السفير: من يجر لبنان لمحاربة سوريا؟

أقام الفراغ في كل ثنايا الجمهورية، فإذا بها بائسة وصغيرة، غير قادرة على الارتقاء للدمّ الكبير الذي زنّر السياج الشائك في مارون الراس.
أقام الفراغ في ثنايا الجمهورية، فتحوّلت، في غياب المرجعية الناظمة، إلى جمهوريات وظيفتها ابتلاع التضحيات.

أراد الفلسطينيون، ومعهم لبنانيون وسوريون وأردنيون ومصريون وأتراك، أن يجعلوا الخامس عشر من أيار يوماً يعيد فلسطين، إلى كل الساحات والميادين، فإذا بالسادس عشر من أيار، منصة يحاول بعض اللبنانيين عبرها أخذ بلدهم وشعبهم الى بوصلة الانتحار.. إلى حيث جرّب البعض أن بمقدور لبنان أن يُعادي سوريا وأن يضمر لها النوايا وأن يجعل بلده ممرّاً، لاستهدافها.. قبل أن يكتشف، متأخراً فقط بضع سنوات.. أنه اختار الدرب الخطأ.
وعلى عكس تلك الصورة الناصعة التي ظهرت، امس الاول، عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة من خلال مسيرة العودة التي تخضبت بدم احد عشر شهيداً، ظهرت من الحدود الشمالية مع سوريا، صورة رسمتها محاولة لزج لبنان واللبنانيين في الموضوع السوري، في خطوة رسمت علامات استفهام في توقيتها ومضمونها وخلفياتها وأهدافها.

وبعدما ذهب تيار المستقبل الى الطلب في تعميم داخلي من وسائله الإعلامية كلها إعطاء أولوية للحدث السوري وإبرازه من الموقف المناوئ للنظام، أعطى البيان الموزّع بالأمس، باسم عضو كتلة تيار المستقبل النائب محمد كبارة والذي يدعو الى التحرّك بأي شكل من الاشكال لنجدة المناضلين في سوريا، ونجدة الشعب السوري الذي يتعرض للإبادة ولمذبحة مبرمجة، اشارات أولية الى وجود قرار من قيادة التيار الأزرق من جهة ومن الراعي الاقليمي السعودي، من جهة ثانية، بالمجاهرة العلنية الى جانب المعارضين للنظام السوري، وهو الأمر الذي عبرت عنه، أيضاً صحيفة الشرق الأوسط السعودية، من خلال المقابلة المطوّلة التي أجرتها مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام ودافع فيها عن مقابلته الأخيرة مع التلفزيون الإسرائيلي.
وذكرت المقابلة مع خدام بتلك المقابلة الشهيرة التي أجرتها قناة العربية في خريف العام 2005، مع خدام في باريس والتي أعلن فيها انشقاقه عن النظام، في عز الاشتباك السوري السعودي حول لبنان.

غير أن المفاجئ في البيان الموزّع باسم كبارة خطورة مضمونه من جهة، ونسفه المنطق الذي حاول تيار المستقبل من خلاله النأي بنفسه عن الحدث السوري من جهة أخرى. ولعل البيانين الشهيرين لكتلة تيار المستقبل اللذين صدرا عنها في اقل من اسبوع خلال شهر نيسان الماضي، ما يناقض في الجوهر مضمون البيان الموزع باسم كبارة، حيث أكدت الكتلة حرفياً أنها لا ترغب ولا تؤيد التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وهذا الامر لا ينطبق على نوابها فقط، بل على أعضاء تيار المســتقبل كافة حسب البيان الأول.

وفي البيان الثاني اعلنت الكتلة رفضها القاطع التدخل في الشؤون السورية الداخلية وهي تعلن صراحة أن تيار المستقبل وكتلته النيابية لم يتدخل ولا ينوي التدخل وليس له مصلحة في التدخل(؟).
ويطرح ذلك سؤالاً مباشراً هل كبارة يعبر عن نفسه فقط، وهل يتبنى تيار المستقبل بيانه، ثم ماذا عن النواب الآخرين والتجييش الإعلامي الملحوظ؟
مما لا شك فيه ان تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري مطالبان بالإجابة على هذه الاسئلة، وخاصة حيال مغزى التدخل في سوريا وفي لحظة يبدو فيها المشهد السوري يضجّ بوقائع دراماتيكية ضاغطة، داخلياً وخارجياً، ومن هذه الأسئلة:
اولاً، ما هو مغزى توقيت هذا التصعيد ضد النظام في سوريا، وهل يلاقي هذا التصعيد أمراً ما مخفياً خلف اكمة سياسية كبرى تمتد الى ما خلف البحار والخلجان؟

ثانياً، هل هناك من يستظل بمنطق البكاء على أعمال ابادة وحديث عن مذابح، ليبرر التدخل المباشر، وإن صح هذا الأمر، الا يعني ذلك نسف ما يربط لبنان وسوريا من اتفاقات ومواثيق معلنة ومعروفة، والتي ترتب التزامات متبادلة على الطرفين؟
ثالثاً، هل هناك من يستظل بالعواطف الإنسانية والدموع على النازحين السوريين في اتجاه بعض الشمال، للتغطية على مجموعات لها طابع عسكري وأمني تحاول الاستفادة من هذا الغطاء لتدخل الى سوريا وتخرج منها في سياق استهداف للامن السوري، الا يرتب ذلك على لبنان مسؤوليات، علماً أن بيان قيادة الجيش الصادر امس، كان واضحاً بإشارته الى الاشكالات الامنية التي حصلت في الآونة الأخيرة على الحدود السورية، وقيام الجيش بتعزيز وحداته ونشر نقاط التفتيش الثابتة والمتحركة وتسيير الدوريات لمنع اعمال التسلل بالاتجاهين، وكان البيان شديد الوضوح في التحذير الذي أطلقه من اية محاولة للإخلال باستقرار هذه المنطقة وتعريض حياة المواطنين على جانبي الحدود للخطر؟

رابعاً، لمصلحة مَن الاستمرار في الاندفاع بلعبة توريط لبنان بالتدخل المباشر في الشأن السوري وفي لحظة تبدو فيها الدولة السورية على وشك إنجاز عمليتها الأمنية؟
خامساً، هل خلف هذا التصعيد، تعبير عن وجود قرار أميركي ـ سعودي بالتوريط اللبناني في سوريا، وبالتالي وضع لبنان كله أمام الحائط في موقف خطير، وماذا لو تمّت مساءلة لبنان على هذا الموقف لاحقاً من الدولة السورية، وماذا سيكون الجواب؟
سادساً، مع التأكيد على أهمية الطابع الانساني وعدم مشروعية أية محاولة للتشكيك فيه، لكن ماذا عن المظاهرات التي حظيت برعاية سياسية وإعلامية لبنانية في المعابر الشمالية، وكان شعارها الشعب يريد إسقاط النظام، وألا يرتب هذا الامر مسؤولية على الدولة اللبنانية تجاه سوريا باحتضان لاجئين لأسباب سياسية؟
سابعاً، ماذا ومَن يلاقي تيار المستقبل، وأي رسالة يريد إيصالها عبر الحدود الشمالية، هل هي رسالة من عندياته أم هي رسالة موحىً بها ومكتوبة بحبر أميركي سعودي وربما أبعد من ذلك؟ وهل كل ذلك يستبطن محاولة جدية لتحويل لبنان مجدداً الى ساحة تصفية حسابات اقليمية؟

ثامناً، مَن مِن القوى السياسية اللبنانية قادر على تحمل الثمن السياسي وربما غير السياسي تجاه سوريا في المستقبل؟
تاسعاً، هل هناك مَن يريد أن يقدّم مشهداً موازياً بين ما جرى على خط الحدود مع فلسطين المحتلة وبين ما يجري في شماله، لكي يقع لبنان بين حدَّي استقطاب متناقضين من شأنهما تفجير البلد؟
عاشراً، هل يتحمل لبنان كله والشمال تحديداً كلفة موقف كهذا؟ ألم تدل التجربة اللبنانية السورية أن لبنان لا يستطيع، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، أن يتحمل تبعات مواقف ومغامرات ومجازفات كهذه؟ وماذا لو قررت سوريا التدخل لحماية أمنها الوطني، وبالطريقة التي تراها مناسبة، فماذا سيكون الموقف، وهل سيتم اللجوء الى القوى الكبرى وتوسُّل الحماية منها على طريقة عبد الحليم خدام؟
ومن خارج الموضوع، تبقى إشارة أخيرة، لكنها لافتة للانتباه، أن الموضوع الحكومي، عاد بالأمس تحديداً الى نقطة الصفر. أي إلى لحظة التكليف، فما هو سر هذا التصفير، بالتزامن مع الزيارة الخاطفة لشقيق رئيس الحكومة المكلف طه ميقاتي إلى الرياض؟

السابق
اليونان تخوض حربين.. التقشف وامتناع مواطنيها عن دفع الرسوم الحكومية
التالي
الديار : توجُّه لعقد جلسة عامة لمجلس النواب والرئيس المكلف لن يعتذر