الإنقاذ السلحفاتي متعثر من ساحل العاج

تتلاحق التطورات الدراماتيكية في ساحل العاج، بينما تبقى حركة إجلاء اللبنانيين دون المستوى المطلوب، بسبب تقاعس في مكان ما، وفوضى سببها اندفاع اللبنانيين إلى مطار في أبيدجان، في وقت بقي فيه الخط مع أكرا مفتوحاً

حطّ الطيران اللبناني أخيراً في مطار أبيدجان. طائرة يتيمة، على الأقل، حتى مساء أمس. يبعث هذا التطور ارتياحاً في صفوف اللبنانيين. «أن تصل متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، يقول أحمد خواجة، العالق منذ بداية الأزمة في الكوكودي. أما الارتياح، فينعكس إقبالاً على المطار، في سباق للصعود إلى طائرة النجاة.

لكن لماذا لم تكثّف شركة طيران الشرق الأوسط رحلاتها إلى البلد المنكوب؟ يعزو السفير اللبناني علي عجمي الأمر إلى «الفوضى التي سادت المطار مع وصول طائرة الميدل إيست، حيث تدافع المئات غير آبهين بالكر والفر بين طرفي النزاع. وعمدت السفارة إلى الاتصال بكافة أطراف مكوّنات الجالية، لوضع لوائح أولويات لضمان ترحيل المرضى والعجّز والنساء الحوامل على متن الطائرة»، يقول عجمي. ويوضح أنّ الأمور خرجت عن السيطرة، «بسبب عدم التزام الناس بهذه اللوائح، وتوافدهم إلى المطار على الرغم من تعميم السفارة عليهم بالمكوث في المنازل حتى وصول الدور إليهم». وفيما يشدد السفير على أنّ هذا الأمر أخّر إقلاع الطائرة من مطار أبيدجان، يرى أن «الناس معذورون بسبب أيام الرعب التي عاشوها في الأسبوعين الماضيين».
ينسحب هذا التعقيد أيضاً على توجه الطائرات اللبنانية من بيروت إلى أبيدجان «ففي ظل الفوضى يصعب تصور هبوط الطائرات، رغم إعلان إدارة طيران الشرق الأوسط استعدادها الكامل لإرسال ثلاث طائرات إضافية». هذا الكلام يعترض عليه بشدة إمام الجالية الشيخ عبد المنعم قبيسي، رافضًا كلام السفير عجمي «لأن البلبلة في المطار حدثت بسبب عدم الالتزام باللوائح المقدمة من كل الأطراف». يضيف: «قدمت إحدى الجمعيات 75 اسماً من أصل أربعة آلاف اسم عملنا على تسجيلها منذ بداية الأزمة، إذ جعلنا الأولوية للنساء والأطفال والحالات الملحة، لكن فوجئنا بأنّ المحسوبيات تفعل فعلها».

وينفي قبيسي ما يشاع في بعض وسائل الإعلام بشأن «نشوب خلاف بين حركة أمل وحزب الله، ما أخّر إقلاع الطائرة»، مذكّراً بأن «الحزب والحركة وكل فعاليات الجالية تعاونوا منذ البداية لإنجاح أعمال الإغاثة، وتوفير مستلزمات المحاصرين بالتعاون مع الصليب الأحمر». هنا يشير عجمي إلى أنّ لجنة الطوارئ التي ألفتها السفارة من الجمعيات، وبعضها ينضوي تحت لواء الحزب والحركة، إضافةً إلى رئاسة الجالية وفاعليات، «أثبتت جدواها على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها».
لكن الواقع الذي لا يهرب منه أحد هو أنّ أعمال الإغاثة اتخذت منحى سياسياً، فانعكس التناحر السياسي تنافساً على المزايدة، من دون مفاعيل جدية لتسريع الإجلاء. هكذا، تسمع أنّ «طائرة الهيئة العليا للإغاثة» هبطت في مطار أبيدجان وأقلّت خمسين شخصاً، كذلك هبطت طائرة خاصة أرسلها الرئيس نبيه بري للغاية نفسها. طبعاً، الوجهة أكرا لا بيروت. وبناءً على هذا «الإنقاذ السلحفاتي» فإن عملية الإجلاء ستستغرق أشهراً، يعلّق فؤاد جعفر، أحد العالقين. ويؤكد أنّ طيران شركة «ايرفرنس» المدني هبط بصورة اعتيادية في مطار أبيدجان «بينما طيران الشرق الأوسط يفاوض شركات التأمين!». ووصف الوضع في المطار بـ«المخزي» «الناس هناك «عم تتقاتل على محل بالطيارة». ويلفت إلى أنه لم تُحترَم «الأولوية التي وضعها رؤساء الجمعيات والجالية. كل واحد همّه نفسه. كأنه يوم القيامة».

كذلك فإن «من كان معه أموال سمحوا له بالمغادرة، تاركين المرضى والنساء والأطفال الذين لا أحد وراءهم يدعمهم. لم يعد أمامهم سوى البكاء والخضوع لابتزاز السوق السوداء التي نشطت على باب الطيارة»، لكن عجمي يشدد على أن الجميع يغادر على نفقة الحكومة اللبنانية «ما عدا الذين دفعوا مسبقاً وكانوا قد حجزوا قبل توقف حركة الطيران». ومع ذلك انتشرت أنباء متواترة عن ارتفاع سعر تذكرة السفر حتى بين أبيدجان وأكرا. وفيما لم يُعرف مصير الوعود العربية بالمساعدة على إجلاء اللبنانيين من ساحل العاج، أبدت إيران استعدادها «لوضع عدد من الطائرات بتصرف الجالية اللبنانية»، خلال اتصال أجراه وزير الخارجية الإيراني علي صالحي بنظيره اللبناني علي الشامي.

السابق
إشكالية العلاقة العربية – الإيرانية والطريق إلى وأد الفتنة المذهبية
التالي
الراي: الاستقرار الهشّ في لبنان على محكّ الانكشاف على الكباش الإقليمي