لبنان العالق بين «ترويكا» دولية و«دويكا» داخلية!

ياسين شبلي

غريب أمر لبنان واللبنانيين، الذين يعيشون الفراغ السياسي الداخلي على كل المستويات ، بدءاً من رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى حكومة تصريف الأعمال المستقيلة أصلاً، منذ ما بعد الإنتخابات النيابية عام 2022، والتي فشل العهد السابق في تشكيل حكومة جديدة بعدها، فهرب إلى الأمام وقَبِلَ إستقالتها قبل رحيله، في محاولة منه لوضع البلد أمام فراغ دستوري وسياسي على عادته، طوال ست سنوات من الحكم، وما قبلها واليوم ما بعدها، وهو المعروف بإختصاصه وشغفه، بتعطيل كل عمل لا يكون له وحده فيه حصة الأسد.

وهكذا يصبح الحال بفعل الفراغ، مزيج من الغرابة والسخرية والتسيب، على طريقة “المال السايب بيعلم الناس السرقة”، ويتخلى المسؤولون عن مسؤولياتهم، دون مصالحهم وإرتباطاتهم الخارجية المستمرة، التي يسعى كل منها لرسم مستقبل البلد، وفق هواه ومصالحه، وهكذا نرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يذهب ليأتي الموفد الأميركي آموس هوكستين ، ويذهب هوكستين ليأتي الموفد الفرنسي جان أيف لودريان ، ويصبح البلد – كالعادة – ساحة مستباحة للأطراف الإقليمية والدولية، تُصفَّى فيها حسابات الدول القريبة والبعيدة، وترسم الخطوط الحمر، بدم اللبنانيين وأرزاقهم ومستقبلهم وأعصابهم.

فالمفاوضات الأميركية – الإيرانية التي يقال أنها مستمرة في مسقط، وغيرها من العواصم، هي على ما يبدو، تقتصر على بحث العلاقات ما بين الدولتين وعن طريق الدبلوماسية الهادئة، بينما “الحوار” بينهما حول القضايا الإقليمية، يبدو وكأنه يتم على الحامي، في المنطقة الممتدة من غزة إلى صنعاء مروراً ببيروت، الساحة الأهم التي تختصر وحدة الساحات بحكم تواجد حزب الله “درة تاج” محور الممانعة على أراضيها.

“الحوار” بين اميركا وايران حول القضايا الإقليمية، يبدو وكأنه يتم على الحامي في المنطقة الممتدة من غزة إلى صنعاء مروراً ببيروت

يحدث كل هذا في لبنان بقرار أحادي، إتخذه طرف لبناني واحد، إستناداً على فقرة في البيان الوزاري – الذي عادة لا يطبَّق منه شيء – تتحدث عن “ثلاثية” الجيش والشعب والمقاومة، التي تتحول بقدرة قادر أثناء الأزمات، إلى أحادية لا تكلِّف نفسها حتى التشاور، ولو شكلياً، مع طرفي المعادلة الآخرين، وبناء على هذه الممارسة الأحادية، وتداعياتها على الوضع الداخلي والإقليمي، يبدأ توافد ممثلي الدول المعنية بالمنطقة إلى بيروت، ليصبح التفاوض ما بين عبد اللهيان، الذي يلتقي أول ما يلتقي أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله، وكأنه ممثله في المفاوضات، وبين هوكستين الذي يلتقي أول ما يلتقي، برئيس مجلس النواب نبيه بري، وكأنه هو الآخر ممثله في المفاوضات، في مشهد سوريالي ومفارقة غير مسبوقة، وكأن التفاوض يجري بين طرفي الثنائي الشيعي.

“يلعب” البعض ويبادر في الوقت الضائع في محاولة – قد تبدو بريئة حد السذاجة – منه لكسر حال الجمود في الملف الرئاسي في تحرك لرفع العتب

في هذه الأثناء “يلعب” البعض ويبادر في الوقت الضائع، في محاولة – قد تبدو بريئة حد السذاجة – منه لكسر حال الجمود في الملف الرئاسي، في تحرك يبدو وكأنه لرفع العتب، ومحاولة لملء سلة الفراغ بالماء أو الهواء، إذ لا يمكن للمرء أن يتصور أو يلمس جدية في هذا التحرك، في وقت تشتعل جبهة الجنوب والمنطقة، جراء حرب سيكون لها ما بعدها، بالتأكيد على مستوى المنطقة بأكملها، سواء عبر التسويات أو التصعيد، ناهيك عن أن القائمين على هذه الجبهة، يربطون وقف النار والتفاوض حوله بجبهة غزة، فما بالك بموضوع الرئاسة الذي هو – بنظرهم على الأقل – أقل أهمية من الحرب ووحدة الساحات التي عملوا لها طويلاً، ويتأملون أن تحقق لهم مكاسب سياسية إقليميا وداخليا.

لودريان
لودريان

وهكذا يبقى لبنان معلقاً ما بين لودريان واللجنة الخماسية ومساعيها، وعبد اللهيان وفرماناته التي يأتي ليبلِّغها لوكلائه الحصريين، وهوكستين الباحث عن تسوية تؤمن سلامة حدود إسرائيل، وعودة المستوطنين إلى بيوتهم، عن طريق عصا التهديدات الإسرائيلية من جهة، و”جزرة” التفاوض لتطبيق أفضل لقرار 1701، وحول نقاط الخلاف الحدودية، بعد نجاحه في ترسيم الحدود البحرية، وكذلك حديثه عن المساعدات للبنان بشكل عام، والجنوب بشكل خاص، والتي لا يمكن أن تتم في ظل أجواء الحرب، ويبقى الشعب حائراً بإنتظار مصيره ما بين هوكستين “المالك” ولودريان “الهالك” و”قابض الأرواح” عبد اللهيان، كما يقول المثل الشعبي، بحيث بات من خوف الحرب يعيش في حرب، ومن خوف الذل يعيش في ذل، ومن خوف الخوف يعيش في خوف، حتى يقضي الله وحزبه والتطورات الإقليمية، أمراً كان مفعولا.

السابق
طقس شباطي «يُعدي» آذار..الأمطار مستمرة حتى السبت!
التالي
بالفيديو: إشتباك ناري عند حاجز للجيش في طرابلس..ما علاقة مخيم البداوي؟