السفير: “شيطان التفاصيل” يربك “الروحية” … و”الداخلية”

فجأة أطل «شيطان التفاصيل» وأطاح في الساعات الأخيرة المناخات الإيجابية التي أعقبت تفاهم «الجنرالين» على حقيبة الداخلية، مثلما أطاح وهج القمة الروحية المسيحية ـ الإسلامية التي كان يريد لها «راعيها» شيئا، وإذا بمن ينسجون «السطور السوداء» بحبر أيديهم، يأخذونها باتجاه آخر، ليصبح السؤال: هل يمكن أن تنعقد قمة روحية ثانية أو هل كان من الأفضل للقمة نفسها أن تنعقد وتخرج منقسمة أم كان من الأفضل ألا تنعقد أصلا؟
تلاقت الصورة القاتمة، مع تطور لافت للانتباه على خط المحكمة الدولية تمثل بموافقة قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة القاضي دانيال فرانسين على تسليم اللواء جميل السيد أكثر من 270 مستندا يمكنه أن يستفيد منها في المواجهة المفتوحة بينه وبين الأشخاص الذين تسببوا في اعتقاله التعسفي أكثر من ثلاث سنوات.

وجاء هذا التطور، غداة المعلومات التي كشفها مراسل «السفير» في باريس محمد بلوط حول وجود توجه لدى المدعي العام دانيال بيلمار لإقحام مسؤولين سوريين في القرار الاتهامي تحت عنوان الوصول الى «الرأس المدبر» لجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في دمشق!

كما جاء هذا التطور بالتزامن مع دخول جهات لبنانية نافذة لدى الأميركيين والفرنسيين على خط التسريع بإصدار القرار الاتهامي، بحيث يصبح توقيته مضبوطا على ساعة التأليف الحكومي في لبنان…
وتزامن هذا التطور أيضا، مع زيارة لافتة للانتباه قامت بها السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي، أمس، للرئيس المكلف نجيب ميقاتي، حيث ناقشت معه أمورا متصلة بأوضاع المنطقة العربية، من دون أن تأتي على ذكر أي عنوان لبناني بما في ذلك المحكمة الدولية، ليتبين لاحقا أن الزيارة كانت مجرد ذريعة لإصدار بيان كان مجهزا في عوكر باللغتين العربية والانكليزية وأعلنت فيه باسم بلادها «أن المجتمع الدولي سوف يُقَيِّم علاقته مع أي حكومة جديدة في لبنان على أساس تركيبة مجلس الوزراء المقبل، والبيان الوزاري، والإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة الجديدة في ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان والتزامات لبنان الدولية الأخرى» (ص3)!

في الموضوع الحكومي، بدا واضحا ان حقيبة الداخلية لم تكن سوى ستار يحجب كماً هائلا من التعقيدات التي تعطل ولادة الحكومة، ولم يكن التوافق المبدئي على حل عقدة الداخلية بإسنادها الى العميد المتقاعد مروان شربل، أكثر من جرعة تفاؤل سرعان ما تراجع مفعولها مع اصطدام المشاورات مجددا بتصلب «الجنرالين»، وتحديدا العماد ميشال عون، وهذه المرة من باب التمثيل الماروني، بحيث طالب معاونه السياسي الوزير جبران باسيل، في جلسة ليل أول من أمس، بأن تكون المقاعد المارونية الخمسة المتبقية (غير الداخلية) من حصة «تكتل التغيير والإصلاح»، متجاوزا حقيقة أن التوافق على شربل، لا يعني أنه من حصة رئيس الجمهورية وحده، خاصة أن الرجل يحظى باحترام لدى «الجنرالين» معا.
وبينما كان مقررا أن يشهد مكتب الرئيس المكلف في عين التينة، ظهر أمس، اجتماعا قيل إنه سيكون «حاسما»، يضمه والمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والوزير

جبران باسيل، إلا أن هذا الاجتماع أرجئ بشكل مفاجئ، إلى اجل غير مسمى، بعدما تبين أن لا جديد على خط المشاورات بين أهل البيت الواحد، على صعيد حل عقدة التمثيل الماروني.
وتبين أن عون ظل مصرّا على الحصول على خمسة وزراء موارنة، أربعة منهم من حصة «التيار الوطني الحر» وأما الخامس فيعود لتيار المردة، رافضا بذلك ان تزيد حصة سليمان عما حصل عليه في اختيار العميد مروان شربل. وقد تم إبلاغ هذا الامر الى الرئيس المكلف من خلال اتصال مع أحد أقطاب 8 آذار، وعندها تقرر تأجيل الاجتماع إفساحا في المجال أمام المزيد من المشاورات.

والتقى ميقاتي مساء امس، وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي موفدا من النائب وليد جنبلاط لوضعه في أجواء زيارتهما الى العاصمة السورية والمناخات المشجعة التي لمساها لجهة التسريع بالتأليف الحكومي.
وأكدت اوساط ميقاتي على ايجابية الاتصالات، لكنها دعت إلى عدم الافراط في التفاؤل وتسريب معلومات غير دقيقة، في إشارة الى استياء الرئيس ميقاتي من تسريب اسم العميد شربل، لأن الامور مفتوحة على مزيد من البحث والتفاوض حول توزيع الحقائب.

وقالت أوساط قريبة من رئيس الجمهورية لـ«السفير» أن لا جديد على صعيد الاتصالات ولا يوجد أي تقدم، ورفضت تأكيد أو نفي ما تردد عن رجوع سليمان عن موافقته المبدئية على مروان شربل، لكنها قالت إن هناك طروحات تعجيزية، وفي أي حال العقدة ليست لدى رئيس الجمهورية بل هي في مكان آخر، وهو ما يزال ينتظر ان يتلقى التشكيلة الحكومية من الرئيس المكلف ليبدي رأيه فيها كاملة. وتوقعت أن يتطرق سليمان في كلمته في الجامعة اليسوعية اليوم الى المجريات السياسية العامة في البلاد.

قمة الانقسام السياسي!
من جهة ثانية، شهد لبنان أمس، انعقاد قمة إسلامية مسيحية في بكركي حضرتها جميع المراجع الروحية، بمن فيها ممثل الطائفة العلوية، وذلك للمرة الأولى. وإذا كان هذا الانعقاد قد شكل حدثا اول في مستهل ولاية البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، فإنه في المقابل شكل مرآة عاكسة للواقع السياسي المتخبط، وتجلى ذلك في الالتباسات التي رافقت البيان الختامي وعدم التوافق على الاولويات، وخاصة في ما يتعلق بالبندين السادس والسابع.
فقد تضمنت المسودة النهائية التي حظيت بموافقة الجميع مضمونا مختلفا ولا سيما في البند السابع، حيث تم فجأة استبدال عبارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي بعبارة «الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي» وهي لغة لم تكن مألوفة في قاموس جميع القيادات الإسلامية وتحديدا دار الفتوى والمجلس الشيعي ومشيخة عقل الطائفة الدرزية.
ولوحظ أن هذا التعديل كتب بالحبر على المسودة المطبوعة، الأمر الذي أثار أسئلة حول الجهة التي تعمدت حدوث ذلك، حيث اعترض علنا ممثلا المجلس الشيعي الأعلى الشيخ حسن عواد والزميل نزيه جمول، ولكن أصر الآخرون على تلاوة البيان، بالنسخة الجديدة، التي أصابها تعديل أيضا في البند السادس الذي يقول بحق الدولة اللبنانية «في تحرير أراضيها التي تحتلها اسرائيل»، بديلا لعبارة كانت موجودة في المسودة الأخيرة وتقول بـ«حق لبنان في تحرير أرضه»، وقد أدى ذلك الى اصدار المجلس الشيعي الأعلى بيانا تحفظيا عكس في مضمونه احتجاجا على مقاربة قضايا خلافية كان متفقا على عدم التطرق اليها، بحيث يكتفى بالمواضيع الاجماعية التي تضمنتها المسودة التي حظيت بإجماع المشاركين، وبالتالي، جرى فتح الباب أمام أسئلة من نوع ما، من تولى «تهريب» عبارات ومصطلحات أطاحت القمة وأفقدتها وهجها، ولماذا لم تصدر بيانات عن كل من القيادات السنية المتمثلة في المجلس الشرعي وعن الرئيس نبيه بري وقيادة «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط وغيرهم رفضا لمنطق اختزال الصراع العربي الاسرائيلي بالصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، ولماذا شطب حق لبنان الذي يعني في مضمونه حق الشعب والجيش والمقاومة، واختزل بحق الدولة؟
يذكر أن القمة الروحية ناشدت المسؤولين السياسيين المعنيين «تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، على الأسس والقواعد الميثاقية والدستورية بما يمكنها من أداء دورها في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة العربية».

السابق
البناء: القمة الروحية تنتهي ببيان مفخَّخ والمجلس الشيعي يعترض
التالي
اللواء: إنتكاسة تضرب التوافق على التشكيلة وكونيللي تكرر مطالبها من الحكومة الجديدة