خلاف الأحجام نحو الحل.. أم نحو حكومة أمر واقع

منذ ما قبل عطلة عيد البشارة، والجميع بانتظار البشارة الحكومية. الحركة النشطة من المعنيين بحياكتها أوحت أن الهندام اكتمل، وأن المسألة مسألة «روتشة» أخيرة.
في يوم البشارة، علا صوت الأحداث في سوريا واتسعت رقعتها لتطال محافظات عدة. عندها ردد البعض أن سلم الاولويات انقلب وأن ما أملوا تحققه خلال الأيام اللاحقة صار في علم الغيب. لكن ما سمعه ضيوف سوريا في الاسبوع المنصرم عن ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة فرض على السلطة أجندة داخلية، تبقي الأولوية المطلقة لإيجاد الحلول لها. عندها فقط أدرك اللبنانيون أن التأليف صار أكثر من أولوية سورية، وهي الرسالة التي نقلها وليد جنبلاط، مساء الخميس الماضي، للرئيس المكلف نجيب ميقاتي وبشكل واضح لا يقبل أي التباس وعاد وكررها على مسامعه «الخليلان» مثلما سمعها مباشرة طه ميقاتي شقيق الرئيس المكلف.
بالنتيجة، بين ليلة وضحاها هدأ زخم التشكيل في زحمة العناوين التي تعج بها المنطقة، رغم أنه حتى أمس، كانت كل المعلومات المتقاطعة تحسم، على الأقل، شكل الحكومة، التي عبثاً حاول ميقاتي تقليص عددها فلم ينجح لاعتبارات ربما يشاركه في الكثير منها رئيس الجمهورية ميشال سليمان وفي القليل منها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الأكيد أن الحكومة رست على ثلاثين وزيراً بعد طول اهتزاز، والأكيد أيضاً أن القاعدة التي تحكم تأليفها هي أن لا ثلث معطلاً لأحد، بشكل واضح ومباشر. وبناء عليه، فإن العماد ميشال عون سيحصل على الثلث على أن لا يرفق بـ«زائدا واحدا» سواء تحت عنوان الثلث المعطل أو الضامن. والمقاعد العشرة التي ستكون من حصة تكتل التغيير والإصلاح ستوزع بين 2 لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، 2 للأرمن (الطاشناق)، وخمسة للتيار الوطني الحر وعاشر درزي هو النائب طلال ارسلان.
وتؤكد مصادر مواكبة لعملية التشكيل أن آخر عرض قدمه الرئيس المكلف للعماد عون، قضى بإعطائه حصة من ثمانية وزراء بينهم أربعة وزراء هم حصة «المردة» و«الطاشناق»، فإذا زاد هذه الحصة وزيرا مسيحيا واحدا، وترك أمر وزارة الداخلية لكي يصار الى تسمية توافقية بين الجميع، وتم احتساب طلال ارسلان ضمن حصة ميشال عون، عندها يكون قد ضمن الثلث ولكن ليس المعطل وهي صيغة الحد الأدنى التي يمكن أن يقبل بها عون والحد الأقصى التي يمكن أن يقدمها ميقاتي. ويقود ذلك الى ترجيح صيغة 18/9/3 هي المرجحة (10 تكتل التغيير والاصلاح، 3 أمل، 2 حزب الله، 1 قومي، سني من المعارضة بالاضافة الى الوزير نقولا فتوش.
وما سمي في الفترة الماضية بـ«عقدة الداخلية»، سرعان ما تبين أنه ليس أكثر من واجهة لعقد عديدة داخلية وخارجية، وأن حلها لن يكون صعباً، وعلى قاعدة: إما الوزير زياد بارود مع تعهدات تريح عون، أو ناجي البستاني أو أي وزير يتم التوافق عليه بين الجميع وفق صيغة تكاد تشبه القرعة.
وقت الاستحقاق برزت عقدة إضافية لم تكن بالحسبان: المقعد السني السادس. فإصرار الرئيس ميقاتي على عدم استفزاز حليفه أحمد كرامي يحول حتى الآن دون توزير فيصل كرامي، وإذا لم تحل هذه العقدة، فقد طرحت صيغة تسوية، تقضي بأن يسمي الرئيس عمر كرامي أحد أبناء الشمال، وتحديدا من عكار أو الضنية ـ المنية، لكن الرئيس كرامي رفض الصيغة وتمسك بنجله قيصل مدعوما بموقف واضح من حليفيه «حزب الله» والرئيس نبيه بري.
ولكن أمام الانتظار الطويل، ما الذي قلب التركيبة الحكومية الذي أشيع انها استقرت على 26 وزيراً (13/10/3). وما هي العوامل التي حكمت تثبيتها على ثلاثين وزيراً؟
بحسب المصادر، فإن هذا التحول فرضه الاعتراض على صيغة الـ26 وخاصة من قبل «حزب الله» لعدم شمولها ايا من شخصيات المعارضة السابقة والسنّة منهم على وجه الخصوص، ولتغييبها الحزب السوري القومي الاجتماعي، علما أن اقتراحا تم تداوله بأن يتنازل «حزب الله» عن مقعد شيعي لمصلحة الحزب القومي، ولتغييبها أيضا النائب نقولا فتوش عن التمثيل الكاثوليكي. فضلا عن انها لم تحظ بموافقة النائب ميشال عون على اعتبار أن حصة التيار الوطني الحر المطروحة ضمن هذه التشكيلة لا تتوافق مع حجمه التمثيلي، ولاعتبار آخر يتعلق بالحصة «الفضفاضة» لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، حيث أعطت تشكيلة نجيب ميقاتي قوى المعارضة السابقة 13 وزيرا، موزعين (3 وزراء شيعة) للرئيس نبيه بري ووزيرين شيعيين لـ«حزب الله»، و8 وزراء لتكتل الإصلاح والتغيير موزعين بين 3 وزراء موارنة للعماد عون، وزير كاثوليكي (شربل نحاس)، وزيرين ارمنيين (من «الطاشناق»)، وزير ارثوذكسي لتيار المردة (فايز غصن)، ووزير درزي (طلال ارسلان).
كما تعطي في المقابل 3 وزراء للنائب وليد جنبلاط (2 دروز وهما غازي العريضي ووائل أبو فاعور وسني هو النائب علاء الدين ترو)، وتمنح رئيس الجمهورية ميشال سليمان 4 وزراء (وزيران مارونيان: زياد بارود ووزير آخر حيث تردد بقوا اسم أحد السفراء في أوروبا، ووزير أرثوذكسي ووزير كاثوليكي). اما الرئيس ميقاتي فحصته تضم 4 وزراء سنة هم، إضافة له، الوزير محمد الصفدي، وليد الداعوق، وزير سني رابع من بيروت بأرجحية أن يمثل «الجماعة الاسلامية»، وزير ارثوذكسي هو نقولا نحاس ووزير كاثوليكي.
على ان اعتراض «حزب الله» وعون على تلك الصيغة، أدى الى اعادة الاعتبار الى الصيغة الثلاثينية حيث أظهرت جولتا المحادثات اللتان جرتا، أمس، وقبله بثلاثة أيام بين الرئيس المكلف والنائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل أن قضية تمثيل سنة المعارضة السابقة من خلال فيصل عمر كرامي، صارت هي باب تحديد موعد الساعة الصفر لولادة الحكومة… الا اذا صحت الأخبار التي تداولتها جهات سياسية عدة ليل أمس بأن الرئيس المكلف يتجه الى تقديم «تشكيلة ثلاثينية مقنعة له وللبنانيين»، وذلك يوم غد، على أن يبادر رئيس الجمهورية الى الموافقة عليها وإصدار المراسيم حتى ولو لم تأت الموافقة النهائية عليها من قبل كل أطياف الأكثرية الجديدة.

السابق
إسقاط النظام الطائفي ورموزه… تنوع أو انقسام
التالي
الولادة عندنا