هل الأشخاص السعداء هم أكثر اجتهادا في العمل؟

يفترض أن يكون عيد العمال احتفالية بالعمل، لكن لا يوجد في ذلك اليوم ما يدعو للبهجة بالنسبة للكثيرين، حتى ممن لديهم وظائف. ويوضح مؤشر «غال آب هيلث وايز ويل بيينغ» للسعادة الذي يعمل على استطلاع رأي ألف حالة يوميا منذ يناير (كانون الثاني) عام 2008 أن شعور الأميركيين تجاه وظائفهم وبيئة العمل قد أصبح أسوأ من ذي قبل. ولا يشعر الكثيرون من مختلف الفئات العمرية والدخول بالرضا عن رؤسائهم، وينتابهم شعور فاتر تجاه المؤسسات التي يعملون بها ويشعرون بالانفصال عما يقومون به من أعمال ولا يوجد ما يدفعهم إلى الاعتقاد أن الأمور في طريقها نحو التحسن. ربما يبدو ارتباط الموظف بعمله أمرا تافها في ظل ما يعانيه الاقتصاد من تراجع، لكن يمكن لهذا الأمر أن يحدث فرقا كبيرا في صمود أي مؤسسة أو شركة. وقد اكتشف جيمس هارتر وزملاؤه في دراسة أجريت عام 2010 أن انخفاض مستوى الرضا الوظيفي ينذر بتراجع الأداء. وتبلغ تكلفة أزمة شعور الأميركيين بالانفصال عن عملهم 300 مليار دولار متمثلة في تراجع الإنتاجية سنويا، بحسب تقديرات مؤشر «غال آب». عندما لا يعير العاملون اهتماما لوظائفهم أو أصحاب العمل، لا يحافظون على مستوى أداء ثابت، وينخفض إنتاجهم، وكذلك يتراجع مستوى جودة ما يقومون به من أعمال.
لقد أجرينا على مدى العشر سنوات الماضية أبحاثا عن الأسباب صغيرة الشأن التي تؤدي إلى مشاكل كبيرة. وقد جمعنا نحو 12 ألف مدخل إلكتروني يومي من 238 مجال عمل مختلف في سبع شركات مختلفة من أجل التوصل إلى تصور حقيقي وواقعي لما يحدث يوميا في العمل. وتضمنت الدراسة رصد للحالة النفسية لكل موظف يوميا، وطلبنا من الذين شملتهم الدراسة أن يصفوا حدثا هاما خلال ذلك اليوم. وقد كشف تحليلنا حياتهم خلال ساعات العمل بما تتضمنه من مفاهيم دفينة ومشاعر ودوافع خلال تفاعلهم مع ما يحدث خلال أيام العمل.
كانت النتائج باعثة على التفكير، فقد أوضح ثلث المدخلات اليومية عدم رضا كاتب المدخل أو افتقاره إلى الدافع أو كليهما. لقد عبر العاملون عن شعور بالإحباط أو الازدراء أو الاشمئزاز. وكذلك أوضح البحث أن حياة العاملين خلال ساعات العمل لها تأثير عميق على إبداعهم وإنتاجيتهم والتزامهم وتعاونهم. وتقل قدرة العاملين على التوصل إلى أفكار جديدة، كلما كانوا أقل سعادة. ويشير النهج السائد في هذا الصدد إلى أن الضغط يعزز الأداء، بينما توضح البيانات الواقعية أن أداء العاملين يتحسن كلما ازداد شعورهم بالسعادة بما يقومون به. ويمكن للمديرين أن يساهموا في التأكد من سعادة العاملين ورضاهم عما يقومون به ولا يكلفهم هذا الأمر الكثير، حيث تعتمد سعادة العامل إلى حد كبير على رغبة المدير في تسهيل مهمة العامل في إنجاز عمله وقدرته على القيام بذلك من خلال تذليل ما يواجهه من عوائق وتقديم يد العون له والاعتراف بما يبذله من جهد. وظهر نسق واضح عندما حللنا 64 ألف حدث خلال ساعات أحد أيام العمل، حيث كان أكثر ما يعني العاملون هو تحقيق تقدم في عمل ذي معنى. ما دام العاملون يرون أن العمل الذي يقومون به ذو معنى، يشعرون بسعادة كلما حققوا تقدما به. وكتبت مبرمجة بعد أن أتمت مهمة صغيرة لكنها صعبة: «يبدو الأمر رائعا هذه المرة، أشعر بشعور إيجابي لم أشعر به منذ مدة طويلة تجاه المشروع وكذلك تجاه عملي».

تحسن الحياة الإيجابية داخل أماكن العمل الأداء وهو ما من شأنه أن يزيد من الإيجابية داخل بيئة العمل. لسوء الحظ تخفض الكثير من الشركات عدد العاملين والموارد إلى الحد الأدنى مما يصعب على العاملين إحراز تقدم في الأعمال. ولا يدرك أكثر المديرين العواقب السلبية لتلك الصعوبة التي يعاني منها العاملون. وعندما طلبنا من 669 مدير شركة حول العالم ترتيب خمسة دوافع من حيث الأهمية جاء إحراز التقدم في المرتبة الأخيرة، حيث لم يستطع 95% من هؤلاء المديرين إدراك أن إحراز تقدم في عمل ذي معنى هو الدافع الأول والذي يسبق الحوافز التقليدية الأخرى مثل زيادة الأجور والعلاوات.

يوضح هذا الإخفاق تجربة شائعة داخل المؤسسات، فمن بين السبع مؤسسات التي شملتها الدراسة، لم يكن هناك سوى مؤسسة واحدة بها مديرون قدموا بعض الحوافز منها الشعور باستقلالية العاملين وتوفير الموارد الكافية والتعلم من المشكلات والتي ساعدت على تحقيق تقدم، لذا لم يكن محض مصادفة أن تكون تلك الشركة هي الوحيدة التي تحقق نجاحا تكنولوجيا خلال الأشهر التي أجرينا بها الدراسة.

ويقضي العاملون البالغون جل وقتهم في العمل، لذا ينبغي أن يضيف العمل إلى الروح الإنسانية لا أن يقتلها. إن العمل على زيادة سعادة العاملين ليس أمرا أخلاقيا فحسب، بل إنه ذو جدوى اقتصادية أيضا. ويتطلب دعم الحالة النفسية الإيجابية أحيانا قادة يستطيعون توصيل معنى العمل لكل العاملين في المؤسسة. ويكون كل ما هو مطلوب أحيانا هو التعامل مع المشاكل اليومية والمساعدة في حل المشاكل الفنية. إذا كان قادة المؤسسات، بدءا من الرؤساء التنفيذيين ووصولا إلى رؤساء الفرق الصغيرة، على قناعة أن جزءا من مهمتهم يتمثل في دعم ما يحققه العاملون من تقدم يومي، يمكننا وضع حد لأزمة انفصال العاملين نفسيا عن العمل، وكذلك زيادة شعور القوى العاملة بالسعادة، وبالتالي تعزيز الإنتاجية الاقتصادية.

السابق
مرايا للسلامة العامة في قلاويه من الكتيبة الماليزية
التالي
التشتيت القاتل