اختيار راجحة وزيراً للدفاع لحشد الأقليات في مواجهة الإسلاميين

وعد المعارضون السوريون عشية شهر رمضان بتحويله محطة فاصلة في تحركهم الميداني المتصاعد منذ خمسة اشهر، وتفعيل حمّى التظاهرات ونوعيتها في مقارعة النظام السوري. وفي المقابل كان الحكم السوري يرفع وتيرة عملياته وتوزعها جغرافيا، ويحدد آليات المواجهة واختيار الفرق العسكرية المناسبة في خوض غمار حرب مفتوحة، تحولت تدريجا حربا اهلية – طائفية. وتتحدث تقارير عسكرية غربية، اضافة الى العسكريين اللبنانيين المطلعين على احوال الجيش السوري، عن انه لم يكن عبثا اختيار نوعية الفرق العسكرية ولا انتماءات افرادها، ولا المحافظات التي تدخل اليها قوى النخبة في الجيش السوري والتي تتبع مباشرة الرئيس بشار الاسد ومعاونيه الخلص من العائلة وخارجها.

وأوحت التطورات الدراماتيكية التي بلغت ذروتها مع احداث حماه، ان ثمة قراراً سورياً واضحاً في خوض مواجهة مفتوحة، استنادا الى جملة نقاط قوة يتمتع بها النظام، وهي النخبة العسكرية العلوية التي يستند اليها الاسد، واحكام قبضته على مفاصل الحكم عسكريا واقتصاديا، وابتعاد دمشق وحلب كعاصمتين اقتصادية وسياسية عن المواجهات، والتشدد داخل الحلقة الاقرب من معاونيه في التمسك بمفاصل السلطة. والاهم من ذلك كله بقاء ايران حليفا اساسيا، تحمي دمشق ظهرها به، واستطرادا المراهنة على انكفاء سعودي واضح، نتيجة حوار غير مباشر مع طهران حول عدد من ملفات المنطقة.

وتبعا لذلك، تجاهلت سوريا الاشارات الغربية المتصاعدة حدتها، من جولات السفيرين الاميركي والفرنسي فيها، الى تحذير الرعايا الغربيين والتهديد بسحب الشرعية عن الاسد، وصولا الى بيان مجلس الامن الاخير. وتتحدث اوساط لبنانية مطلعة عن ان دمشق لم تكن لتقبل الضغط الروسي لنأي لبنان بنفسه عن التصويت لو لم يكن لديها انطباعات ان هذا البيان الرئاسي هو الاول والاخير في سلسلة الضغوط الدولية عليها.

لكن بدا ان العكس صحيح وان فترة السماح الدولية في طريقها الى الانتهاء. فما عكسته المواقف الدولية الاخيرة، وتوسع الحركة العربية المناهضة للاسد، واستعادة تركيا دخولها المباشر على خط الازمة السورية، اظهر ان ثمة خريطة طريق دولية لا رجوع عنها، توّجها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد فترة شهر من الاحتجاب بتوجيه كلمته الاخيرة الى الاسد. وبدا وفقا لذلك ان سوريا تفقد آخر المعاقل التي كانت تتكئ عليها دوليا لحمايتها، وليس ادل على ذلك من الموقف الاخير للفاتيكان الذي كان حتى امد قريب ونتيجة تاثير دوائر مسؤولي الخارجية فيه، يصور النظام السوري على انه نظام حام للاقليات، والمسيحية منها خصوصا، لذا كان اول رد فعل فاتيكاني حيال احداث سوريا عمومياً. الى ان جاء البيان الاخير بمثابة تحول تدريجي في موقف السلطة الفاتيكانية، الامر الذي افقد دمشق ورقة حليف آخر.

من هنا رصدت الاوساط اللبنانية اختيار وزير للدفاع مسيحي للمرة الاولى في عهد بشار الأسد بعد سابقة وحيدة في عهد والده عام 1973، وعدّته بمثابة شد عصب الاقليات المسيحية والدرزية (التي تراجعت التظاهرات في مناطقها) لمواجهة العصب السني الذي دفع السعودية الى التحرك حين وصلت المواجهات الى حماه ودير الزور وغيرهما من المناطق السنية الصرف. والوضع المسيحي السوري يشكل حلقة مساومة قوية تقودها سوريا حيال ترك "الاخوان المسلمين"، والتلويح بحمايتهم كان منذ امد بعيد ورقة رابحة استفادت منها دوليا لا سيما بعد هجرة المسيحيين العراقيين اليها (وامتناع لبنان ايام الرئيس اميل لحود، عن تسهيل اقامتهم) واحداث مصر خلال نهاية عهد الرئيس حسني مبارك.

وبالنسبة الى عارفي النظام السوري، فان تعيين وزير الدفاع الجديد هو بمثابة ردة فعل قوية، نظراً الى تركيبة الجيش السوري طائفيا ومذهبيا، في مواجهة الحرس القديم الذي يبدي ملاحظات امنية وسياسية على كيفية ادارة الاسد للازمة، وان ذلك يشكل مشروع مواجهة مفتوحة من شأنها ادخال البلاد اكثر فأكثر في عنق الزجاجة.

من هنا يصبح الوضع اللبناني اكثر خطورة في هذه المرحلة. فالاحداث في سوريا من شأنها ان تترك آثاراً على المنطقة العربية كلها، الا ان ساحة المواجهة الحقيقية ستكون في لبنان في ضوء عاملين: اولهما موقف ايران من تركيا المقبلة على مواجهة مكشوفة مع دمشق، وتموضع الرياض مجددا ، بعدما نجح التواصل الايراني – السعودي في تحييد لبنان اشهراً مضت. وما رُصد حتى الان من موقف "حزب الله" لا يزال مضبوطا ولا ينحو في اتجاه تفجيري، بعدما امسك الحزب اساسا بمفاصل السلطة نتيجة انقلابه السياسي الاخير، وما دام ان عددا من المقربين من النظام السوري، نوابا وحزبيين، بدأوا يرسلون اشارات تفاهم الى عدد من قادة المعارضة ويظهرون نيات حسنة واستعداداً لتهدئة الوضع اللبناني وعدم ترجمة التطورات السورية توتراً داخلياً.

اما الثاني فتحول الحالة الاسلامية في لبنان وخصوصا في الشمال عاملا امنيا مقلقا يلامس حد الخطر.فاذا كانت صلاة الجمعة في الاسبوع الاول من رمضان، شهدت حالة اسلامية لافتة في تظاهراتها الطرابلسية، فان صلاة الجمعة الاخيرة من الشهر كما هو معروف تشكل عصبا اسلاميا قويا، الامر الذي يخشى معه ارتفاع في منسوب التوتر الشمالي.

وهذه الخطورة جعلت النائب وليد جنبلاط يكثف حركته الاخيرة في اتجاه العواصم المعنية، محاولا القيام بحركة تطويقية تحيّد لبنان الواقع تحت ضغط المحكمة الدولية واحداث سوريا، وكلاهما فيه من العوامل التفجيرية الكثير. وبحسب عارفيه، فان جنبلاط يريد تدوير الزوايا في ازمة تأخذ في لبنان، بعد سوريا، طابعا طائفيا، ولا سيما بعد بياني الرئيس سعد الحريري الاخيرين، والتحرك الطرابلسي واحداث المخيمات، وما يمكن ان ينتج من ذهاب الوضع السوري الى مزيد من التفجر، وما يمكن ان يكشفه القرار الاتهامي من دوافع ادت الى اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

السابق
عبد الله: لحل يؤكد العودة ولا يحرمنا حقوقاً إنسانية
التالي
تحذير من انتفاضة في عين الحلوة