من هو صالح العلي الذي سميت هذه الجمعة في سورية باسمه

الشيخ صالح العليشيخ الثوار وأول الثائرين في طريق التحرر من الاحتلال.ولد الشيخ صالح العلي( من الطائفة العلوية) عام 1883م في قرية المريقب ناحية الشيخ بدر في منطقة طرطوس من أسرة عُرفت بالزعامة المدنية والدينية وتميز والده الشيخ علي سلمان بالتقوى والصلاح وكان مثالاً يحتذى في الإيمان والعمل الوطني.بدأ الشيخ صالح العلي نضاله بعد إعلان ثورة الحجاز بزعامة الشريف حسين 1916 ضد الحكم التركي فكان في طليعة من استجابوا لنداء الواجب والعروبة.

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى أنزل الفرنسيون قواتهم في بيروت وفي الساحل السوري فسارع الشيخ صالح العلي إلى دعوة زعماء ووجهاء المنطقة الساحلية لتدارك الموقف الجديد وقد عُقد هذا الاجتماع في قرية الشيخ بدر ونتج عنه قرار إيقاد الثورة في الجبال الساحلية وتكليف الشيخ صالح العلي ليكون قائداً للثورة، ومراسلة الحكومة المركزية لتقوم بمدّ الثورة بما تحتاجه من وسلاح وعتاد ومؤن.

 وصل نبأ الاجتماع إلى قادة الجيش الفرنسي فقاموا بعمليات المداهمة وألقوا القبض على بعض الزعماء الذين حضروا الاجتماع وزجوهم في سجن بانياس.في الوقت نفسه ، وجِّهت للشيخ صالح العلي دعوة لمقابلة قائد حامية بانياس إلا أنه تجاهلها لعلمه بخبث نوايا الاحتلال الفرنسي فما كان من الفرنسيين إلا أن قاموا بتجهيز حملة قوامها كتيبة مشاة مدعومة بالمدفعية تحركت من بلدة بالقدموس لاحتلال قرية الشيخ بدر واعتقال قائد الثورة.

بلغت أنباء الحملة للشيخ صالح العلي ولم يكن قد أتمّ استعداداته العسكرية وكان القرار بالمقاومة والتصدي لهذه الحملة فجمع عدداً من الرجال مع متاع قليل من الذخيرة وخرج باتجاه الحملة في أحراج وصخور (النيحا) حيث تمركز المجاهدون في نقاط تشرف على الطرق التي من المتوقع وصول الفرنسيين منها.

 وبالفعل قامت معركة دامية سقط فيها عدد كبير من الجنود الفرنسيين قدر عددهم بـ 35 قتيلاً وغنم المجاهدون عدداً كبيراً من البنادق وصناديق الذخيرة والمعدات، وانتشر خبر هذا النصر المؤزر في جميع الجبال الساحلية وبدأ تقاطر المجاهدين للانضمام إلى ثورة الشيخ صالح العلي حيث وصل عدد من ضباط الحكومة المركزية للعمل كمستشارين عسكريين للثورة أرسلتهم دمشق للمساعدة في تنظيم المجاهدين.أدرك الشيخ صالح العلي أن المعركة قد بدأت خصوصاً بعد قيام الجيش الفرنسي بعمليات تبديل للقادة والوحدات لمنع الثوار من إكمال استعداداتهم للقتال حيث وجه الفرنسيون حملة أكبر باتجاه الشيخ بدر في 2 شباط 1919م وكان الشيخ صالح العلي قد تهيأ لملاقاة الفرنسيين هذه المرة، ودارت معركة كبيرة انتهت بهزيمة جديدة للفرنسيين.

بدأت أخبار الثورة تنتشر حيث وصلت إلى شمالي اللاذقية وغربها وبانياس وتنادى زعماء المناطق لعقد اجتماع لدعم ثورة الشيخ المجاهد والوقوف صفاً واحداً لمواجهة المحتل وكانت معركة (بابنَّا) شرقي اللاذقية 16 نيسان 1919 حيث هاجم الثوار القاعدة الفرنسية ببابنا وخسر الفرنسيون عدداً كبيراً من المقاتلين، وكانت بعدها عدة معارك كبيرة كمعركة (سلمى) ومعركة (ترتاح) حيث التقى ثوار من ثورة هنانو في الشمال مع ثوار الشيخ صالح العلي.

 اتفق الفرنسيون على طلب المعونة البريطانية وبتاريخ 25 أيار 1919م وجه الجنرال ألنبي رسالة مطولة إلى الشيخ صالح العلي حملها ضابطان بريطانيان يعبر فيها عن خيبة أمل الحلفاء الذين قدموا لتخليص سورية من الاحتلال العثماني وإعطائها الحرية والاستقلال وطلبوا منه عدم التعرض للقوات الفرنسية التي ستنسحب من الشيخ بدر إلى القدموس ومنها إلى طرطوس.ورأى الشيخ صالح العلي أن نزوح القوات الفرنسية من القدموس إلى طرطوس يساعده في نقل الثورة باتجاه الشمال، أي العمل ضد الفرنسيين من جهة واحدة فقبل رغم توقعه الغدر.وتم الاتفاق على السماح للقوات الفرنسية بالمرور من منطقة الشيخ بدر والتزود بالماء على ألا تقف أكثر من ساعة ولا تنزل حمولتها ولا تنصب خيمة.

اتفق الجانبان العربي والفرنسي على عقد هدنة بشرط عدم إلقاء القبض على عناصر من أبناء المنطقة وتجنب الاحتكاك بالقوة الفرنسية منعاً للغدر، وأمر الشيخ صالح العلي بإخلاء قرية الشيخ بدر وحصّن رجاله في التلال المحيطة بها وكما توقع الشيخ صالح العلي .. فقد تقدّمت القوات الفرنسية إلى منطقة الشيخ بدر وشرعت فوراً بإنشاء المتاريس ومرابض المدفعية لاعتقال قائد الثورة وتدمير معقل الثوار والسيطرة التامة على المنطقة فأمر الشيخ صالح بالانقضاض على الفرنسيين لخرقهم الهدنة وحصلت معركة دامية استمات فيها المجاهدون انتهت بهزيمة الفرنسيين ونتيجة هذه المعركة تدفق عدد كبير من الرجال للتطوع في الثورة، وعلى أثر هذه المعركة رحل وفد من حكومة دمشق يحمل المساعدات والإمدادات وعدد من الضباط للانضمام إلى هيئة أركان حرب الثورة.

 أما في الجانب الفرنسي فقد أصبح الموقف أكثر حرجاً دلّت على ذلك المراسلات بين الحاكم مينو حاكم اللاذقية والجنرال هاملان قائد القوات الفرنسية في المشرق وكانت هذه الرسائل مليئة بطلب المساعدات وزيادة قواته.بعد ذلك أعد الفرنسيون حملة كبيرة في طرطوس للهجوم على الشيخ بدر واحتلالها وتقدمت الحملة بقيادة الجنرال /جان/ مجهزة بكل وسائل القتل والتدمير وكان ذلك في 15 حزيران 1919 حيث وضع الشيخ صالح خطة للتصدي لهذه الحملة الكبيرة ووزع المجاهدين على رؤوس الجبال ونصب الكمائن ومرت الحملة بوادٍ اسمه وادي (ورور).

ولما توسطت الحملة الوادي رفعت راية الثورة إشارة لبدء القتال وبصوت الله أكبر انقضّ المجاهدون على الجنود الفرنسيين حيث استمرت المعركة حتى منتصف الليل وبلغ عدد القتلى والجرحى زهاء 800 جندي كما أسر 16 جندياً وتمكن الباقي من الفرار تاركين أسلحتهم ومعداتهم وراءهم وكردّ فعل اتخذت القوات الفرنسية إجراءات شديدة لمواجهة الثورة فجهزت حملة كبيرة طوقت قرية (الرستة) وذلك في 21 حزيران 1919 ونفذت عملية هدم للقرية ولم تتمكن من إلقاء القبض على الشيخ الثائر نتيجة لتصدي المجاهدين لهذه العملية البشعة وفي ذلك الوقت اتصل الشيخ صالح العلي بالثورة في جبل الزاوية بزعامة إبراهيم هنانو يطلب العون والتثبيت بين الثورتين وقيام لجان في دمشق لجمع التبرعات والإعانات والإمدادات للثورة.

 وفي مطلع تموز 1919 سادت فترة هدوء نسبي في جبال اللاذقية إلى أن توجه رتل فرنسي من طرابلس بقيادة الجنرال (مينو) على طول الساحل لفرض سيطرة الجيش الفرنسي على المنطقة وتجريد السلاح وأسر المجاهدين.وفي 21 تموز قامت مجموعة من الثوار بالهجوم على قلعة المرقب الحصينة حيث انسحب الفرنسيون منها، وفي ذلك الوقت طلبت القوات الفرنسية مساعدة القوات البريطانية الموجودة في حماة وحمص لاستخدام الطيران لضرب الثوار إلاّ أن الجنرال ألنبي لم يستجب لطلب هاملان وأرسل رسالة إلى الشيخ صالح العلي في 4 آب 1919 يحتج فيها على مقتل عدد من رجاله ويحمّله المسؤولية الشخصية.

كانت تلك الرسالة حصيلة الاجتماع الذي عقد بين بيكو المفوض السامي والجنرال هاملان والجنرال بولس رئيس هيئة أركان المارشال ألنبي. حيث تقرر العمل السياسي وذلك بتشكيل لجنة للاتصال بالشيخ صالح العلي وإذا أخفقت اللجنة سيستأنف العمل العسكري من قبل قوات مختلطة بريطانية وفرنسية.

 وقبل الشيخ صالح العلي بالمفاوضات على الأسس التالية:ـ ضم الساحل إلى الحكومة العربية وجلاء القوات الفرنسية عنه وإطلاق سراح الأسرى.ـ دفع تعويضات للسكان عن الأضرار التي ألحقها الجيش الفرنسي.ونقل الوسيط الشروط إلى القيادة الفرنسية فقبلها وطلبت تحديد موعد للقاء الشيخ صالح العلي لإجراء المفاوضات والدخول بالتفاصيل وتم الاتفاق على اللقاء في قرية الشيخ صالح العلي وحدد الموعد النهائي للاجتماع.وفي حين كانت قيادة ثورة الشيخ صالح العلي تترقب نتيجة المفاوضات وردت إليها أخبار عن تحشدات عسكرية فرنسية وبدأ الشيخ صالح العلي استعداده لمواجهة هذا الزحف.وبدأت رحلة جديدة بالإغارة على حامية طرطوس وقامت ثلاث كتائب بقيادة العقداء:سليم صالح، إسبر زعيتي، عزيز بربر وبعض القادة الآخرين بالهجوم على طرطوس من الجهات الثلاث حسب الخطة وفي أعقاب الهجوم على طرطوس وما تلاه من ذعر بين الفرنسيين زحف الشيخ صالح برجاله وبلغ عددهم 4000 مقاتل في 3 آذار 1920م على القدموس حيث وجه إنذاراً إلى قائد الحامية بالاستسلام فوراً، وجاءت إشارة سقوط القدموس في برقية غورو إلى الخارجية في 17 آذار 1920م.

وشهدت الجبهة الساحلية منذ نهاية آذار 1920م معارك دامية وكانت إحداها في منطقة السودا حيث استخدم الفرنسيون الطيران ومدافع الأسطول.

 كانت نتيجة هذه المعركة الكبيرة غير ما يرغب به قائد الثورة إذ حصلت خسائر بشرية كبيرة، ووقع عدد من الثوار بالأسر. قام الفرنسيون بإعدامهم و شرعوا على الفور بمتابعة الهجوم ظناً منهم بأن الثوار قد انسحبوا، ولكن حصل العكس فكانت المقاومة شديدة واستمرت المعركة عدة أيام وكأنها بين جيشين نظاميين، وكانت الخسائر كبيرة جداً بين الطرفين، واستطاع الفرنسيون احتلال عدد من القرى لكن الثوار وبعد صراع استمر أكثر من شهر استطاعوا أن ينتزعوا النصر باستعادة بعض القرى والحصول على الكثير من الأسلحة والذخائر وذلك بفضل الصبر والفطنة.وفي هذه المرحلة قام وزير الحربية في حكومة دمشق يوسف العظمة بزيارة مناطق القتال واجتمع بالشيخ صالح العلي في قرية السودا. ووعد وزير الحربية يوسف العظمة بإرسال إمدادات عاجلة للثورة وتعاهد الرجلان على متابعة النضال.بعد ذلك عاد الفرنسيون إلى العمل السياسي بإرسال وسطاء لقبول الهدنة والموافقة على الشروط السابقة التي وضعها الشيخ، لكن الشيخ صالح العلي أخبر الوسطاء أنه لن يستقبل الفرنسيين وأنهم يخططون لعدوان جديد وفي الوقت نفسه وصل خبر إحراق قرية كوكب الهوى فرجع الوسطاء معلنين استياءهم من التصرف الفرنسي.وفي نفس الوقت، كانت القيادة الفرنسية قد كلفت أحد كبار الضباط وهو (نيجر) الخبير بالمنطقة الساحلية ووضعت تحت تصرفه أكثر من 30000 رجل من المشاة والخيالة تعززها أسراب الطيران وأرتال المصفحات. وبدأت الحملة بين قريتي خربة الروح (خربة تقلا) ونهر الصوراني شمال الشيخ بدر وبدأ الزحف على جبهة 30 كم مما اضطر الثوار إلى الانسحاب حتى قرية وادي العيون حيث حصلت معركة كبيرة فيها، اضطرت الفرنسيين لتغيير طريقهم باتجاه القدموس، مما أوقعهم بكمائن الثوار وعاد الوسيط البريطاني لطلب الصلح والالتقاء بالشيخ صالح بطرطوس فرفض الشيخ ذلك وطلب أن يكون اللقاء في الشيخ بدر وحضر جنرال فرنسي وآخر بريطاني مع حضور بعض الأسرى كحسن نية وانتهت المفاوضات دون تحقيق أية نتائج فما كان من الطرف الفرنسي إلا أن أعلن ضم الساحل إلى الدولة المركزية في دمشق وهو من الشروط الأساسية التي وضعها المجاهد الشيخ للتفاوض.في هذه الفترة وصل رسول من قبل الشيخ صالح العلي إلى المجاهد إبراهيم هنانو وعرض التعاون بين الشيخ صالح والمجاهد إبراهيم هنانو. رحب إبراهيم هنانو بالعرض وتم التنسيق للعمل العسكري وهذا الأمر جعل القيادة الفرنسية تفكر بإنهاء فوري للعمليات باستخدام قوات كبيرة مدعومة بالمدفعية وأسراب الطيران حيث وصل نبأ هذه الحملة إلى الشيخ صالح العلي عن طريق مصياف مما أدى إلى نقل عدد كبير من الثوار إلى مصياف.عند ذلك وجهت حملة كبيرة من القوات الفرنسية باتجاه الشيخ بدر والمريقب واحتلتها، واتخذت القيادة الفرنسية مقراً لها قريتي القمصية والشيخ بدر. وصلت أخبار الحملة إلى الشيخ صالح العلي وهو في منطقة السقيلبية عند ذلك عاد إلى مصياف وأعاد تجميع قواته للاستمرار بالصراع ضد الفرنسيين، وأعلن أنه سيواصل الثورة وأرسل وفداً إلى إبراهيم هنانو ليطلب المساعدة، حيث لبّى هنانو نداء الشيخ صالح العلي وأرسل بضعة ضباط وبعض السلاح حسب ما تيسر له.بعد ذلك، حصلت عدة معارك في بشراغي ووداي فتوح وتل صارم ومعركة قرية الدويلية ومعركة رأس قاسم ومعركة البودي. وبعد اكتمال إعادة تشكيل جيوش الشرق تقرر العمل في المنطقة الساحلية على إنهاء ثورة الشيخ المجاهد صالح العلي وتأمين خضوع المنطقة للفرنسيين.وكان من أسباب تمكن الفرنسيين من الثورة احتلالهم دمشق وتوقف الإمدادات وانتشار الفرنسيين في كافة المدن السورية.وفي رسالة لغورو إلى وزير الحربية وصف القادة الفرنسيون صعوبة الأعمال القتالية واعتبروا الشيخ صالح العلي عدواً يصعب التمكن منه لأنه روح العصيان في المنطقة الساحلية كما وصفه الجنرال غورو.بعد ذلك أصدر الفرنسيون عفواً عاماً وعرض الفرنسيون على الشيخ صالح العلي المشاركة في الحكم في دمشق فرفض وعرضوا عليه أموالاً فرفضها أيضاً.توفي الشيخ صالح العلي في 13 نيسان 1950م ودفن في قرية الشيخ بدر. ترك الشيخ صالح العلي مآثر وملاحم بطولية للأجيال القادمة بصلابته وحكمته وذلك باعتراف العدو قبل الصديق. 

السابق
أدونيس الذي لم نكن نعرفه
التالي
مخزومي: جدية الحكومة الجديدة في التصدي للأعباء الاقتصادية والمعيشية، فاللبنانيون يتوقون إلى نهضة بلدهم