الراي: “حرب بالويكيليكس” تجتاح بيروت وتصبّ الزيت على النار

 استعرت «حرب الويكيليكسيات» في بيروت، التي يكاد ان يتحول «صندوق الفرجة» السياسي فيها، الى ما يشبه «الصندوق الاسود» مع انكشاف أسرار لا تسرّ أصحابها، وغالباً ما تجعل «رجال» الشأن العام كـ «العراة» بلا أوراق توت.
فرغم ان بيروت تفاخر بأن السياسة «خبزها اليومي» وما في قلبها على لسانها، فان البوح بـ «أسرارها» على صدر صفحات الصحف، لا يقتصر على «صب الزيت على النار» بل يجعل الصراع الصاخب فيها بلا قفازات ولا أقنعة ولا روتوش.
يوم ذاع صيت وثائق «ويكيليكس»، انفردت صحيفة «الأخبار»، التي توصف في بيروت بأنها قريبة من «حزب الله»، بـ «نشر غسيل» جوانب من الحياة السياسية اللبنانية وبعض رجالاتها، وكان لحركة «14 آذار» منها «حصة الأسد».
قبل ان «تتحرش» تلك الصحيفة برئيس البرلمان نبيه بري وفريقه الوزاري والنيابي، وهو شريك «حزب الله» في المعادلتين الداخلية والاقليمية، كان يؤخذ على «الأخبار» شنّها حرب وثائق بـ «الأميركية» ضد خصوم سورية والحزب.
وبعدما تجرأت هذه الصحيفة بـ «مهنيتها» على تناول حلفاء «حزب الله» كبري وبعض نواب «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون، اضطر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله لتقديم «توضيحات» فرد لها مساحة «وفيرة» في احدى اطلالاته. وقيل يومها ان الهدف كان العمل على احتواء الاحتقان بين أنصار الجماعتين الشيعيتين «أمل» و«حزب الله».

وأفضت الحملة بـ «الويكيليكس» الى سقوط «ضحايا» كوزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال محمد جواد خليفة القريب من بري، والى تهديد مكانة آخرين كوزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال الياس المر، الذي نقلت الوثائق عنه كلاماً «عالي الموجة» عن «حزب الله» وشخصيات سياسية في الداخل.

يوم امس، استعرت الحرب بـ «الويكيليكس» في بيروت، بعدما كسرت صحيفة «الجمهورية» المملوكة من الوزير المر «احتكار» زميلتها «الأخبار» في فضح المستور، فنشرت بدورها مجموعة من الوثائق، التي ربما ترتقي الى المستوى «الفضائحي» في وقعها السياسي ودلالاتها.

«الجمهورية» و«الأخبار» تنافستا امس في النبش في «الصندوق الاسود» للحياة السياسية اللبنانية، الاولى خصّت بـ «هداياها» الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي وعون والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والثانية وزّعت «هدايا» مماثلة على رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

ففي واحدة من وثائق «الجمهورية»، وصف ميقاتي، «حزب الله» في 18 ديسمبر العام 2007، بأنه «ورم سرطاني» داعياً الى ازالة الدويلة التي يقيمها هذا الحزب من اجل الحفاظ على لبنان، ومشيراً الى ان هدف «حزب الله» الاساسي هو اقامة قاعدة عسكرية ايرانية على البحر المتوسط تنطلق منها ايران نحو الغرب.

ولاحظ ان العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية هي علاقة «تجميلية»، لكنه دعا الى علاقات افضل معها من اجل احتواء «حزب الله».
وفي وثيقة ثانية يعود تاريخها الى 11- 1- 2007، وصف ميقاتي، عون بأنه «رجل مجنون» قائلاً انه يشكل عقبة اساسية في طريق ايجاد حل للفراغ الرئاسي. وبموجب وثيقة يعود تاريخها الى 30 -7 -2007، اعتبر ميقاتي ان عون «نكتة» و«شخصية مضحكة» وهو موجود نتيجة الألعاب السياسية المتداولة.

اما عون، وحسب وثيقة نشرتها «الجمهورية» تحمل الرقم 03 باريس 002162 في 31 مارس 2005، فانه رأى ان سقوط النظام في سورية نتيجة حتمية لانسحاب قواتها من لبنان وليس مجرد فرضية.
ولاحظت الوثيقة ان عون ورغم تأييده الكامل لتطبيق القرار 1559، فانه كان حذرا تجاه دعوة هذا القرار الى نزع السلاح وتفكيك الميليشيات ومن ضمنها «حزب الله» الذي رأى زعيم «التيار الحر» انه لم يعد من تبرير لبقائه مسلحا بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان، «بما ان الخطر الاسرائيلي ومسألة مزارع شبعا ليسا سوى أعذار يستخدمها حزب الله».
واشار الى انه يسعى الى تفريغ صورة الحزب «المقدسة» كمقاومة منتصرة على اسرائيل في عيون اللبنانيين والعرب على نحو تدريجي.
وقال ان سقوط نظام الاسد في سورية مع احتمال وصول حكومة سنية هو القادر على تغيير كل شيء بما فيه وقف الدعم السوري عن الحزب.
ولم يَسلم جنبلاط من «الشظايا» الويكيليكسية التي بدأت «الجمهورية» بنشرها، اذ جاء في وثيقة يعود تاريخها الى 17-9-2008 ان الزعيم الدرزي اشار الى ان رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري كان يفضل مقابلة «الجدير بالثقة» نصرالله على ان يلتقي بري، الذي وصفه حرفياً بأنه «كذاب كبير».
ولفت جنبلاط الى ان الرئيس ميشال سليمان «رجل لائق» لكنه «شخصية ضعيفة محاطة بموالين للنظام السوري»، معرباً عن اعتقاده ان الرئيس اللبناني لن يشكل كتلته السياسية الخاصة به.
في المقابل، نشرت صحيفة «الأخبار» برقية مؤرخة في 12 مايو 2008 (اي خلال احداث 7 مايو من العام نفسه، اي العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت والجبل) جاء في ملخصها انه «يوم 12 مايو، ناشد كل من زعيم الأكثرية وتيّار المستقبل، سعد الحريري، ومستشاريه نادر الحريري وغطاس خوري، القائمة بالأعمال الاميركية ميشيل سيسون، تقديم دعم أميركي أقوى خلال الساعات الـ24 المقبلة، منبهين الى أنهم بحاجة للمساعدة في غضون «ساعات لا أيام!». واقترح الحريري أن تطلق الولايات المتحدة طائرة فوق سورية أو أن تنشر أسطولها البحري السادس على طول الحدود الساحلية السورية، وأنذر بأن قوى 14 آذار لا يمكنها أن تصمد طويلاً بوجه حزب الله، مفيداً أنهم قد يضطرون الى «ابرام اتفاق» في حال عدم وصول الدعم سريعاً.

اما جعجع، فنُقل عنه في برقية بتاريخ 12 مايو 2008، انه قال خلال زيارة مسائية قام بها للسفارة الاميركية يوم 12 مايو، حيث التقى القائمة بالاعمال ميشيل سيسون ان أداء رئيس الوزراء فؤاد السنيورة «ممتاز»، معتبراً ان «على سعد الحريري ووليد جنبلاط التوقف عن الضغط على السنيورة ليعقد اجتماعاً لمجلس الوزراء بهدف البحث في سحب قراريه الخلافيين بنقل رئيس أمن المطار واعلان عدم قانونية شبكة اتصالات حزب الله (…)».
ونقلت البرقية عن جعجع ان استراتيجية طويلة الأمد لقهر حزب الله ضرورية، موضحاً أنه يعمل مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء اشرف ريفي «على شراء الذخائر لقواته ولمقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي التابع لجنبلاط».

 

السابق
ميقاتي عن “ويكيليكس”: يندرج في اطار التحليل وخلفية نظرتنا للدولة
التالي
السياسة: “حزب الله” يخطط لتصفية قيادات في “14 آذار” وإلصاق التهمة بدمشق