مفاوضات سعودية – إيرانية… بلا أميركا؟

 أثارت أخبار الانسحاب الجزئي للقوات السعودية، او بالأحرى لقوات "درع الجزيرة" من البحرين قبل اسابيع، فضولاً واسعاً في العالم العربي الذي كانت غالبيته تخاف على البحرين من الغالبية الشيعية فيها ومن حليفتها ايران الاسلامية، كما اثارت تساؤلات عن اسباب هذه الخطوة ودوافعها. وقد أشبعت جهات ديبلوماسية وأخرى بحثية اميركية الفضول المذكور والتساؤلات، وذلك بعد حصولها على معلومات اكدت ان اجتماعات خمسة رسمية عقدت في الاسابيع الاخيرة بين طهران والرياض. وقد مثّل الاولى فيها نائب وزير الخارجية الايراني، في حين مثّل الثانية نائب وزير الخارجية السعودي. واشارت المعلومات نفسها الى ان القيادة الايرانية حاولت اجتذاب الكويت الى طاولة البحث هذه، لكنها فشلت لأن السعودية أرادت ان تكون المحاور باسم مجلس التعاون الخليجي انطلاقاً من اقتناع بأن ايران اعتمدت دائماً سياسة التعاون مع اكثر من طرف بغية اثارة نوع من الخلافات بينهم قد تسمح لها بتحقيق اختراقات عدة تؤمن مصالحها. وابرز مثال على ذلك كان التفاوض الدولي مع ايران حول ملفها النووي، اذ حاولت اثناءه زرع شقاق داخل مجموعة الـ 5 +1 كما بين هذه المجموعة ودول اخرى مهمة مثل تركيا والبرازيل.
هل أعلمت المملكة العربية السعودية حليفتها الأولى في العالم الولايات المتحدة بنيتها التفاوض المباشر مع ايران ومن دون شريك؟ ولماذا فعلت ذلك؟
تفيد معلومات الجهات الديبلوماسية والبحثية الاميركية اياها ان المسؤولين الكبار في السعودية على اطلاع تام على كل الاتصالات الدائرة منذ مدة بين واشنطن وطهران. وتفيد ايضاً انهم على اطلاع على التعاون الميداني القائم بينهما وإن جزئياً، وخصوصا في العراق وافغانستان. وتفيد ثالثاً أن واشنطن تسعى، ومنذ مدة، الى الحصول على موافقة عراقية رسمية على ملحق لاتفاق انسحاب القوات الاميركية من العراق، يجيز لها ابقاء قرابة عشرة آلاف جندي في العراق، وانها تعرف ان ذلك سيكون صعباً، نظراً الى العلاقات الجيدة بين "الحاكمين" الفعليين في العراق وحليفتهم ايران. كما تعرف ان عدم رضى ايران عن البقاء المذكور لا بد ان يكون حافزاً لقيام تشكيلات عراقية عدة بالاعتداء على القوة الاميركية، كما على مصالح اميركا ورعاياها المدنيين. وتفيد رابعاً أن قبول اميركا بدور نافذ ومهم لايران في العراق احتمال وارد لأسباب كثيرة ومتنوعة. وتفيد خامساً ان السعودية قالت لنفسها: اذا كان الاميركيون يتحاشون ادخال السعوديين معهم في مفاوضات مع ايران رغم ان خطرها، على الخليج عموماً وعلى السعودية خصوصاً، كبير جداً، فلماذا يفترض في السعوديين أن ينسّقوا مع اميركا مفاوضاتهم مع الايرانيين؟ وتفيد سادساً ان هذا التساؤل نابع في رأي الرياض من حقيقة ان الولايات المتحدة لا تملك استراتيجيا واضحة لمنع ايران من ملء الفراغ الامني والعسكري في العراق بعد انسحاب قواتها منه. كما انها لا تملك القدرة لتنفيذ هذا المنع. وتفيد سابعاً ان السعودية ليست متأكدة أن اميركا ستكون قادرة على تقديم الدعم اليها في مواجهة ايران اذا حصلت هذه المواجهة. وتفيد ثامناً أن السعودية تخشى ان يجعلها اي اتفاق اميركي – ايراني عرضة للعطب.
ما هو الأثر الذي ستتركه المفاوضات السعودية – الايرانية على اميركا في حال استؤنفت؟ الجهات الديبلوماسية والبحثية الاميركية نفسها تجيب بأن من شأنها وضع الادارة الاميركية في موقف صعب ودقيق، ذلك أن واشنطن تحتاج، وهي تفاوض ايران، الى بناء فاعليتها ونفوذها وقوتها في العراق. واي مفاوضات مباشرة، وثنائية بين السعودية وايران قد تلحق ضرراً بالغاً بذلك. فضلاً عن ان واشنطن لا يمكن ان تكون متأكدة من الاتجاه الذي ستسلكه المفاوضات المذكورة، علماً ان الاخيرة قد تحقق نوعاً من الهدوء في البحرين. ولكن ماذا يكون رد الفعل الاميركي اذا توسعت المفاوضات بين طهران والرياض وشملت اخراج الاسطول الخامس الاميركي من البحرين في مقابل ضمانات ايرانية ثابتة واكيدة للأمن في السعودية؟ طبعاً يأمل المسؤولون السعوديون أن يدفع ذلك كله "البيت الابيض" في واشنطن الى التزام بناء قوة مواجهة وصدٍّ مع ايران، الامر الذي يمنعهم من التوصل الى تسوية موفقة مع ايران. الا ان المشكلة الحقيقية هي ان اميركا تجد نفسها في موقع حرج نظراً الى ان يد ايران "طايلة" اكثر من يدها.
 

السابق
شرعية السلطة والعنف
التالي
تموضع!