ميقاتي مرشح السعودية

ما يصل إلى لبنان من السعودية يشي بأنها تركت خيار تسمية رئيس الحكومة للرئيس سعد الحريري، وأن الأخير يرفض قطعاً عودة الرئيس نجيب ميقاتي إلى السرايا. لكن مصادر لبنانية وعربية، غير بعيدة عن الرياض، تؤكد أن المملكة تريد تغيير سلوكها في لبنان، ووراثة الدور السوري السابق في لبنان. وأول التغيير تأييد ترؤس ميقاتي الحكومة المقبلة

خلال السنتين اللتين عاشتهما حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، نأت السعودية، إلى حد ما، بنفسها عن الوضع اللبناني. حتى أقرب المقربين إلى الرياض، حاروا في حقيقة موقفها من رئيس حكومة تصريف الأفعال. وبقيت محل التباس الإجابة عن السؤال الأساسي: هل قبل الرجل رئاسة الحكومة بضوء أخضر سعودي أم لا؟ ولم تفلح، طوال سنتين، كل محاولات قادة السنة اللبنانيين في اختراق «مملكة الصمت» حيال ما يجري في لبنان.
الرئيس سعد الحريري نفسه لا يملك جواباً شافياً عن هذا السؤال، ولو أنه اعتصم بالمكابرة موحياً بأنه يعرف ما لا يعرفه الآخرون. والوقائع لا تزال ماثلة: عندما سُمّي ميقاتي للرئاسة الثالثة، خرج «المارد السُّني من القمقم» إلى شوارع صيدا وبيروت وطرابلس، عابثاً بالممتلكات العامة، ومطالباً ميقاتي بعدم قبول التكليف. يومها، اتصل الحريري الغاضب بعرّابيه في الرياض مستفسراً عن صحة المعلومات التي يشيعها رئيس الحكومة المكلّف عن موافقة سعودية مستترة على القبول بتسميته لتشكيل الحكومة.

لكن الإجابات التي جاءته كانت ناقصة، وهي جميعها على قياس «أن ما فعلته (أي الحريري) حتى الآن من ردود فعل جيد ويؤكد مكانتك في الشارع السني. ولكن يجب ألا تذهب أبعد من ذلك وتحلّ بالصبر».
هذا النوع من الإجابات زاد رئيس الحكومة حيرة. لذلك، قرر اتباع أسلوب «ملتوٍ» لقياس حقيقة الموقف السعودي، فطلب من الرياض إصدار بيان رسمي يدعو مواطنيها إلى مغادرة لبنان، في إشارة إلى عدم رضاها عن تطور الأحداث فيه. لكن المملكة ردّت، مرة أخرى، بـ«نصف موقف»؛ إذ دعت مواطنيها ممن ليست لديهم أعمال ضرورية في لبنان إلى عدم التوجّه إلى هذا البلد.

العودة السعودية

اليوم، ولمناسبة البحث عن حكومة جديدة تخلف الحكومة الميقاتية المستقيلة، عاد «حديث لبنان» إلى الكواليس السياسية السعودية. ورغم كل ما يُنقَل من تأكيدات بأنها تركت الخيار، هذه المرة، للحريري ليسمّي مرشحه لرئاسة الحكومة، تشير مصادر عربية ولبنانية إلى أن للرياض، في هذه المرحلة، أجندة خاصة تحاول تطبيقها بأسلوب هادئ بعيداً من الأضواء. ويمكن اختصار العناوين الأساسية لهذه الأجندة بالآتي:
أولاً ـــ قررت السعودية العودة إلى لبنان وفق معادلة تحاكي، في عمومياتها، الدور السوري السابق فيه. وهناك من يقول أكثر من ذلك: الرياض قررت أن ترث الدور السوري في لبنان، بمعنى أنها لن تطرح نفسها طرفاً في الصراع الداخلي، بل بوصفها «حكماً» يدير الأزمات بين أطرافه السياسية والطائفية ويساعد على إنتاج حلول وسطية لها. ولا تستبعد هذه المصادر، في هذا السياق، أن تتزخم في المقبل من الأيام زيارات شخصيات لبنانية من كل الطوائف إلى السعودية لبحث سبل حل الأزمة الراهنة بعناوينها المختلفة.
ثانياً – الرياض (بالإضافة إلى واشنطن) هي التي طلبت من ميقاتي الاستقالة، وهي التي تدعم الآن عودته لترؤس الحكومة العتيدة. أما الهدف، فهو تأليف أخرى برئاسة ميقاتي نفسه، ولكن بتحالفات وشروط جديدة للرئاسة الثالثة. باختصار، تريد الرياض عودة ميقاتي، ولكن ليس لترؤس حكومة يتضخّم فيها ثقل 8 آذار، ولا سيما عبر حصول التيار الوطني الحر على حصة الأسد من حقائبها.
ومن وجهة نظر المسعى السعودي الحالي، فإن اختيار ميقاتي يحافظ على عنواني الوسطية والاعتدال، وقد يسمح بخلط اصطفافي 8 و14آذار وتنتج منه جبهة «اعتدال» متنوعة طائفياً، تجسر الهوة بين حزب الله وتيار المستقبل، وهي الهوّة التي تثير معظم الاحتقان السني ــــ الشيعي. وتراهن الرياض لإنجاح مساعيها هذه، بحسب المصادر نفسها، على عوامل موضوعية عدة، أبرزها الاتكاء على موقف قوي لرئيس الجمهورية ميشال سليمان في تأييد مشروعها لإعادة تظهير المشهد السياسي اللبناني عبر شراكة مع ميقاتي، وثانيها رغبة حزب الله في تنفيس الاحتقان السني ــــ الشيعي في لبنان.
وتفضل السعودية، مع ترك الباب مفتوحاً على النقاش، تشكيل ميقاتي حكومة حيادية في الشكل، بمعنى أن يسمي كل من تيار المستقبل وحزب الله وزراء من خارج جسميهما التنظيميين.
وفي سياق هذه الجزئية، ينقل زوار سليمان عنه أنه ماضٍ في تجسيد ثوابت سياسية تتصل برؤيته للمرحلة الراهنة، أبرزها عدم التمديد للمجلس النيابي، وإجراء انتخابات ضمن المهل الدستورية أو التقنية، وأنه في آخر عام من عهده لن يكرر «أخطاء التساهل» مع فريقي 8 و14 آذار، بل سيعمد إلى تشجيع صيغ سياسية معتدلة قادرة على إنتاج تسوية داخلية ترتكز على قانون انتخابي مختلط بين قانوني الحكومة والرئيس نبيه بري. ويشاطر سليمان، في كواليسه، الرياض وجهة نظرها بأن ميقاتي يظل الأفضل لرئاسة الحكومة، لأنه أظهر قدرة على إدارة اللعبة ضمن تعقيداتها الراهنة.
أما العنوان الثالث، الذي يشكل نوعاً من الخاصية الميقاتية، فهو سياسة «النأي بالنفس» التي لا تزال مطلوبة دولياً، رغم ما اعتراها أخيراً من شوائب وملاحظات دولية. وقد باتت الرياض اليوم أكثر حماسة لهذه السياسة، نظراً إلى ما يشاع عن أنها بصدد إدارة عملية انسحاب تدريجي من الوحل السوري. وبحسب المصادر عينها، فإن دمشق على اطلاع على هذه الأجواء السعودية المستجدة، ولكنها لا تزال تتعامل معها بحذر.
تجدر الإشارة إلى أنّ الرياض كانت، طوال الفترة السابقة، تؤجل الحديث عن الوضع في لبنان، بانتظار جلاء التطورات في سوريا. وبحسب المصادر، يبدو أن السعودية قررت أخيراً الكفّ عن وضع سياستها اللبنانية في ثلاجة انتظار ما ستؤول إليه الأحداث السورية.

السابق
واشنطن تحذر رعاياها من سيطرة حزب الله على مناطق في لبنان
التالي
حكومة وازنة لمواجهة التعقيدات