واشنطن وطهران: تفاوض لـ “تفاهم” وإبرام “صفقة”؟

 على رغم الاختلاف الكبير والواضح بين الواقع السائد في ظلّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبين ذلك الذي كان أيّام الحكومة السابقة، فإنّ الانطباع العام السائد في البلاد هو أنّ الحكومة الميقاتية المنشغلة حاليا بتحضير "وجبة" جديدة من التعيينات الإدارية وغيرها، لن تتمكّن في هذه المرحلة من مقاربة الملفات الكبرى إلّا بعد تبلور المشهد الإقليمي في ضوء المفاوضات الجارية هنا والاضطرابات المندلعة هناك.

ويقول قطب سياسي إنّ الجميع في الموالاة والمعارضة ينتظرون ما سيؤول إليه تفاوض يجري بعيدا من الأضواء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول تجديد التفاهم القائم بينهما في شأن العراق وإمكان إدراج الملف السوري ضمنه، ويشير إلى أنّ طهران ترغب في هذا التجديد، ولكنّها تريد أن يشمل سوريا. وهذا التفاوض الأميركي ـ الإيراني هو ما يدفع جميع اللاعبين على الساحتين الإقليمية والدولية إلى انتظار نتائجه، ومن هؤلاء اللاعبين تركيا التي سارعت إلى تجميد دورها المباشر في ما يجري في سوريا سواء في التصريحات اليومية أو في العمل لإنتاج "بنغازي سوريّة" في "جسر الشغور" أو غيرها. في حين أنّ المواقف الأميركية والأوروبية التي تعنف ضد سوريا حينا، وتهدأ أحيانا، تعكس هي الأُخرى حال الانتظار. أمّا داخليا فإن الأكثرية تعتمد سياسة "الوقاية واللطف" في التعاطي مع "الفريق الآخر" لمعرفة هل ستنتج المفاوضات الأميركية – الإيرانية صفقة ما أم لا، نظرا إلى القلق الذي يعتريها حول الوضع السوري.

وفي المقابل فإنّ المعارضة تعيش هي الأُخرى حال انتظار لنتائج تلك المفاوضات يُعبّر عنها تلكّؤ الرئيس سعد الحريري في الدخول على خط القيادة المباشرة للمعارضة ضد الأكثرية وحكومتها، وكذلك فإنّ تلكّؤه هذا ناجم عن انتظاره ما سيكون عليه موقف الحكومة من موضوع تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكذلك من عدم وضوح صورة مستقبل الوضع السوري وما سيكون لطهران من مواقف في حالتي نجاح مفاوضاتها مع واشنطن أم فشلها.

وفي معرض التخوّف السائد من حرب إسرائيلية جديدة على لبنان، يكشف القطب أنّ المعطيات المتوافرة لدى الأكثرية تفيد أن إسرائيل لا تستطيع شنّ مثل هذه الحرب في هذه المرحلة، ويستدلّ إلى ذلك من المناورات الخمس التي أجرتها خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، فيؤكد أنّ الدولة العبرية بهذه المناورات لم تستطع الخروج من مأزق هزيمتها في العام 2006، لأنّ جبهتها الداخلية شاركت في هذه المناورات بنسبة 15 إلى 17 في المئة فقط. ويشير إلى أنّ المناورة الخامسة التي تضمنت اجتماعا لمجلس الوزراء الإسرائيلي في تل أبيب على وقع حرب مفترضة لم تعط النتائج التي طمحت إليها إسرائيل، لأن المجتمع الإسرائيلي لا يزال يعيش أجواء هزيمة 2006، فيما جميع جنرالات الجيش الإسرائيلي لا يزالون ينصحون بعدم الدخول في حرب جديدة.

ويكشف القطب نفسه أنّ الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل عدم القيام بأي حرب جديدة راهنا لأنّها قد تشاغب على العمل الأميركي الجاري لترتيب صفقة شاملة في منطقة الشرق الأوسط. وإذ يقول "إنّ وضع النظام السوري جيّد ومتماسك، وإنّ المحاولات الجارية لزعزعته قد فشلت حتى الآن"، فإنّه يرى أنّ هناك شيئا ما أميركيا مطلوب منه ولم يتجاوب معه، وهذا ما يفسّر إقدام واشنطن على تصعيد الموقف ضده بين حين وآخر كلما اتخذ خطوة حثيثة نحو الإصلاح الداخلي، لعلّه يستجيب هذا المطلوب الأميركي.

وعلى رغم ذلك فإنّ هذا القطب يقول إنّه لا يمكن في المطلق تحديد رؤية واضحة الآن حول ما سيؤول إليه مستقبل الوضع السوري، لكنّه يعتبر أنّ إسرائيل هي المستفيد الأول ممّا يجري في سوريا، فيما للولايات المتحدة حسابات مختلفة، تتصل بمستقبل مصالحها الإقليمية الراهنة والمستقبلية.

ويكشف القطب في هذا السياق أنّ واشنطن أخذت بنصيحة أسداها إليها رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان وتدعوها إلى عدم إدارة الظهر لـ"الأخوان المسلمين" في المنطقة لئلا يذهبوا إلى التطرّف. وإذ شرح أردوغان للأميركيين كيف أنّ حزب "العدالة والتنمية" التركي، وهو من "الأخوان المسلمين"، تأقلم مع العلمانية والديمقراطية والحرّية في تركيا، أوضح لهم في المقابل أن "الأخوان المسلمين" في المنطقة هم الأكثر جدارة لتسلّم زمام المبادرة والسلطة، ويجب إعطاؤهم فرصة في هذا المجال". ويضيف القطب أن الأميركيين أخذوا بهذه النصيحة التركية ودخلوا في مفاوضات مع "الإخوان المسلمين" تحت عنوان مساعدة هؤلاء على الوصول إلى السلطة في بعض البلدان العربية، ولكنّ واشنطن سرعان ما اكتشفت أن "إخوان" تركيا يختلفون تماما عن "الإخوان" في "دول الطوق" (مصر، فلسطين، لبنان، سوريا، الأردن)، فـ"الإخوان الأتراك" هم "سلفيون دعاة"، فيما "الإخوان" في "دول الطوق" ميالون إلى "السلفية الجهادية"، الأمر الذي أوقعها في إرباك، يبدو أنه هو الذي دفعها إلى التفاوض مع إيران لتجديد التفاهم القائم بينهما حول الوضع العراقي، ذلك قبل حلول الموعد المحدّد لسحب قواتها من العراق نهاية السنة، حسب الاتفاقية الأمنية الأميركية ـ العراقية، في حين أنّ واشنطن ترغب في بقاء هذه القوات فترة إضافية في بلاد ما بين النهرين، الأمر الذي يفرض عليها التفاوض من طهران ودمشق لتحقيق ذلك. والحاصل الآن أنها تفاوض طهران من جهة، وتضغط على دمشق من جهة ثانية. 

السابق
الأنوار : اليونيفيل تحمل السلطات اللبنانية مسؤولية امنها وتوقف رحلاتها لبيروت
التالي
النهار : أمن “اليونيفيل” ومشاورات بعبدا تبرز استبعاد الحوار قريباً