البناء: شبيبةُ سوريا حماةُ الديار

لم يكن ما حدث في دمشق، أمس، حدَثاً عادياً. إنه حدَث سياسي ـ وطني ـ شعبي بامتياز. لقد قال شباب دمشق قولهم الفصل: نعم للتماسك الداخلي، لا للتدخل الخارجي، نعم للرئيس بشار الأسد.

لعل المغزى العميق الذي أعربت عنه الشبيبة في أعرق المدن التاريخية التي ما زالت مأهولة، هو مغزى الوعي اللافت الذي يَسِمُ الجيل الجديد. والوعي العام سمة قد لا تتمتع بها الشعوب إلا إذا قُيِّضَتْ لها قيادة تاريخية قادرة على نقل الوعي الفردي على مستوى القيادة، الى الوعي الجماعي على المستوى الشعبي العام.

اللافت ايضاً مستوى المؤامرة التي تألب فيها على سورية مخططون ومشاركون وقاطفون، على المستويات الغربية والعربية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإعلامياً. ولم تكن الفضائيات الممولة، بل المأجورة للخارج لتستطيع فبركة هذا الكمّ الهائل من الإشاعات والتضليلات والمزاعم العدائية والكيدية لو لم تكن وراءها دول بل قادة دول وَلَغوا في دم سورية كما ولغوا من قبل في دم فلسطين ولبنان والعراق وأقطار عربية وإسلامية أخرى، إكراماً للاعتدال والتطبيع وأمن «إسرائيل» المقدس!!

لم تكن التعبئة المعادية صدفة. كان بعض الإعلام موجّهاً في الغرف السوداء ومحرَّكاً منها على «الريموت كونترول». كان مُعِدّو نشرات الأخبار جاهزين هم ومذيعوهم ومذيعاتهم لقلب الوقائع وتزييف الحقائق. فالذئب يصبح نعجة، والمعتدي يمسي ضحية.. يتم إطلاق النار على رجال الأمن السوريين فيجري تصوير القوى الأمنية وكأنها هي مطلقة النار. يُغدَر بعناصر الجيش فتُصوَّر هي الغادرة. ينتشر قناصون تلقوا التدريب والتسليح والتمويل من دول مجاورة، لكن القنص الفضائي يتهم الجهات الرسمية بالقنص الافتراضي. يدمر الارهابيون المنشآت العامة فتعمل الدولة على إعادة النظام والأمن والاستقرار، لكن المواقف الغربية ترى في قيام الجهات الرسمية السورية بمهامها الوطنية «قمعاً ووحشية وعنفاً غير مقبول».

إن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من ذا الذي يطلب من الأميركيين والفرنسيين والأتراك رأيهم في النموذج السوري؟ ومن قال إن سورية مفتونة بالديمقراطية الأميركية مثلاً، أو إنها تريد استيرادها، أو إنها تقبل بتصدير ديمقراطية الغزو للعراق، وديمقراطية الاحتلال لفلسطين، إليها؟ علماً أن هاتين «الديمقراطيتين» المزعومتين هما نموذجان صارخان للإرهاب المنظم، ولخرق القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولاتفاقية جنيف وملحقاتها. إنهما، باختصار، نمطان غريبان عن أنماط القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، وعن كل القيم الديمقراطية التي تبدأ صدقيتها بالثقافة الديمقراطية والمناقب الديمقراطية.

… ويأتينا نموذج شاعر، لاهث وراء سراب «نوبل» وجائزته الملوّنة بالسياسة المنحازة، شاعر عاش معظم حياته في الغرب وتلوث وجدانه بخطيئة غرناطة وبالتنكّر المبرمج لانتمائه وقضيته الأم و…«إثـمِــهِ الكنعاني»، ليحاضر بالعفة الديمقراطية والفشل الأيديولوجي، وليقوم بإسقاط التجربة الغربية «التنويرية» على النماذج العربية، التي لم يترك لها الظلم الاستعماري والقشرة الديمقراطية المحشُوّة بالباطل والمخازي، إلا الممانعة والمقاومة سبيليْن وحيديْن نحو الكرامة، وبالتالي نحو التنمية البطيئة المراد لها ألا تبصر النور إلا في المآسي والاحتراب الداخلي والتجزئة ثم التفتيت.

إن ما جرى البارحة بالذات في عاصمة الأمويين هو تعبير شبابي عن تأييد الرئيس الشاب، الحكيم، الصبُور، سليل الدوحة الأسدية التي لم تقدّم لسورية إلا الرفعة والكرامة والتنمية والتحديث، ولم تسلّفْ عرب الانبطاح سوى دروس بليغة في معنى الحرية والسيادة والحقوق القومية.

هنيئاً لسورية شبيبتها التي لم تنسج العَلَم القياسي إلا بقلبها وعقلها ووجدانها قبل أيديها، وهي ستعمم هذا النموذج التأييدي المليونيّ على باقي المحافظات السورية، قبل أن تعود إلى قاسيون مكلَّلةً بالعز والفخار والانتصار.

  

السابق
الجمهورية: أبرز عناوين البيان الوزاري والكونغرس لوقف المساعدات المالية عن لبنان
التالي
حركية التاريخ الرسالي في فكر السيد فضل الله(قد)