أيّ أوراق يراهن عليها الأسد؟

يصارع نظام الرئيس السوري بشّار الأسد من أجل البقاء. وهو لهذه الغاية يعمل لإثبات فشل النظرية القائلة بـ"دومينو" الربيع العربي من خلال تعثرها أو تباطؤ حركتها في ليبيا وسوريا. بعدما كانت سريعة في مصر وتونس، كما يحاول إثبات انّ ما يجري في سوريا يختلف في الشكل والمضمون عمّا يدور في دول عربية أخرى، فهناك "انتفاضات شعبية" وهنا "عملية تخريب لضرب نظام الممانعة لإسرائيل".

هاتان المقولتان لا تلقيان رواجا في الداخل السوري الذي بات يعيش في عصر مختلف عن عصر الرئيس حافظ الأسد، ويستفيد من تقنيات التواصل الحديثة التي أتاحت له الانفتاح من دون قيود على خيارات جديدة، ولم تبدّلا شيئا في الدينامية الإقليمية – الدولية نحو إحداث تغيير شامل لمناخ المنطقة وأنظمتها.

400 سنة في لبنان؟!

هذه المعطيات الجديدة فاجأت قيادة الرئيس الأسد، وقد كانت تعتقد أنّ مجموعة الأوراق البالغة الأهمّية التي تحتفظ بها تجعل منها مرتكزا استراتيجيا أساسيّا، ولاعبا مع القوى الكبرى إلى طاولة الشرق الأوسط، وليس مادة للنقاش بين القوى الكبرى على الطاولة. وهذه الصدمة هي الثانية من نوعها بعد الصدمة الأولى التي تمثلت في العام 2005 بالخروج من لبنان، فيما كان يقول ذوو الشأن السوري في لبنان: إذا كانت تركيا قد بقيت في لبنان 400 عام، فإنّ سوريا ستبقى أكثر، لأنّ هناك ألف سبب وسبب لذلك!

في أيّ حال، لم يفقد الأسد كلّ أوراقه، وهو يحاول، إضافة الى استخدام الأوراق التي اعتاد طرحها على الطاولة، أن "يعوّم" أوراقا لطالما كانت نائمة، عملا بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات". وهو يراهن على انّ ما يمتلكه من أوراق "تقليدية" و"مستحدثة" قد تكون كفيلة بإنقاذه من المأزق. والقريبون من هذا النظام لا يقطعون الأمل في إمكان حصول تسوية اللحظة الأخيرة، ويرون أنّ من الممكن، إذا تمكّن النظام من مواجهة "لعبة الوقت" والصمود، أن يتيح المجال لاتّصالات مع قوى خارجية عربية ودولية، كقطر والسعودية وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة، تؤدّي إلى صفقة مع النظام تكتب له الاستمرار.

أوراق "تقليدية" و"مستحدثة"

ما هي الأوراق التي يراهن عليها الأسد؟ المتابعون لحركة النظام يعتقدون بأنّ هناك مجالا لاستخدام العديد من الأوراق، أبرزها تلك التي تتعلّق بإعادة تلميع الصورة التي لطالما اكتسبها كحاجة إلى الاستقرار في المنطقة، أي للدول المجاورة، وهي ورقة أساسية له في لبنان والعراق ومناطق السلطة الفلسطينية، كما على الحدود مع إسرائيل وتركيا.

1 – أدّى تأليف حكومة لبنانية قريبة من دمشق وبناء على "كلمة سرّ" سوريّة إلى توجيه رسالة مفادها أنّ الكلمة الفصل في لبنان تبقى لسوريا، وأنّ الغالبيّتين النيابية والوزارية، كما موقع رئاسة الجمهورية، باتت تمسك بها سوريا.وأنّ حلفاءها يمتلكون السلاح الذي لا قدرة لخصومهم على نزعه من أيديهم. وهذا السلاح قادر على تأدية دوره سواء مع إسرائيل أو في الداخل.

وفي موازاة جعل الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان ورقة مساومة سوريّة مع القوى الكبرى، يريد نظام الرئيس الأسد استثمار "الوسطيّة" لدى بعض مكونّات الحكومة كرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنائب وليد جنبلاط، لتكون الحكومة ورجالها بمثابة سفراء للنظام أو مدافعين عنه في العالم. وهذا الدور لا يستطيع تأديته حلفاء سوريا المنضوون ضمن فريق 8 آذار. وجاء تسريع تأليف الحكومة في سياق السعي إلى تحقيق هذا الهدف.

2 – في مناسبة يومي "النكسة" و"النكبة"، حاول النظام إثبات امتلاكه لورقة الأمن على الحدود مع إسرائيل في الجولان ولبنان، بعدما أدّت المصالحة الفلسطينية إلى تعطيل الورقة في مناطق الحكم الذاتي، ولكن تبيّن انّ هذه الورقة لم تعد بالفاعلية عينها في لبنان أيضا. كما انّ استخدامها في الجولان، في موازاة تهديد رامي مخلوف لم يظهر له تأثير فاعل.

3 – يتوقع أن يعمد نظام الرئيس السوري إلى استخدام متزايد للورقة التركية "النائمة" منذ الاتفاق الذي أدّى إلى اعتقال زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان.

فدمشق ترغب في توجيه رسالة إلى أنقره مفادها أنّ تحريكها ورعايتها للمعارضة السوريّة قد تكون لهما تداعيات خطرة على تركيا نفسها، لأنّ اهتزاز استقرار سوريا سيتيح فتح المناطق المحاذية للحدود أمام التوتر المفتوح كرديّا وعلويّا. وكان الوزير وليد المعلم واضحا في إطلاق إشارة من هذا النوع في مؤتمره الصحافي الأخير.

4 – يرغب الأسد في إيصال رسالة الى القوى الغربية مفادها أنّه النظام الذي يواجه الاتجاهات السلفيّة الإسلامية، فيما واشنطن وحلفاؤها يخوضون معاركهم الحاسمة في مواجهة تنظيم "القاعدة"، وإنّ سقوطه سيوقع سوريا أمّا في الفوضى وأمّا في قبضة الاتّجاهات السلفية التي لا يمكن ضبطها في مراحل لاحقة أو تقدير خياراتها، لا داخليّا ولا بالنسبة إلى علاقتها بدول الجوار وبالصراع مع إسرائيل.

5 – يريد النظام إرسال إشارات إلى أنّه مستعدّ لفكّ ارتباطه بطهران، لكنه يصطدم بأنّ الثمن المطلوب لذلك شديد الكلفة عليه، وهو يوازي عمليّة إسقاطه.

6 – تراجعت قدرة النظام في شكل ملحوظ على لعب الورقة العراقية، لكنها متروكة كخيار احتياطي، فيما اصطدمت محاولة طهران لعب أوراق خليجية في البحرين والسعودية ربّما، بمواجهة من جانب واشنطن التي تطالب بإصلاحات هادئة لدى حلفائها الخليجيّين.

أكياس الرمل

في اختصار، يجري نظام الرئيس الأسد وضع أكياس الرمل أمامه، و احدا تِلوَ الآخر، في محاولة للاستمرار مراهنا على أنّ عامل الوقت قد يحمل إليه تغييرا في الظروف الإقليمية والدولية،

ولذلك، هو يستعمل أسلوب "العصا والجزرة": مواجهة الانتفاضة في مقابل الإلقاء بمزيد من الطروحات الإصلاحيّة والدعوات إلى الحوار الداخلي، وفي هذا التوازن يطمح إلى أن تولد معطيات جديدة في مكان ما، كالحديث عن وساطة قطرية أو دور روسي فاعل يؤدّي إلى تسوية جديدة تعطيه جرعة من الصمود حتى العام 2012، موعد الانتخابات الرئاسيّة في فرنسا، أو العام 2013 موعد معركة باراك أوباما في واشنطن، عِلما بأنّ الأسد يعتقد بانعكاس الأجواء الانتخابية على الملفّ السوري أميركيّا وفرنسيّا يوما بعد يوم.

إنّما التجربة عينها التي خاضها الأسد في لبنان بعد العام 2005: انتظار ولعبة "عصا وجزرة" له ولحلفائه، حتى تمكّن من تبديل جورج بوش وجاك شيراك، وإحداث الانقلاب في الداخل اللبناني، إنّها مراهنة على الوقت والمتغيرات.

الوقت والعقارب

هل يتاح للأسد تحقيق هذه الغاية؟

خصومه يعتقدون أنّ نموذج 2005 اللبناني ليس في مصلحة النظام، فباراك تابع ما بدأه بوش، وساركوزي أكثر حدّة من شيراك، والانقلاب السياسي الداخلي في لبنان يترنّح تحت وطأة التطورات الجارية والمتوقعة. وأما التسويات فكانت ممكنة قبل أشهر أو سنوات، لكنها باتت اليوم صعبة وتتطلّب شروطا قد لا يكون ممكنا توافرها. تماما كما كانت لتسويات ممكنة في لبنان من خلال "إعادة الانتشار" التي طالب بها خصوم سوريا لسنوات… فجاء المخرج أخيرا بالانسحاب العسكري الكامل، وفقا لقرارات دوليّة.

صراع فيه رهان حاسم على الوقت. من هنا وهناك، لكن للساعة عقارب ذات اتّجاه واحد.

السابق
التغيـير فـي سوريـا كـاستثمـار طـائفـي فـي لبنـان
التالي
البناء: بنود البيان الوزاري تتقدَّم ويُرَجَّح إقراره اليوم والمستقبل يستخدم القرار الاتهامي في وجه حكومة الأكثرية