صور: استعجال الأشغال في «الإرث الثقافي» قبل الموسم السياحي

ينقل «مشروع الإرث الثقافي» مدينة صور التاريخية تدريجا إلى مدينة عصرية تحاكي التطلعات المدينية والتغيرات الاقتصادية. ولم يخل المشروع، الذي مضى على انطلاقته الفعلية سبع سنوات، من اعتراضات التجار والمواطنين، على خلفية توسيع الأرصفة على حساب الشوارع الضيقة أصلاً، وتحويل السير إلى خط واحد في عدد من الأحياء الرئيسية، وخلق ازدحام سير إضافي. إلا أن للمشروع جوانب تنموية اقتصاديا، وسياحيا، وتراثيا، وثقافيا، واجتماعيا، يعبر عنها من خلال التأهيل الاستراتيجي للبنى التحتية على اختلافها، وتخصيص مراكز ثقافية في الحارات القديمة (بيت المدينة، ومركز الآثار البحرية، ومركز المديرية العامة للآثار)، وصولاً إلى تأهيل المواقع الأثرية البرية والبحرية، وربطها بعضها ببعض، وإنشاء متحف للآثار في موقع البص الأثري، وتأهيل الواجهات البحرية، ومرفأ الصيادين، كذلك استحداث وتحسين الساحات العامة ومواقف السيارات.
وتبلغ كلفة المشروع الممول من «البنك الدولي»، ويشرف عليه «مجلس الإنماء والإعمار»، بالتعاون مع بلدية صور، ما يقارب سبعة عشر مليون دولار أميركي. وتمتد فترة تنفيذه إلى أواخر العام 2012، نتيجة التعديلات والإضافات التي طرأت عليه، بعدما كان من المفترض أن ينتهي في أواخر العام الفائت. وعلى أبواب فصل الصيف والموسم السياحي، تتسارع وتيرة الأعمال في المشروع، الذي قسم إلى ثلاث مراحل، أنجزت منها المرحلة الأولى، وغالبية أعمال المرحلة الثانية، التي تتركز حالياً في السوق الشعبية وساحة الإمام الصدر (البوابة)، والجهة الشمالية، التي تشكل امتدادا لسرايا صور الحكومية، فيما تشمل المرحلة الثالثة أعمالاً في الأسواق القديمة، وتأهيل عدد من المباني التراثية في الحارات القديمة وترميمها.

ساحة المدينة
وتأمل بلدية صور في أن تحدث أعمال «مشروع الإرث الثقافي» نقلة نوعية مهمة على الصعد الاقتصادية، والسياحية، والحياتية، والجمالية في المدينة، بعدما غيّر بمرحلتيه الأوليين قسماً من معالم شوارع المدينة، وأعاد الروح إلى أبنيتها التراثية وواجهتها البحرية في آن. ويوضح رئيس لجنة التخطيط والتصميم في بلدية صور المهندس شريف بيطار «أهمية المشروع برمته لمدينة صور، التي تستفيد من تاريخها العريق وآثارها الضخمة وشاطئها المميز»، مشيراً إلى أن «الإرث الثقافي يغني مدينة صور، ويخدم رؤية البلدية، كي تأخذ المدينة دورها السياحي والخدماتي والاقتصادي».
ويرى بيطار أن «أعمال المرحلة الثانية، التي يفترض أن تنتهي نهاية العام الحالي، تتركز في منطقة البوابة «ساحة الإمام الصدر»، التي ستصبح من أجمل الساحات في لبنان، والسوق الشعبية الذي سيبنى بمواصفات أوروبية مع حفظ حقوق المستثمرين جميعا». وحول زحمة السير المتفاقمة في المدينة، التي ينجم جزء منها عن المشروع، يلفت بيطار إلى ان «الإرث الثقافي لحظ توسيع مواقف السيارات المحدودة في المدينة نتيجة افتقاد البلدية العقارات العامة»، مؤكدا على «وجود تصور استراتيجي يقضي بإقامة مواقف سيارات عند أطراف المدينة، واستخدام الباصات في نقل الوافدين إليها، وتجهيز عدادات في الشوارع (بارك ميتر)». وفي ما يتعلق باعتراضات المستثمرين في السوق الشعبية، يلفت إلى أخذ اعتراضاتهم بعين الاعتبار، «وضمان حقوقهم من خلال إنجاز عقود معهم، لإزالة الخوف من عدم عودتهم الى السوق مجدداً، بعد الانتهاء من الأعمال التي تستمر نحو ستة أشهر»، مشيراً إلى «تأمين بديل مؤقت للسوق الحالية على بعد عشرات الأمتار حتى يستمر المستثمرون في تحصيل رزقهم اليومي». ويشير إلى «حلّ اعتراضات الصيادين حول الأعمال التفصيلية في الغرف، التي تجري على قدم وساق، وتعديل بعض الأشغال، لا سيما ساحة نادي التضامن، حيث استحدث موقف صغير للسيارات، تم اقتطاعه من الساحة المقررة أصلا، لمراعاة واقع المنطقة ومصالح المواطنين»، مشددا على «ضرورة الإسراع بالأشغال في الشوارع، استعدادا للموسم السياحي».

طريق الآثار
ويؤكد مسؤول المواقع الأثرية في الجنوب علي بدوي، المكلف من المديرية العامة للآثار، بمتابعة «مشروع الإرث الثقافي» في مدينة صور، أن «المرحلة الثانية من المشروع تنقسم إلى قسمين. يشمل الأول تطوير وتحسين محيط المرفأ القديم (ميناء الصيادين)، وذلك لناحية تأهيل وتجميل واجهات الأبنية التاريخية والتراثية، والأرصفة، وإزالة الشوائب الاسمنتية، بالإضافة إلى تنظيم خطوط المرور، بحيث يصار إلى تحويل الجزء الجنوبي من شارع السرايا الحكومية، المقابل لميناء الصيادين، إلى شارع للمشاة، وتحويل وجهة السير باتجاه الناحية الغربية، عند حارة المسيحيين، بهدف التخفيف من الازدحام المروري». أما القسم الثاني فسيعيد «ربط آثار صور البرية في منطقة البص، والتي تضم قوس النصر والمدرجات الرومانية، بشرايين المدينة المتمثلة بالأسواق التجارية والحارات القديمة، وموقع الآثارات البحرية. وذلك من خلال استكمال فتح طريق الآثار البرية ووصلها بمنطقة شارع الاستراحة صعوداً، حتى سينما حمرا وشارعي الحسبة القديمة والجعفرية»، وفق بدوي. وأكد أن «الإرث الثقافي سيتيح لزوار الأماكن الاثرية في صور التجوال سيراً على الأقدام في كل أنحاء المدينة، بدلاً من الالتفاف بواسطة الحافلات للوصول إلى الآثار البحرية أو بالعكس»، لافتاً إلى الاهتمام الخاص الذي يوليه «البنك الدولي» للمدينة.
ويشير رئيس مجلس إدارة «شركة الموارد المائية والتنمية»، المنفذة للمشروع، شريف وهبي إلى أن «الأعمال تتم وفق المواعيد المتفق عليها مع الجهات المشرفة، لا سيما مجلس الإنماء والإعمار وبلدية صور، بمواصفات عصرية وعالمية»، لافتاً إلى الالتزام «بكل المهل ومواصفات الأشغال، بالرغم من زحمات السير والمناطق الضيقة للأعمال»، لافتاً إلى تسهيل الأشغال من جانب «مجلس الإنماء والإعمار»، وبلدية صور، وأبناء المدينة.

السوق الشعبية
باشر «مجلس الإنماء والإعمار» بالتعاون البلدية إنشاء سوق شعبية موقتة في صور، في موقف البوابة في مقابل المرفأ التجاري. وينتظر أن تنتهي الأعمال في السوق، التي ستنتقل إليها تدريجا بائعو الخضار والألبسة والقصابون وغيرهم في غضون أيام، على أن يعود المستثمرون إلى سوقهم الأصلية مجدداً، بعد بنائها بمواصفات حديثة خلال مدة لا تتجاوز استة أشهر. وتأتي الأعمال في السوق الشعبية، التي أقيمت في أواسط الثمانينيات على أملاك الخزينة اللبنانية، في إطار المرحلة الثانية من «الإرث الثقافي».
وتتضمن السوق «المجددة»، التي ستقسم إلى واجهتين، واحدة للألبسة وتضم 32 مستثمراً، وسوقا أخرى للخضار وتضم 66 مستثمراً، وسوقا منفصلة لعدد آخر من المحال المختلطة، حيث سيبلغ العدد الاجمالي للمستثمرين 158 مستثمرا. وسيراعي مشروع السوق الجديدة مستوى الخدمات والشروط البئية والصحية، وإضفاء الطابع الجمالي على السوق، ما يسهم في زيادة الإنتاجية من جهة وتجميل المنطقة بكاملها. ويلفت بيطار إلى أن «إنشاء السوق المؤقتة، هدفه عدم حرمان المواطنين لستة أشهر من تحصيل رزقهم وتوقف أعمالهم»، لافتاً إلى أن «البلدية تسعى إلى تملك مكان السوق من الخزينة اللبنانية، وستفرض على المستثمرين عدم بيع محالهم». وفي المقابل، أعلنت لجنة السوق عن رفضها لتوجهات البلدية بالاستثمار الموقت للمحال التي مضى على إنشائها واستثمارها أكثر من 22 عاما، مطالبة بإبقاء قيمة بدل الاستثمار الشهري على ما هي عليه (50 ألف ليرة لبنانية)، والتقيد بالاستثمار المفتوح وعدم تحديده بمدة زمنية معينة.

السابق
“وقائع مفبركة” حول تعاملات تجارية؟
التالي
المستقبل: برّي يحذّر من اغتيال آخر لتفجير فتنة مذهبية