصة من عدوان إسرائيل المستمر، ومن تداعيات التدخلات السورية وانعكاسات الوصاية التي استمرت زهاء 30 عاما.

ان اعتدال الجمهور اللبناني، وإدراكه لخطورة التفلت من ضوابط القيود التي تفرضها مندرجات الوفاق الوطني اللبناني، والتعايش السلمي بين أبناء شعبه ـ الواحد والموحد في الأساس، والمختلف والمتنوع في الواقع وفي السياسة ـ سببه الحرص على الاستقرار، وعلى تدارك كل ما يمكن ان يعكر صفو الأمن، وتجنب كل ما يثير النعرات والغرائز، لأن إثارتها في هذا الوقت بالذات تهدد مستقبل الوطن. واعتدال الجمهور يقابله تطرف من بعض القيادات، التي يفترض ان يكون لها دور ضبط الجمهور وتهدئته. إن التوصيفات التي أطلقت بحق المقاومة من قبل نائب في حزب من 14 آذار فيها الكثير من التطرف، كما ان التشبيهات التي تناولت حزب الله كونه يمارس نفس الدور الذي يقوم به الصهاينة في إسرائيل ليست واقعية، ولا تفيد بشيء، سوى انها تثير النعرات، وتدفع الجمهور المعتدل نحو تطرف يزيد الانقسام، ويؤجج التوتر.

كما ان الاتهامات التي يطلقها بعض قيادات حزب الله والمؤيدين لسورية بحق كل من يتعاطف مع الانتفاضة في سورية، (بأنه متآمر)، وشريك في تأجيج الأحداث، ويسعى لتقسيم المنطقة، من لبنان الى سورية الى العراق وتركيا، فيها الكثير من المبالغة والارتجال.

السابق
صدور مرسوم تشكيل مجلس قيادة الأمن الداخلي.. وريفي في منصبه
التالي
حاول اغتصابها…فقضمت لسانه