بقرة وأرانب ومائة دجاجة

أفل القرن التاسع عشر على انتصار الثورة الفرنسية، وتداعى القرن العشرون على سقوط الثورة البلشفية. وإذ يغور القرن الحادي والعشرون في بداياته، يعلن أفريقي إسلامي الجذور نهاية حقبة بدأت مع نهاية الشيوعية، اعتمدت بدورها، مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية، العنف والدماء.

التاريخ آلة متحركة. وقفت بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر، بكل الوسائل، ضد فتح قناة السويس خوفا من فتح طريق سهل للجميع إلى الهند. ضغطت على الخديو، وتوسطت لدى تركيا، ولم تفلح. وعندما قررت مصر تأميم القناة، خاضت من أجلها حربا كاسرة. فما كان خطرا عليها قبل نصف قرن، أصبح جزءا من بقائها الإمبراطوري. وقبل أن يتصور أسامة بن لادن على حصان أبيض، التقط صدام حسين لنفسه الصورة نفسها تماما.

أعطت الأفلام المصورة عن حياة بن لادن صورة عن العالم الذي عاش فيه؛ يعيش مع زوجاته 6 سنوات خلف أسوار تحجب الضوء عن صالة الجلوس، وبالكاد يستطيع أبناؤه الخروج إلى دكان الشارع القريب. يولدون ويعيشون ويتعلمون في مبنى واحد. والزوجة الأخيرة تقول إنها لم تنزل مرة واحدة من الطابقين؛ الرابع والثالث، حيث الحياة العائلية.

هل يدخل هذا النوع من العيش في باب التقشف؟ زعيم «القاعدة» يزرع الحديقة خضارا ويربي بقرة وأرانب ومائة دجاجة. وهي حديقة لا يخرج إليها حتى لتنشق الهواء. وخارج المنزل كان العصر يمر من حوله، من دون أن يتوقف. كيف سيعرف وراء الجدران أن باكستان تتلقى نحو 10 مليارات دولار من أميركا كل عام بسببه؟ ومن سيقرأ له ما كتبه طارق علي قبل 5 سنوات؛ عندما سأل أحد جنرالات روالبندي: لماذا لا تتخلصون من بن لادن؟ فأجاب الجنرال ضاحكا: «وهل تريدنا أن نطلق النار على الأوزة التي تبيض ذهبا»؟

لم يمر به عصر العالم فقط، بل العصر العربي أيضا. هزمه محمد بوعزيزي، الذي دخل التاريخ بأن أحرق نفسه، لا بأن أرسل رجاله يحرقون الناس. لم ترفع صورته في مظاهرة، ولا رفع اسمه على يافطة أو في ميدان. كل تاريخ له تاريخ. لم يلاحظ وهو يرقب نشرات الأخبار أن الأنظمة العربية سقطت بالسلم، لا بالعنف ولا بالانقلابات، وأن التلفزيونات لم تعد تهتم كثيرا بالأسطوانات المسجلة، بل صارت ترى الأحداث حية أمامها.

لا نعرف إلى أين يأخذنا التاريخ من هنا. كان أبو العتاهية يقول: «لا تفرحن بليل طاب أوله»، ثمة بدايات في كل مكان، لكن إلى أين ستفضي الطرق الجديدة. أخشى ما نخشاه أن يفقد التغيير استقلاليته دون أن يعرف أهله بذلك، كذلك لم يدرك بن لادن أنه أكل يوم فقد قرار حمايته. ذلك

السابق
متى “جمعة الحسم” في سورية ولمن الغلبة؟
التالي
كيف يقرأ “حزب الله” التعديل “المفاجئ” للقرار الظني؟