لا بد من الحوار ولو … بحوار حول جدوى الحوار !

 اذا كانت مثل هذه المجزرة المروعة تقع في بلد مثل النروج فهو الدليل على أن الارهاب الدموي والعنف لا يمتان الى أي دين بصلة، بل هو نتاج ثقافة الكراهية والحقد ورفض الآخر والتعصب. وهذه الجريمة الاستثنائية في وحشيتها ودمويتها تكاد تبلغ حد التطابق مع مثيلتها التي ارتكبت في أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأميركية، إن من حيث همجيتها على الصعيد الانساني، أو من حيث الهوية الثقافية للمتهم بكل من الجريمتين المقززتين. ولعل المسؤول الأول عن زرع بذور هذه الثقافة الهجينة والإجرامية في العالم في العصر الحديث هو لعبة الأمم التي استغلت الدين في الصراعات السياسية، وتجلى ذلك في أكثر من مناسبة مفصلية. منها أولاً، الحرب الأميركية – الغربية ضد السوفيات في أفغانستان، وأفرزت تالياً تنظيم القاعدة الذي تغلغل في بقاع الأرض ويهدد الاستقرار العام. ومنها ثانياً، التوجه الأميركي نحو اعتماد سياسة إلصاق الإرهاب بالثقافة الاسلامية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في التسعينات، وذلك ك عدو بديل بعد انهيار الشيوعية! وثالثاً وأخيراً، بإطلاق الحرب العالمية ضد الارهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001 في أميركا، وكانت موجهة حصراً ضد المسلمين والعرب. وتبين اليوم مما جرى في أوكلاهوما والنروج أن التعصب تحت أي ستار ديني – سواء أكان إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً – لا علاقة له بالدين، أي دين.

لا نحتاج في لبنان الى دروس وعبر لا من النروج ولا من أوكلاهوما أو غيرهما، إذ لدينا من تاريخنا الحديث والقديم ما يكفي، ودلت تجارب السنوات القليلة الماضية على أن المجتمع اكتسب نوعاً من المناعة ضد المغالاة التي تهدد بوقوع الكارثة، بدليل أننا وصلنا مراراً الى حافة الهاوية وتراجعنا ولم نسقط فيها، غير أن الخوف كل الخوف هو في أن يغلب الطبع التطبع! وقد بدأت تظهر في الخطاب السياسي، في الآونة الأخيرة، إشارات مقلقة بالجنوح نحو التطرف والعدوانية الشرسة في مخاطبة الآخر، تحت تأثير اقتناع مضلل بأن بعض الظروف الإقليمية والدولية تشجع على إجراء جراحة سياسية مهما تكن مؤلمة فإنها قد تكون فاصلة! وأقصر طريق الى الفتنة في لبنان هو تناول الرموز من القيادات بالكلام الجارح والتحريض والاستفزازي. وأسوأ أنواع الخداع هو خداع الذات. وفي كل مرة خدعنا أنفسنا ب المستجدات الإقليمية والدولية، دفعنا الثمن غالياً جداً. وقد أثبتت كل التجارب السابقة أن لبنان هو مقبرة المستجدات الإقليمية والدولية! ولا بد إذن من الحوار مهما طال السفر، حتى ولو كانت البداية في حوار بين الأفرقاء حول… جدوى الحوار! 

السابق
رائحة الحرب تفوح في سماء لبنان
التالي
بشار بين شخصيتين