أرض الجنوب جغرافيا الرسالات

دخلت المسيحية إلى الجنوب باكراً فزاره السيد المسيح وشفى الكنعانية وأحدث عجيبة قانا الجليل
 أساقفة من الجنوب شاركوا في مجاميع مسكونية كان دورهم مميزاً وحضارياً
 بدأت الهجرة المسيحية من مدن الساحل اللبناني في القرن 17 طبقاً لإحصاءات عثمانية 1596

تعرض الوجود المسيحي في الجنوب اللبناني إلى سلسلة من المتغيرات التاريخية التي حدثت بسبب تغير السلطات وانتقالها من دولة إلى أخرى، لكنه كان راسخاً بشكل عام، على الرغم من انقطاعه في مراحل عدة وخصوصاً من عام 1291 الى عام 1604.
فقد دخلت المسيحية إلى الجنوب في سنين مبكرة، إذ تقول الرواية المسيحية أن السيد المسيح(ع) زار الجنوب، وقام ببعض معجزاته (إنجيل متى 15/21 – 28) وتدل الآثار في مدينة صيدا أنه في القرون الأولى للمسيحية بنيت كنيسة على اسم المرأة الكنعانية تخليداً للأعجوبة التي قام بها المسيح في شفاء ابنتها، وهذه الكنيسة تحولت إلى مزار يزورها الحجاج في طريقهم إلى القدس، وقد شاهد اطلالها أحد الرحالة الفرنسيين في أواخر القرن السابع عشر في "حي الكنان" في صيدا.
وفي القرن الأول تأسست جماعة مسيحية في صيدا وأقاموا عليها راعياً. والدليل أن بولس الرسول عندما اقتيد مكبلاً بالسلاسل إلى روما وعند وصول السفينة إلى صيدا طلب من القائد الروماني أن يذهب ليرى أصدقاءه ويحصل على عناية منهم وذلك في حدود عام 58 م (سفر أعمال الرسل (27/2). ومن أهم أساقفة صيدا الذين شاركوا في المؤتمرات والمجامع العالمية والمحلية وسجلوا تواقيعهم في محاضرها:
1 – زنويبوس الأول الذي كان أسقفاً في أواخر القرن الثالث وألف كتاب "سوريا المقدسة".
2 – تاوزورس: شارك في المجمع المسكوني الأول عام 325 م.
3 – بولس: شارك في المجمع المسكوني الثاني عام 381 م في القسطنطينية.
4 – لاوتريوس: اشترك في المجمع المسكوني الثالث عام 431 م في أفسس.
5 – لارنريوس: شارك في المجمع المسكوني الرابع 451 م في خليقيدونيا.
6 – اندروس: رفع عام 518 رسالة مجمعية مع أساقفة فينيقيا الساحلية برئاسة ابيفانوس مطران صور.

راهب التوحيد العربي
وفي مرحلة الفتح العربي ذكر المؤرخون اسم بولس الانطاكي الذي دخل سلك الرهبانية ثم سيم أسقفا على مدينة صيدا وكان عالماً كبيراً. وتوفي ودفن في صيدا. من مؤلفاته بلغة عربية بليغة "الكتاب الخمسون" الذي يشتمل عن موجز اللاهوت. ورسالة مختصرة عقلية، وهي اثنان وعشرون بابا. رسالة إلى بعض أصدقائه من المسلمين في صيدا. وفيها قول يدل على الفِرق المتعارفة من النصارى ويوضح رأي كل فرقة منهم. ومقالة في مجيء المسيح رداً على مزاعم اليهود". كما وجدت رسالة بتوقيعه إلى أحد المسلمين من سكان صيدا "لما أن سأله الشيخ أبو سرور التنسي الرقام أن يشرح له شرحاً مختصراً في رأي النصارى في التوحيد والاتحاد".

الفترة الصليبيّة
وفي فترة الفتح الصليبي، قضت الظروف بأن يقيم الافرنج بطاركة ومطارنة من اللاتين على الكنائس الشرقية، مما أغضب الروم واعتبروا ذلك مخالفاً لنصوص المجامع المسكونية ورأوا فيه اغتصاباً لا مبرر له. وفي هذه الفترة سكن البطاركة الروم في القسطنطينية وأما أساقفة البلاد فتابعوا العمل الرعائي ولو جزئياً إلى حين خروج الصليبيين من هذه الديار حيث عادوا واستولوا على السلطنة الروحية فيها.
وبعد خراب مدينة عكا سنة 1291 أضحت معظم مدن الساحل خراباً ولم يبق فيها إلا القليل من المسيحيين. حتى أن السائح كوتوفيكس حين زار صيدا سنة 1598 وجدها خراباً ولم ير فيها سوى حفنة من المسلمين والدروز والنصارى. وبذلك انقطع ذكر مطارنة صيدا وصور.

فخر الدين.. والخان
عند ما تولى الأمير فخر الدين الكبير حكم البلاد في أول القرن السابع عشر خص مدينة صيدا بعنايته أولاً لقربها من الشوف وثانياً لكونها في الوسط بين كسروان وبلاد صفد، ثم جعلها حاضرة ومركزاً تجارياً ممتازاً، كما شيّد فيها خان الافرنج للعلاقات التجارية مع الغرب ولم يكن يضارعه أهمية أي مركز في سوريا كلها. واشتهر الأمير بحسه الوطني وبتسامحه الديني لذلك عرفت صيدا ومنطقتها والشوف سيلاً من الهجرات المسيحية، الموارنة منهم جاؤوا من شمالي لبنان والروم الملكيين من طرابلس وعكار والكورة وحوران والشام، وكانوا يتعاطون الأمور التجارية والصناعية والزراعية.

من دمشق إلى صيدا
أما أشهر الأساقفة الذين وفدوا إلى صيدا فكان المطران أفتيموس الصيفي الذي ولد في دمشق في العام 1643 ثم سيم اسقفا على صيدا وصور في العام 1682 وكان أول مطران من مطارنة الروم في المنطقة يرفع اعترافه بالإيمان الكاثوليكي إلى البابا انوشنسيوس الحادي عشر في 20 كانون الأول 1683 وبعد هذا الاعتراف نال تفويضاً من البابا أن يكون مديراً رسولياً لكل الروم المتَّحدين مع كرسي روما والذين عرفوا بالروم الكاثوليك. وقد احتج عليه بطاركة الروم لا سيما بطريرك القسطنطينية وشكوه إلى الدولة العثمانية فسجن في قلعة صيدا البحرية من أجل ذلك 92 يوماً سنة 1723. أما المنجزات التي حققها المطران الصيفي فهي كثيرة منها بناء دير المخلص على رابية في منطقة الشوف سنة 1711 بالتعاون مع مشايخ البلاد المسلمين لِما كان له من مكانة واحترام في قلوب الجميع.

تبدلات وتغيرات
وفي عام 1648 زار البطريرك مكاريوس الحلبي بصحبة ابنه الأرشيدياكون بولس مدينة صيدا وأقاما فيها 12 يوماً زارا بعض القرى في البقاع وإقليم التفاح والشوف وهي قرى كانت عامرة وآهلة بالنصارى وتحدث عن القرى الآتية في الجنوب: كفرملكي (حالياً يسكنها الشيعة)، عبرا، برتي، وادي الليمون، كفربيت (يسكنها حالياً شيعة)، كفرحتى (يسكنها حالياً شيعة)، بسري وعنبال.
ويبدو أن المدن الساحلية التي تركها الصليبيون قد هجرها المسيحيون أيضاً ولم يبق فيها أحد حتى مطلع القرن السابع عشر ويشير الدكتور عصام خليفة في كتابه "نواحي لبنان" ونقلاً عن سجلات السلطنة العثمانية إلى الإحصاء الذي أجراه العثمانيون عام 1596. وكانوا يحصون البالغين الذكور فحسب. يقول الإحصاء أن سكان صيدا كانوا 723 سنّياً و36 يهودياً في حين أن عدد سكان روم، بتدين اللقش، عاريا، جزين، مشموشي وبسري كان نحو 300 من الشيعة.

السابق
حكومة لبنانية لحماية سوريا!
التالي
“سلّم الخوف” لدى نتنياهو زاد درجة!