الجنرال يخرج مِن ثيابه… وجنبلاط حَذِرٌ في العودة إليها!

تقترب "رِفقة الطريق" من نهايتها. والرفاق الذين ساروا معا تحت ضغط الظروف، وبناء على معطيات ومراهنات سابقة، وصلوا اليوم إلى استحقاق الخيارات الجديدة. ويكتشف "حزب الله" وحليفه العماد ميشال عون صعوبة متنامية في تسويق "الخيار الواحد"، الذي من أجله جرى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. و"الجنرال" لا يكتم غيظه إزاء ذلك، على رغم الأعصاب القوية التي يتمتع بها حلفاؤه.

النائب وليد جنبلاط في صدد مزيد من التمايز عن شركائه الحاليين، ولكن في حذر. فالمسألة لا تتحمل "دعسة ناقصة". والوضع لا يسمح بجلاء الصورة والاطمئنان إلى الحدّ الكافي. ويقول عارفوه إنّ أحدا لم يسمع حتى اليوم موقفا أميركيا يقول بتنحّي الرئيس بشار الأسد. والمهل ما زالت تُعطى للنظام. والمطلوب التعقّل في الخيارات لأن أسباب الخروج من 14 آذار لم تتبدّد تماما. وثمة مخاوف من تطورات غير محسوبة على الأرض في الوقت الضائع، ويمكن أيّا كان أن يدفع ثمنها.

ولكن، تحت سقف حكومة "الأكثرية الجديدة"، يترقب جنبلاط تطوّر الصورة في سوريا وعلى صعيد المحكمة الدولية. ويشعر، وهو الآتي الى هذه الغالبية من موقع "اضطراري"، أنه بات نسبيا أكثر قدرة على استعادة بعض الهوامش. ويبدو الرئيس نجيب ميقاتي قادرا أيضا على الإفادة من هذا المناخ.

"الوسطيون" يعطّلون "الأجندة"

في اللحظة التي كانت تشتعل أزمة الكهرباء داخل الصف الأكثري، كان جنبلاط يتوّج مواقفه الأخيرة إزاء سوريا، بالتعبير عن تقاربه مع الرئيس سعد الحريري و"الرفيق القديم" مروان حمادة، ويقتصر لقاؤه في سوريا على اللواء محمد ناصيف. فيما "ملائكته" الغائبة والحاضرة في المجلس تضطلع بدور أساسي في تعطيل مشروع عون الكهربائي.

وأما الرئيس ميقاتي، المعبّر عن ارتياحه إلى موقف الملك السعودي عبدالله إزاء سوريا، فكان يقدّم مبادرة ذات مردود إسلامي وطرابلسي، في رعايته إنهاء أزمة الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. ويتمّ ذلك تحت سقف التناغم اللافت مع دار الفتوى.

وفي أيّ حال، لم تسمح مواقف ميقاتي وجنبلاط، والرئيس ميشال سليمان استنتاجا، للشريك القوي في الحكومة، "حزب الله" وحليفه، بتمرير "الأجندة" التي يريدها. فهو لم يتمكّن من انتهاج سلوك قد يؤخّر عمل المحكمة، و"تعقيمِ" الإدارة والأجهزة والقضاء من غير المحسوبين عليه، والمضيّ في فتح ملفّات أو افتعال أخرى، وإقرارِ مشاريع وقوانين كمشروع الطاقة الذي أفشل إقراره الشركاء في الحكومة، قبل الخصوم.

قلق التحوّل "أكثرية وهميّة"

لهذه الأسباب يزداد العماد عون توتّرا. وما يزيده في ذلك، هو وحلفاؤه في 8 آذار، توقُّعه أنّ الأيام الآتية ستأخذ "الوسطيين" في الحكومة إلى تقارب أكبر مع المعارضة، وإلى التلاقي معها على ضرب عدد من الخطوات التي يطمح إلى إقرارها المستفيدون من وجود السلطة في يدهم. وحتى قانون الانتخابات الذي أراد عون وحلفاؤه أن يضمنوا به "رؤوسهم" في العام 2013، والوصول إلى بعبدا في 2014، تعرَّض لإطلاق نار مبكر مَصدرُه المختارة.

فكرة انفلات جنبلاط و"تمايز" ميقاتي والوزير محمد الصفدي تُقلِق "الجنرال" وحلفاءه. فهي تُحَوِّل الأكثرية الحالية "أكثرية وهميّة" فعلا، بعدما كان السيّد حسن نصرالله يطلق هذا التوصيف على الغالبية السابقة. وعلى طريقة "مِن بيت أبي ضُرِبت"، عبّر "الجنرال" عن خيبته من وزير المال، مرشّحِه المفضل لرئاسة الحكومة، لأنه "لا يفتح الملفات". فيما الرئيس ميقاتي "في اللاوعي". ولم يشعر بأنّ الحكومة والمجلس مطواعان بين يديه، فخرج بالحل المناسب: احتلال مجلس النواب!

المصالح السياسية… وغيرها أيضا!

لقد أَخرجوا "الجنرال" من ثيابه فعلا… مستذكرا 7 و9 آب، ومهدّدا بتمزيق "بدلة الموالاة الضيّقة عليّ". ولم تكن مسألةَ كهرباء تلك التي أشعلت العماد عون، ولو أن "تياره" يبدو "مقطوعا" على خطّ التوتر العالي فوق رؤوس أبناء المنصورية وعين سعادة. بل إنّ ما أشعل "التيار" هو قراءته لمسار المرحلة، حيث الحلفاء الكبار الذين يستند إليهم إقليميا وداخليا يواجهون استحقاقات خطرة، بل مصيرية. فيما القوى التي اعتمدت "اللجوء السياسي" إلى دمشق، تحت الضغط، في مرحلة سابقة، تُراجع حساباتها. ما يترك "الجنرال" معلّقا في منتصف البئر.

"الجنرال" يخشى ما سيؤول إليه ميزان القوى، لكنّه عاجز تماما عن العودة إلى نهجه المناهض لسوريا وحلفائها بسبب الالتزامات السياسية وغير السياسية التي أخذها على نفسه. وفي أوساط خصوم "الجنرال" كلام على استثمارات ومصالح مالية وتجارية باتت قائمة بين بعض أركان "التيار" و"تكتل التغيير والإصلاح" من جهة، وعدد من أركان 8 آذار، بما يؤدّي إلى جعل أيّ محاولة لفكّ الارتباط السياسي تصطدم بالمصالح الخاصة لبعضهم.

وفي موازاة الضغط السياسي وغير السياسي المتزايد، الناجم عن تطورات سوريا والمحكمة، سيزداد توتّر "الجنرال"، فيما "ينأى بنفسه" جنبلاط إلى منطقة أكثر هدوءا. لكنّ الغالبية الحالية وحكومتها ستعاني "انفصاما في الشخصية" يؤدّي إلى تمزيقها، في موعد تحدّده سرعة المتغيرات. فهو قد يبكر أو يتأخر، لكنّه واقعٌ بالتأكيد. وما بعد الزلزال العربي والمحكمة لا يمكن أن يكون شبيها بما قبلهما، أيا تكن نهايات المشهد في دمشق ولاهاي.

السابق
سوريا ساحة صراع تركي – إيراني؟
التالي
…وأعلام تركية