الجمهورية: التأليف أفلت من الداخلية ليعلق بـالاتصالات وسواها

تفاؤل بالتأليف… لكن لا موعد لولادة الحكومة بعد، على الرغم من أنّ الحراك الداخليّ المتسارع في الساعات الماضية وما رافقه من تصريحات أوحى أنّ الدخان الأبيض الحكومي سيتصاعد من القصر الجمهوري في وقت قريب. واكتسحت موجة التفاؤل أوساط المعنيّين بالتأليف في ضوء تبشير رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بعد زيارته رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اللبنانيّين أمس بأنها إربت تنحلّ، وأنّ هناك تقدّما ملموسا ومحسوسا في التأليف، ولكنه لن يقول فول تيصير في المكيول، على حدّ ما نقل عنه نوّاب لقاء الأربعاء بعد عودته من بعبدا حيث بحث مع سليمان في ما آلت إليه المشاورات في شأن تذليل العقد التي تعوق الولادة الحكوميّة, فيما أشارت أوساط معنية الى احتمال تشكيل الحكومة قبل نهاية الأسبوع.

فقد نشطت أمس الاتّصالات واللقاءات المباشرة وتحوّلت علنية بامتياز، فغابت اللقاءات السرّية وتوسّعت رقعة المشاورات على أعلى المستويات، وإلى اللقاء الأسبوعي بين سليمان وبرّي التقى رئيس الجمهورية بناءً على طلبه، الرئيس المكلف نجيب ميقاتي للمرة الثانية في خلال أقل من 24 ساعة وناقش وإيّاه سلّة الأسماء المرشحة لتولّي وزارة الداخلية. ولم يشأ ميقاتي بعد اللقاء الإدلاء بأيّ تصريح.

وفي هذه الأجواء تبيّن للمراجع المعنية وتواكب عملية التأليف أنّ الأسماء الثلاثة المطروحة هي لنقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي والعميد المتقاعد في قوى الأمن الداخلي مروان شربل وقائد الدرك السابق العميد انطوان شكور الذي سبق لـ الجمهورية أن أشارت إلى أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون كان استشاره سابقا في إمكان تسميته لوزارة الداخلية. لكن العميد شكور أبلغه في حينه أنه لا يقبل من اليوم أن يتحدث إليه أحد من السياسيّين عند تولّيه المسؤولية في مثل هذه الوزارة فهو ابن المؤسّسات الأمنيّة ولا يقبل بأن يراجعه أحد، بعدما أبدى استعداده لأيّ مهمّة وطنيّة بهذا الحجم. وقال إنه مستعدّ لها شرط أن تكون له الحريّة في التصرف في ملعب من ملاعبه.

وفيما لم يتأكّد موقف رئيس الجمهورية من الأسماء الثلاثة، قالت مصادر مطّلعة أنّ في عدم إجابته بعد على ما طرح ما يشير إلى إصرار بعبدا على حياديّة وزير الداخلية وفتح نافذة واسعة على الحلول التي لا تقف عند التوافق على اسم وزير الداخلية طالما أنّ البحث فتح في التركيبة الحكوميّة بكاملها حسب ما قالت الجمهورية أمس، وهو أمر بات على قاب قوسين أو أدنى من تفاهم شامل، وإلّا العودة إلى المربع الأوّل الذي كان قائما بعد تكليف ميقاتي بأسبوعين وهو أمر يتجدد بعد مرور اليوم التاسع بعد المئة على تكليفه.

وقالت مصادر قصر بعبدا عن أنّ القطار وضع على السكة في الاتّجاه الصحيح، لكنه لم يصل إلى المحطة بعد، فدونها مراحل عدّة لم تحسم، وفُسِّر ذلك بأنّ الشياطين تكمن في التفاصيل. وجزمت بأنّ مصير حقيبة الداخلية قد حُسم وسيكون وزيرها في عهدة رئيس الجمهورية يسقطه على التشكيلة الوزارية في صيغتها النهائيّة قبل إصدار المراسيم إلى جانب الأسماء المتروكة له والتي قد تبلغ أربعة على الأقلّ.

وكان برّي قد اكتفى بعد لقائه سليمان بابتسامة عريضة أمام الصحافيّين، واكتفى فور وصوله إلى ساحة النجمة بالقول إربِت تنحلّ، لاء والله عم بمزح … والله الأجواء أفضل من قبل. ولكنه قال لنوّابٍ خلال لقاء الأربعاء النيابي: إنّ هناك إصرارا قويّا على التسريع في تأليف الحكومة وعملا ساعة بساعة للوصول إلى النتائج المرجوّة. ونقل نوّاب عنه قوله إنه تلمّس تقدّما ملموسا ومحسوسا في عمليّة التأليف، وأنّ الأجواء أفضل وأحسن، لكن لا يمكنه القول فول حتى يصير بالمكيول.

وقرابة السادسة والنصف مساء عقد في دارة ميقاتي في فردان اجتماع رباعي ضمّ إليه كلّا من المعاونين السياسيّين لبري والأمين العام لحزب الله النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل والوزير جبران باسيل وخصّص للبحث في تمثيل المعارضة السنّية والحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة، وغربلة الأسماء المرشحة لوزارة الداخلية وهي شربل وشكور وقرطباوي. ورجّحت مصادر معنية بتأليف الحكومة أن تكون الأفضلية لشربل.

وما إن انتهى الاجتماع الذي استمرّ أكثر من ساعة حتى وصل الوزير غازي العريضي إلى دارة ميقاتي موفدا من رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي أعلن في حديث أمس أنه سيزور دمشق اليوم، ولا يستبعد أن يبحث مع القيادة السورية في موضوع تشكيل الحكومة. ونفى علمه بمعطيات تحدّثت عن ولادة حكوميّة خلال 24 ساعة، لكنه أمل في أن تؤلّف الحكومة سريعا، وقال: علينا العودة في أقصى سرعة إلى تشكيل حكومة وتدارك مفاعيل التأخير من محكمة وغيرها، مشدّدا على ضرورة العودة إلى الحوار العقلاني.

وعلمت الجمهورية أنه تخلّل الاجتماع خلاف على موضوع وزارة الاتصالات حيث إنّ عون يتمسك بأن تبقى ضمن حصته من الحقائب الوزارية، فيما ميقاتي يريدها أن تكون من حصته هو، ويرغب بإسنادها إلى نقولا نحّاس بدَلا من وزيرها الحالي شربل نحاس، ولم يتوصل النقاش إلى نتيجة بعد.

وقالت مصادر في التيّار الوطنيّ الحرّ إنّ أجواء اللقاء مع ميقاتي حقّقت تقدّما على مستوى البحث في سلّة الأسماء من دون الدخول في أيّ تفاصيل قبل أن يطّلع عليها العماد عون من باسيل مباشرة.
وكشفت مصادر واكبت لقاء فردان الرباعي أنّ ميقاتي هو من طلب هذا اللقاء عندما كان في طريقه إلى الاجتماع بسليمان قبل ظهر أمس، وذلك بناء على اتفاق تمّ بينه وبين برّي في لقائهما ليل أمس الأوّل إثر عودة الرئيس المكلف من اجتماعه من قصر بعبدا، والذي امتدّ إلى منتصف الليل وأعقبته مشاورات بين برّي والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله.

وقالت المصادر إنّ لقاء فردان الرباعي بحث في اسم الوزير الذي سيمثل المعارضة السنّية، وجرى البحث في ثلاثة أسماء منها فيصل عمر كرامي، وآخر من عكار. وعندما لفت ميقاتي إلى استحالة توزير كرامي للأسباب المعروفة التي لم تتبدل إلى اليوم، انحصرالبحث في إسمين رفضت مصادر الأطراف الكشف عنهما لأنّ اللائحة قد تتوسّع لاحقا لتضمّ أسماء جديدة نتيجة توسّع المشاورات في هذا الصدد.

وفي اللقاء أبلغ باسيل إلى المجتمعين أنّ عون ما زال متمسّكا بوزارة الطاقة وأنّه وتيّاره غير مسؤولين عن التسريبات الخاصة بالتخلّي عنها مقابل وزارة أخرى، وأنهما لا يدريان من أين جاءت الرواية، خصوصا أنّها بدّلت بينها وبين وزارة الصحّة على خلفيّة تخلي برّي مرغما عن الوزير محمد جواد خليفة، في ضوء ما نقلته عنه وثائق ويكيليكس، وأدّى بأوساط المقاومة إلى وضع فيتو عليه. لكن الحاج حسين خليل نفى وجود هذا الفيتو، وقال: إنّ هذه الأمور لا وجود لها في قاموس المقاومة عندما يتصل الأمر بمن يسمّيهم الرئيس برّي.

وليلا قالت أوساط ميقاتي لـالجمهورية في ختام اجتماعاته إن الأمور في حاجة إلى مزيد من التشاور والاتصالات، وإن الرئيس المكلف أطلع جميع الذين التقاهم على حصيلة مشاوراته، وتحديدا حصيلة لقائه مع رئيس الجمهورية.
وسئلت الأوساط عما يتردد من معلومات مفادها أنّ الحكومة ستُعلن خلال اليومين المقبلين، فأجابت: الأجواء ايجابية، رافضة الدخول في تحديد مواعيد للولادة الحكومية.
وأضافت أوساط ميقاتي أن ما تردد عن أسماء اتفق عليها لحقائب وغيرها، إنما هي أفكار تم التشاور فيها ولم تحسم نهائيا بعد، في انتظار مزيد من البحث في التشكيلة الوزارية ككل وتجاوزها إلى تركيز أسس التضامن بين العاملين فيها. واعتبرت أن الإسراع في إشاعة أجواء التفاؤل أو التشاؤم أمر مبالغ فيه، وهدفه التشويش على الاتصالات.

في غضون ذلك، تلقى ميقاتي أمس أتصالا من رئيس الوزراء الاردني معروف البخيت الذي أمل في تشكيل حكومة لبنانية جديدة تحفظ امن البلاد واستقرارها.
وأفادت وكالة الانباء الاردنية الرسمية (بترا) ان الاتصال تناول العلاقات الثنائية بين الاردن ولبنان والتطورات على الساحة الاقليمية.واعرب البخيت عن أمله بان تفضي الجهود المستمرة التي يبذلها ميقاتي مع الاطراف السياسية اللبنانية الى تشكيل حكومة جديدة تضطلع بمواجهة التحديات والحفاظ على امن واستقرار لبنان وتلبية تطلعات الشعب اللبناني.

من جانبه، عبر ميقاتي عن تقدير بلاده لاهتمام الاردن بتطوير العلاقات الثنائية الاردنية اللبنانية وجهوده المستمرة في دعم امن واستقرار المنطقة بما فيه خير وصالح شعوبها.
وتوالت تحذيرات دول الغرب من إطالة أمد الأزمة الحكومية في لبنان، واعتبر سفير فرنسا دوني بييتون بعد زيارته ميقاتي أنّ الوضع في لبنان غير محصّن، خصوصا أنّه ما يزال من دون حكومة، مشيرا إلى أنّ الوضع الاقتصادي والماليّة العامّة مهدّدان بالتراجع. وقال: لا يعود إلى المجتمع الدولي أن يتدخّل في شكل الحكومة التي يجب أن تؤلف في لبنان، فهذا الخيار يعود إلى اللبنانيّين وحدهم إذا غلّبوا السيادة الوطنيّة وتماسك البلاد والمصلحة العامة.

بدوره، شدّد المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامزعلى ضرورة تأليف الحكومة في أقرب وقت ممكن، لمواجهة التحدّيات التي من الممكن أن يواجهها لبنان، مؤكّدا أنّ الحكومة الجديدة هي التي ستتصدى لكل التحدّيات الحالية، ولا سيّما منها ما يحصل من تغيير في العالم العربي.

وإلى بكركي تتوجّه الأنظار اليوم حيث تعقد القمّة الروحيّة الإسلامية – المسيحيّة لتشكّل بنتائجها خريطة طريق وفاقية بين اللبنانيّين، إذ سيحضرها رؤساء وممثلو جميع الطوائف والمذاهب اللبنانية، بما فيها العلوية التي ستنضمّ إلى القمّة للمرة الأولى في تاريخ القمم الروحيّة وستتمثل برئيس المجلس الاسلاميّ الشرعي العلوي الشيخ أسد عاصي ومدير مكتبه، ما رفع عدد المشاركين فيها إلى 35 شخصية.

وعلمت الجمهورية أنّ بعض الأطراف تراجعوا عن محاولات تحضير أوراق عمل، خصوصا بعدما استقرّ الرأي على مناقشة بيان ختامي أعدّته لجنة خاصة من لجنة الحوار المسيحي – الإسلامي، وهو في صفحتي فولسكاب تجنب واضعوه الإشارة المباشرة إلى ملفّي المحكمة الخاصة بلبنان وسلاح حزب الله بناءً على طلب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وبموافقة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، وهو سيركّز على سلسلة الثوابت الوطنية التي يجمع حولها اللبنانيّون مع إشارة لافتة إلى العمل من أجل بناء الدولة القويّة والإسراع في تشكيل الحكومة والحفاظ على علاقات لبنان الدولية والعربية مع التمني بأن يسود الاستقلال العالم العربي، في إشارة إلى أحداث سوريا وبلدان عربية أخرى.

السابق
مصادر خاصة لـ”السياسة”: كياني وشجاع باشا مسؤولان عن حماية بن لادن لسنوات
التالي
الأخبار: قمّة روحيّة لايت في بكركي