الراي: حزب الله.. الافتراء يقوّض الاستقرار

«… قرار سياسي من رأسه حتى أخمص قدميه، هدفه إسقاط المقاومة وابتزازها، وتأكد ان الولايات المتحدة واسرائيل شريكتان في صوغ نصه». هذا هو «الحكم» الذي أصدره «حزب الله» على القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري بعد ستة ايام على نشر أجزاء واسعة منه تتناول أدوار الاربعة من الحزب الصادرة مذكرات توقيف بحقّهم وهم مصطفى بدر الدين، سليم عياش، اسد صبرا وحسين عنيسي.

وعلى طريقة الـ one two تبادل رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد والعضو السابق في المجلس الدستوري «المحامي» (والقاضي) سليم جريصاتي «كرات» الهجوم والدفاع محاوليْن تسجيل الأهداف في مرمى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، منذ انشائها (بقرار مجلس الامن) 1757 «غير الشرعي ولا الدستوري ولا القانوني»، وصولاً الى قرارها الاتهامي المسيّس والذي «املته في هذا التوقيت المصالح الاميركية والاسرائيلية»، مروراً بمجمل مسارها الذي «لا يُنتظر معه ان تكون لاحقاق حق ولا اقامة عدل، بل لن يفاجئنا ان تكون قوس عبور لوصايات دولية على لبنان وامنه واستقراره وسيادته».

… بعد نحو 51 يوماً على اعلان الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، غداة تبليغ لبنان مذكرات التوقيف حق الاربعة من الحزب انه «لا في 30 يوماً ولا في 300 سنة يمكنهم اعتقال أو توقيف أحد من هؤلاء المقاومين الشرفاء»، وفيما اعتُبر نشر مضمون القرار الاتهامي في 17 الجاري بعد ابلاغ لبنان الى المحكمة الدولية نتيجة سعيها للقبض على المتهَمين على قاعدة «بحثنا عنهم ولم نجدهم» انه ضمن مسار التحضير لبدء المحكامات الغيابية الخريف المقبل، تحوّل مقرّ مجلس النواب اللبناني ما يشبه «قاعة محاكمة»، من طرف واحد، للمحكمة الدولية وقرارها الاتهامي قدّم خلالها الحزب بلسان رعد «مرافعة هجومية» سياسية، فيما تولى جريصاتي تقديم مطالعة دفاعية فنّد فيها قرار الاتهام قانونياً في اطار ما سماه «دراسة قانونية» شاملة.

… على مدى نحو ساعة ونصف ساعة، تحوّل مقر البرلمان منبراً أكمل منه «حزب الله» ما سبق ان وصفه السيد نصر الله بـ «معركة الرأي العام» على تخوم ملف المحكمة الدولية التي حرص الحزب على الردّ على مضامين قرارها الاتهامي بطريقة تنسجم مع قراره المبدئي بعدم الاعتراف بها أو التعامل مباشرة معها.

وهكذا بدا «حزب الله» في 23 اغسطس 2011 كأنه قدّم مرافعته «الاستباقية» عن متهميه الاربعة والتي لن يقوم بها امام المحكمة الخاصة بلبنان التي كانت للمرة الثالثة نجمة الساحة في «ساحة النجمة» (حيث مقر البرلمان) بعدما كان رعد وجريصاتي أطلقا منها في ديسمبر 2009 «القرار الاتهامي» ضد المحكمة قبل ان يعقد رئيس كتلة نواب «حزب الله» في مارس الماضي مؤتمراً صحافياً آخر تناول فيه حينها طلب المدعي العام الدولي دانيال بلمار الحصول من بعض الوزارات على مستندات ووثائق وكشوف ومعلومات تتصل بعملها.

وبالمواقف التي اعلنها رعد امس الثلاثاء ويستكملها السيد نصر الله يوم الجمعة باطلالته لمناسبة «يوم القدس العالمي»، يبقى ملف المحكمة العنوان «الساخن» الذي تتمحور حوله «الحرب الباردة» السياسية في لبنان والتي كانت شهدت في الايام الاخيرة فصلاً جديداً مع المقابلة «المثيرة للجدل» التي نشرتها مجلة «تايم» الاميركية مع مَن قالت انه احد المتهَمين الاربعة من «حزب الله» الذي كرر من البرلمان وبلسان رئيس كتلة نوابه نفي ذلك واصفاً ما حصل في هذا الاطار بانه «فضيحة» تشكّل ملف «شهود زور» جديداً.

واستهلّ رعد مؤتمره الصحافي مذكراً بـ «اننا سبق ان اعلنا من هنا قبل اشهر ان المحكمة الدولية مسيّسة لا تلتزم بأعلى معايير العدالة وتجاوزت منذ نشاتها الدستور اللبناني وصاغت قرار انشائها مصالح دولية تخطت ارادة ومصالح اللبنانيين ومؤسساتهم الشرعية القائمة وتنصلت من صلاحيتها في محاكمة شهود الزور وانتهكت تحقيقاتها مبدأ السرية وانيط بها تغيير قواعد الاجراءات بشكل مريب وتجاوزت حدود اختصاصها في طلب قواعد البيانات وتحديثها واعلنت اعتمادها على ادلة ظرفية قاصرة وغير ذات قيمة ثبوتية وأنّ هذه المحكمة لا يُنتظر منها احقاق حق ولا اقامة عدل بل لن يفاجئنا ان تكون قوس عبور لوصايات دولية على لبنان وامنه واستقراره وسيادته».

اضاف: «اليوم وبعد صدور القرار الاتهامي وما تضمنه من سيناريو واهن تلعثمت الفبركات الظرفية في تقديم ظروفه ، لا نحتاج الى عناء لتأكيد تسييس هذا الادعاء فضلا على قصوره عن اعتماد ادنى المعايير الدولية ما يعزز تقييمنا للتحقيق الدولي والمحكمة والهدف لالباس المقاومين الشرفاء تهمة ظلما».

وتابع: «القرار الاتهامي سياسي املته المصالح الاميركية والاسرائيلية في هذه اللحظة السياسية التي يتوهم اصحابها والمتواطئون معهم ان باستطاعتهم إحكام الخناق على المقاومة وابتزازها ووضعها بين خيارين: اما تشويه صورتها والتحريض ضدها وصولا الى تسعير فتنة بين اللبنانيين تضرب الاستقرار والسلم وتشرع الابواب امام الوصايا الاميركية وإما الخضوع لمشروع الهيمنة الاميركية – الاسرائيلية. والقرار الاتهامي ليس الا احدى آليات الضغط لاخضاع اللبنانيين عبر اخضاع المقاومة، وقد جاء مطابقا للتسريبات التي قامت بها المحكمة من اجل تهيئة الناس للتكيف معها، الا ان المقاومة من خلال متابعة تلك التسريبات احبطت مفاعيل القرار فجاء باهتا غير قابل للتصديق الا من قبل المندمجين بمشروع استهداف المقاومة والذين تزعجهم الاشارة الى مجرّد احتمال تورط اسرائيل».

واوضح ان القرار الاتهامي «كشف ان بلمار كان منضبطا بمسار سياسي في التحقيق اضطره الى تكبد جهد لانتاج فبركات ظرفية غير ذي صدقية لخدمة الهدف السياسي الاساس»، ملاحظاً «ان لغة القرار جاءت معبرة خلفية سياسية تحكم المحكمة وعن عدائية للمقاومة وتوق للانتقام من تاريخها»، وقال: «جاء القرار هشا لائذا بالتجاهل والاغفال والغموض متذرعا بان ما ينشره ليس الا جزءا فيما زج باسماء متهمين كما فعل سلفه بالضباط الاربعة وآخرين ثبتت براءتك بعد سنوات دون ان يحظوا ولو بالحد الادنى من اعتذار».

واضاف: «خلا القرار من اي دليل مباشر، ولو أخرجنا استنتاج التزامن الزمني للاتصالات لما وجدنا اي اثبات يستند اليه القرار الاتهامي. وشهية بلمار بدت في قراره واضحة باستهداف حزب الله وربما حلفاء له حيث انه ولو اتهم افرادا اعتبرهم مناصرين او منتسبين، فهذا يُظهر نية مبيتة لابتزاز الحزب في المقاضاة لاحقا».

واكد «ان الحقيقة وحدها هي التي تفضي الى العدالة، واللبنانيون مجمعون على الوصول الى الحقيقة والعدالة، وليست هذه المحكمة الدولية الطريقة الموصلة اليهما»، معتبراً ان «الظلم والافتراء يهددان الاستقرار ويقوّضانه»، وقال: «اي تحقيق قانوني يتوخى الحقيقة عليه ان يدقق بكل القرائن دون ان يلغي اعتباطا اي فرضية او مسار، وما عرضناه في السابق من قرائن ومعطيات حول طائرات الاستطلاع الاسرائيلية وطريقة اسرائيل في الاغتيال وعن اعترافات العملاء الموقوفين وعلاقتها بعملاء محددين كانوا موجودين في ساحة الجريمة قبل يوم واحد من تنفيذ الاغتيال وما عُرض عن السيطرة الاسرائيلية على داتا الاتصالات وقدرة الاسرائيلي على التلاعب بالاتصالات وزمانها و مكانها، كل ذلك كان كافيا ليفتح بلمار مساراً لتحقيق باتجاه العدو ويجد ادلة حقيقية على تورط اسرائيل بالاغتيال الا انه لم يفعل لأن التحقيق مسيس وهناك مسارات ممنوع عليه ان يفتحها».

واذ اعلن «ان كل ما يصدر عن المحكمة هو في سياق روزنامة سياسية تخدم سياسة استهداف المقاومة لاسقاطها»، اكد «ان المقاومة في سياق مواجهتها لعملية تصفية الحساب هذه لن تقبل الابتزاز ولن تخضع لارادة اعدائها ولن تفرط بالاستقرار وستُسقط بصمودها وارادتها الوطنية كل اهداف المتآمرين والمراهنين عليهم، والمقاومة هي التي تحدد طريقة الدفاع عن نفسها واكدت تجربتها انها تحسن التعامل مع الافخاخ التي ينصبها لها اعداؤها».

السابق
مصنع لخدمة أنف المواطن
التالي
الفول.. والمكيول