أفكار رمضانية

وقفت عند باب نافذتي انظر ناحية الغرب، علّي أرى ذلك الحرف البسيط المتوهج عند المغيب، كانت الساعة تميل نحو الثامنة مساء، لكن الحرف لم يظهر، كانت غيوما داكنة تسد الفق امامي في عز الحر من نهاية شهر تموز اللاهب، أسدل الليل ستاره، ولم انتبه إلا وصوت أم محمد البراء تنادي على الذي لم يهلّ من مكتبه منذ ساعات، انزل من عليائك فقد قارب وقت المغيب على الرحيل، وأنت لما تصل المغرب بعد.
انتبهت من شرودي الطويل، وفركت عينيّ فإذا بالليل سيطر على المكان بأكمله حولي….
سارعت للوضوء، ثم صليت المغرب وجلست ادعو الله تعالى بحرارة لم اتعود على مثلها إلا في أيام الحروب والمواجهات مع العدو الصهيوني…
ارتسمت في مخيلتي صور الراحلين من أهل وأخوة وشهداء قدموا دماءهم في طريق سعادتنا، ورن صوت القذائف والرصاص وأزيز الطائرات التي كانت تلقي فوق رؤوسنا من تموز حتى أخر آب حممها التي لا ترحم، تذكرت للحظة الشهداء المبتسمين، والجرحى الذين يعضون على آلامهم، والمشدين هنا وهناك، تذكرت اشياء جميلة وأخرى مهينة….
حلقت في سماء مسجدي أصياف الذين فضلوا البقاء تحت النار على التشرد في المدارس والمساجد وعند الأقارب والأصدقاء، وتذكرت أهل المروءة الذين رفضوا مد أيديهم إلى الأخرين وهم في عز محنتهم وتشريدهم، وتذكرت الذين عرضوا حياتهم للخطر يوميا من أجل أن يؤمنوا لنا لقمة الخبز ووسائل الحياة تحت الحصار، تذكرت الأحبة الذين رحلوا إلى حيث يظنون الأمان، وتذكرت أيضا فئة من صيادي الأزمات، رحلوا أن صمدوا من أجل المكتسبات التافهة، فأساؤوا لسمعتنا ومرّغوا كرامتنا في وحل الطمع والجشع وضعف النفوس….
تذكرت أن أمة انتفضت على الظلم والطغيان، وهي تدفع الثمن غاليا من أجل كرامتها وحريتها، ومستقبل أبنائها…..
لم تفارق مخيلتي فكرة أن عدونا يستعد بالليل والنهار، ويجري مناورات التحول التي بلغت خمسا وهو مستمر في الاستعداد، بينما نحن نتلهى بحروب وهمية على المستوى السياسي العام، وعلى مستوانا الضيق في منطقة أو بلدة، حتى أنه في بلدتنا الوادعة الموصوفة بالتعاون والمحبة تحول النشاط الجامع إلى أنشطة، وتحول الاحتفال بالخير إلى تنفيعات لهذا المطرب وتلك التي تبيعنا صوتها بحبات زيتوننا وعصير عنبنا وشهد تيننا فنتمايل طربا على أنغام خيراتنا التي نهشها الدود من فرط عصياننا…..
أنا الهائم بفكري بعيدا، برقت في ذهني فكرة الجمع على الخير، على حب الله تعالى وروسله صلى الله عليه وسلم، فكرة العوة للجذور التي وحدة أمة متفرقة، بدل التقاصف والتناحر من أجل افكار ومبادىء لفظها معتنوقوها ومروجوها الأصيلين، لماذا لا نجمع في نطاق الأخوة والمحبة، ورفض الرذيلة، وحب الحشمة….
نجتمع على قول الحق، ورفض الباطل، نجمع على وحدة مجتمعنا وتحصينه من اختراق القوى والمنظمات والجمعيات الآتية من خلف البحار ومن داخل اسورانا لتعيث فسادا في مجتمعاتنا……
كثرة الأفكار انستني بعضها…. وما عدت إلى عالم الناس إلا بصوت أم محمد البراء، تزف لي البشرى بصوت فرح يقول: أبشر غدا أول أيام رمضان المبارك، لقد أعلنوا رؤية الهلال الذي لم تستطع رؤيته من الغيوم الداكنة التي سيطرة على سمائنا من عصياننا……
البيت ضج بالحركة والفرح، وحمل كل واحد من الأولاد ما تيسر معه من قروش وألقاها في صندوق الصدقة، وكان نصيبنا نحن أيضا بعضا من المال أحببنا ان نفتتح به رمضان الخير والبركة….
الله ما أجملها من لحظات تتحرر فيها من كل الأوهام والمخاوف، وتتعلق بالله تعالى راجيا مغفرته، طالبا منه العون لتحقيق الأمنيات بمستقبل أفضل لأولادنا، وأمتنا، مستقبل خال من أي احتلال لأرض فلسيطن والعراق، من أي نظام قمعي تسلطي على رقاب شعوبنا، من أي تفرق وتشرذم في صفوفنا…. إنه المستقبل الذي أسس له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسى دعائمه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فيضعه بعض أجدادنا، ومطلوب منا استعادته على الطريقة الأولى….
رمضان أقبل فاغتنم حسانته
بصيام نهار وقيام بآياته
فيه غض بصرك،، وأكسك لسانك على ذكر الحرام….
وكل رمضان وأنتم بخير
تقبل الله تعالى منا ومنكم الصيام والقيام، وأعاننا على غض البصر وحفظ اليد والقلب واللسان.

السابق
يهوديات يطالبن باقرار تعدد الزوجات في اسرائيل
التالي
اصحاب المحطات في النبطية منزعجون من تملص باسيل