الراي: الاستقرار الهشّ في لبنان على محكّ الانكشاف على الكباش الإقليمي

غداة إطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «المبوّبة» في ستة عناوين رئيسية برسم الداخل وبعض دول الخليج مهاجماً بـ «قسوة هادئة» فريق 14 آذار ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري ومدافعاً عن ايران، بدا واضحاً ان لبنان دخل من «الباب العريض» مرحلة «انكشاف» وضعه المحلي بالكامل على المشهد الاقليمي الذي يشهد «حرباً باردة» خليجية – ايرانية غير مسبوقة في «استعارها» ويرتبط بها الواقع اللبناني من خلال حلقة «ربط نزاع» عنوانها سلاح «حزب الله» والهجوم المستجدّ على ايران من أفرقاء «المعارضة الجديدة» ولا سيما «تيار المستقبل» (يقوده الحريري).

والناظر الى الواقع اللبناني من الزاوية الـ «ماكرو استراتيجية» التي ترتسم في أفقها ملامح تحولات مفصلية في المنطقة التي «تغلي» من ليبيا مروراً باليمن وسورية بعد تونس ومصر التي لم تتلمّس حتى الآن طريقها الى ما بعد الثورة، يرى ان ملف تشكيل الحكومة الجديدة يشكل عنواناً تفصيلياً في لوحةٍ كبرى تتشابك خطوطها كـ «خيوط العنكبوت» ويزيد من تعقيدها تداُخلها مع تصاُعد منسوب التوتر الايراني ـ الخليجي على خلفية أحداث البحرين وشبكة التجسس في الكويت، وكل ذلك وسط وقائع تؤشر الى ان لبنان الذي يعيش داخلياً تفاعلات مرحلة إسقاط حكومة الرئيس الحريري استعاد دوره كـ «ملعب نار» سياسة في لحظة «اشتعال المحاور» من حوله.

ورغم شبه إجماع الدوائر المراقبة على ان الوضع في لبنان غير مرشّح لاي توترات أمنية كبيرة، لان ذلك لا يخدم الاكثرية الجديدة التي دهمتها «الرمال المتحركة» عربياً ولا حلفائها الاقليميين، اي سورية المربكة بـ «هبّة» التظاهرات المتدحرجة وايران التي تبدو بين «فكيْ كماشة» عربي وغربي، فان دوائر مراقبة ترى ان بيروت دخلت مرحلة من التأزم على قواعد وعناوين جديدة سقطت فيها «المحرمات» السياسية وبات اللعب فيها يتمّ «على المكشوف»، وهو ما عبّر عنه انتقال الرئيس الحريري و14 آذار في خطابهم الى التصويب المباشر و«بالاسم» على سلاح «حزب الله» ثم على ايران.

وفيما استدرج خطاب نصر الله ردوداً من فريق الحريري و«14 آذار» شكلت امتداداً لـ «جولات» الكر والفرّ الكلامية التي انفجرت في الايام الاخيرة، استمر الفارق كبيراً بين المناخ الاعلامي الذي تحدث عن اقتراب تحقيق اختراق فعلي في ازمة تأليف الحكومة والمعطيات المعقدة التي لا تزال تعترض هذا الاختراق بما يبقي الاستحقاق الحكومي عرضة لمزيد من التأخير.

فعطلة نهاية الاسبوع لم تحمل في طياتها الا مزيداً من التناقضات بل من المواقف المتعارضة والمعطيات التي تشير الى ان الهوّة لا تزال الى اتساع بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي وبعض اطراف الاكثرية الجديدة ولا سيما منهم زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون.

واذا كان من جديد يُعتدّ به، فهو ان الكلمة التي ألقاها نصرالله مساء السبت لم تحمل بدورها طلائع استعجال فعلي للتأليف بل ان كثراً لاحظوا في طياتها نزعة ضمنية الى مزيد من التريث مما يعني ان الحسابات الفعلية المتحكمة بتأليف الحكومة لا ترقى الى مستوى ولادة وشيكة كما كانت المناخات السابقة اوحت بذلك.

كما لفت ان اطرافاً آخرين، غير عون ونوابه ووزرائه شرعوا في توجيه انتقادات لاذعة الى ميقاتي واتهامه بخلفيات مختلفة في تعمد تأخير الولادة الحكومية وكان آخرهم امس النائب طلال ارسلان. وهو امر اخذ يظهر بقوة في الآونة الاخيرة الى حد اثار شكوكاً حقيقية في مصير الائتلاف السياسي الذي نشأ ابان تكليف ميقاتي وبدأ يتخذ راهناً مسلك التباينات المكشوفة في اجندات اطراف الاكثرية الناشئة.

وكان نصر الله قارب في كلمته المتلفزة التي استمرت نحو ساعة ونصف ساعة ملف الحكومة، اذ جزم بان «من مصلحتنا جميعاً أن تتشكل حكومة في أقرب وقت»، من دون ان يغفل الاشارة الى «ضغوط نتعرض لها كلنا».
وكان بارزاً في كلمة الامين العام ردّه على الموقف الأخير للحريري من إيران وموضوع سياسة المحاور. فرأى في هذا الموقف «غلطة كبيرة». وأضاف: «إذا كان أحد غاضب منا لأننا أسقطنا حكومته فإن إيران ليس لها علاقة بذلك… فلا أحد يحاسب إيران لأنه خرج من الحكومة، ولا احد يجنّ وليراجعوا حساباتهم جيداً»، متهماً الحريري بانه في موقفه من ايران يعتمد نفس «اللغة والمنطق اللذان تتبناهما إسرائيل».

وفي السياق نفسه، توجّه نصرالله إلى رئيس حكومة تصريف الاعمال قائلاً: «إنتَ شو خصّك» بالصراع العربي- الإيراني (…) عندما تتكلم كرئيس لحزب المستقبل، يمكنك أن تقول ما تريده، لكن ما دمتَ رئيس حكومة تصريف أعمال لا تستطيع أن تقول هذا، وحتى إذا رجعت وأصبحت رئيس حزب المستقبل فعندما تطلب من الآخرين ان يُخرجوا لبنان من سياسة المحاور، فأنت يجب أن تكون أول الملتزمين بإخراج لبنان من سياسة المحاور».

يذكر ان القسم الاكبر من خطاب نصر الله خصص لموضوع وثائق «ويكيليكس»، اذ حرص على «طمأنة» قيادة وجمهور حركة «امل» (يقودها الرئيس نبيه بري)، قائلا «ان التعاون والتكامل الذي تم تكريسه خلال 20 عاما على الاقل وبالاخص منذ 2005، أعمق من ان ينال منه احد»، في اشارة الى ما ورد عن بري في اوراق «ويكيليكس». كما برأ ما له علاقة بشخصيات محسوبة على عون، لكنه في المقابل، واستنادا الى هذه الاوراق، اتهم قوى 14 آذار بمحاولة «ضرب المقاومة مقابل السلطة».

وفي الردود على هذا الخطاب، لاحظ رئيس كتلة «المستقبل» البرلمانية الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة «ان هناك إهمالا متعمدا منذ خمسة اعوام يلجأ اليه السيد نصر الله وغيره للدور الكبير والرائد الذي قامت به السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز». وقال: «سمعنا الكثير من هذا الإغفال لما قامت به السعودية من دعم للبنان على مدى كل الاعوام الماضية ولا سيما مع الهجوم والحرب التي شنتها اسرائيل على لبنان في العام 2006».
وأكد النائب عمار حوري «ان الاسلوب الذي يتبعه «حزب الله» وأمينه العام في تخوين الآخرين لا يخدم أحدا»، معتبرا «ان كلمة السيد نصر الله لم تكن موفقه ولا تفيد في الوصول الى تفاهمات بين الفرقاء»، واصفاً «الهجوم على الرئيس الحريري» بانه «يفتقد الى المنطق والموضوعية».

السابق
الإنقاذ السلحفاتي متعثر من ساحل العاج
التالي
العلمانية هي الحل