سوريا أيّ تداعيات للصدمة الروسية؟

ليس واضحا مدى تأثير الحريق الذي اندلع في الحضن الروسي في اوكرانيا المجاورة لروسيا وعمقها السوفياتي الحيوي والسلطوي سعيا الى نفوذ روسي متزايد عبر ما يسمى “اورو آسيا” في اتاحة المجال امام صدور قرار دولي نهاية الاسبوع المنصرم بالاجماع عن مجلس الامن اي بموافقة روسيا والصين يسمح بايصال المساعدات الانسانية الى سوريا، تلك المساعدات التي كان رد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على مطالبة منسقة شؤون الاغاثة في الامم المتحدة فاليري اموس بها قبل اقل من اسبوعين بالاعلان “اننا لن نسمح ابدا بانتهاك الحدود السورية”(!). لكن توقيت صدور القرار تزامنا مع تحول جذري في اوكرانيا اتاح انهيار السلطة المؤيدة لموسكو وسيطرة المعارضة اوحى بذلك في مؤشر بدا لمراقبين عديدين كما لو ان روسيا رغبت في تحييد الانظار عما يجري في اوكرانيا نحو اتاحة صدور قرار حول تقديم المساعدات الانسانية في سوريا يمكن ان يخطف بعض الاهتمام باعتباره القرار الاول بعد ثلاثة فيتوات روسية وصينية حمت حتى الآن نظام بشار الاسد. والقرار لقي اهتماما نسبيا ولو انه اعتمد صيغة لا تزعج روسيا التي لم يرغب الغرب في استفزازها كثيرا بل عمد الى مراعاتها مع اطاحة السلطة المدعومة منها في اوكرانيا ومسارعة رئيسها فيكتور يانكوفيتش الى مغادرة القصر الرئاسي، علما ان المناقشات حول القرار تدور منذ اسبوعين فيما فسر ذلك في بعض الاوساط محاولة لاحراج روسيا ابان الالعاب الاولمبية في سوتشي والحصول على قرار جديد في مجلس الامن من اجل تقديم المساعدات الانسانية وفك الحصار. وبمعزل عن امكان الجزم بامكان التزام النظام السوري تسهيل تقديم المساعدات الانسانية ام لا، فان لحظة اوكرانيا ساهمت على ما يبدو في ارباك روسيا واحراجها. وقد حظيت التطورات الاوكرانية في نهاية الاسبوع باهتمام متزايد بعد انهيار الاتفاق الذي وقعه الرئيس الاوكراني مع المعارضة برعاية اوروبية وعدم رضى روسي في ظل تطلع لاستكشاف نتيجة الكباش الاميركي الاوروبي مع روسيا وقيصرها المطمئن الى ادارته الفوقية للامور في اوكرانيا وفي سوريا وانصرافه الكلي الى تتويج فوقيته في سوتشي. ذلك ان اوكرانيا لم تكن لتحظى بهذه المتابعة عن كثب، تماما كما حصل ابان الثورة البرتقالية العام 2004، اقله من جانب دول المنطقة والكثير من المتابعين فيها لولا انها على تماس كباش روسي غربي يشكل استكمالا والبعض يقول تتويجا للكباش حول جملة ملفات في مقدمها الحرب في سوريا ودعم روسيا المستمر للنظام على رغم سقوط ما يزيد على 150 الف قتيل حتى الان. لذلك بدا مهما لهؤلاء المتابعين خسارة القيصر الروسي في الدرجة الاولى في كييف المهمة جدا بالنسبة اليه ومن ثم محاولة معرفة كيفية انعكاس خسارته الجسيمة في اوكرانيا على سوريا وسواها من الملفات.

ذلك ان الوضع في اوكرانيا يبقى مفتوحا على احتمالات مختلفة خصوصا تبعا لرد الفعل الروسي الذي بدا مصدوما كليا وفق ما عبر مسؤولون روس غدوا يطالبون بعد رحيل الرئيس الاوكراني عن كييف بتطبيق الاتفاق الذي وقعته المعارضة معه والذي يقضي ببقائه في السلطة حتى اجراء انتخابات رئاسية على رغم عدم موافقة الروس على الاتفاق ومغادرة ممثل روسيا العاصمة الاوكرانية قبل توقيعه. ومن ثم بتلويح معلقين ووسائل اعلام روسية بامكان انقسام اوكرانيا رفضا لسعيها الى الميل الى الغرب الاوروبي وفق ما تدفع في اتجاهه المعارضة الاوكرانية او بخشية متصاعدة من احتمال لجوء روسيا الى ما اعتمدته في جورجيا من امكان التدخل عسكريا في اوكرانيا. وهو موقف بدا معبرا بالنسبة الى المتابعين عن المدى الذي يمكن ان يذهب اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم حلفائه كما الاسد وصولا الى احتمال التشجيع او الموافقة على تقسيم سوريا التي تتردد سيناريوات في شأنه منذ انطلاق الثورة وعجز الاسد عن اعادة فرض سيطرته في ظل سعيه الى السيطرة على مناطق معينة من اجل حماية منطقته العلوية في حال ارتداده اليها على سبيل الخطة “ب” اي في حال عجزه عن البقاء في السلطة.
لا شك ان سوريا ليست اوكرانيا لا من حيث اهميتها لروسيا ولا من حيث اهميتها للغرب التي سارعت دوله الى محاولة منع انزلاقها الى حرب اهلية قد تجر اليها اوروبا. ويخشى كثر في ظل ذلك ان تزيد التجربة الاوكرانية الرئيس الروسي تعنتا فيترجم موقفه بمزيد من التشدد في سوريا بدلا من السعي الى تسوية فيها في ظل التجربة الاوكرانية ما لم يساهم الغرب في اقناع روسيا بان هذه التجربة بالذات توفر دروسا للمعارضة السورية وداعميها من اجل المزيد من العزم على اسقاط ما يعتبر حصنا حصينا حتى لو كان في الحضن الروسي وحمايته وبان خسارة جزئية او تسوية تحفظ المصالح في الوقت المناسب قد تكون افضل من خسارة جسيمة وكلية في ضوء عدم امكان القبول باستمرار الاسد بعد رصيده الدموي في قمع الثورة السورية.

السابق
نصائح سريعة ومفيدة للقضاء على رائحة الفم الكريهة
التالي
أطلاق صفارات الانذار في كافة المستعمرات الاسرائيلية الشمالية