موازنة «دكان الضيعة»..«مهزلة» سياسية ونيابية!

مجلس النواب

ثمة رأي دستوري وقانوني يقول، ان الموازنة هي فلسفة حكم وإدارة، اي ان الموازنة تمثل التعبير عن رؤية الدولة الممثلة بالسلطة في كيفية إدارتها لمرافق الدولة من خلال قوانين ومراسيم تتطابق مع دستور الدولة، وبالتالي تُمثل الموازنة رؤية الحكومة والسلطة التنفيذية، في كيفية إدارة الدولة مع تضمينها ارقاماً حقيقية مستندة على وقائع، بعد ان تكون قد اتمت ما يفرضه عليها الدستور والقوانين، في القيام بعملية قطع حساب لتبني عليه موازنتها التالية للعام المقبل، وهذا ما لم يحصل، حيث تم تقديم مشروع الموازنة من قِبل حكومة تصريف الاعمال، من دون إجراء قطع حساب وارقام الموازنة مبنية على توقعات تتشابه كتوقعات المنجمين، من دون الاستناد على ارقام حقيقية مبنية على وقائع واحصائيات.

مناقشات الموازنة تُعطي اجوبة واضحة بأن السلطات الاجرائية والتشريعية تعيش حالة إنفصام وغياب عن وقائع الامور

والاغرب، ان مشروع الموازنة التي يناقشها مجلس النواب الحالي تتضمن صفر عجز ، وهنا لا احد يعلم على اي احصائيات او دراسات، استندت اليها حكومة تصريف الاعمال، لكي تتوصل الى هذه الارقام، خصوصاً ان غالبية اللبنانيين، يعلمون ان الارقام في لبنان وجهة نظر، مثل الكثير من القضايا، حتى ان العمالة والهيانة وجهة نظر ايضاً.

المهم ان مشروع الموازنة، الذي وصل الى مجلس النواب بفرحةٍ عارمة عمت الحكومة، بأنها المرة الاولى منذ سنوات يصل مشروع موازنة في وقته الدستوري والقانوني، ولكن وبصراحة أن هذه الموازنة، تشبه كل شيء إلا الموازنة، فهي لا تصلح لموازنة دكان في ضيعة نائية، من قرى وبلدات لبنان.

عدا عن ذلك، رافق بالامس خلال جلستي المناقشة شعبوية وخطابات وهرج ومرج، يشبه كل شيء الا النقاش السياسي الموضوعي في مجلس نواب لدولة تتغنى بالديمقراطية.

إقرأ ايضاً: إستعراضات نيابية وقمعية لتمرير «موازنة الضرائب»..و«الحرب الواسعة» تحوم جنوباً!

فما شهدته جلستا المناقشة، اشبه بمسرحيةٍ هزلية سيئة الاعداد و الاخراج، بحضور جمهور صمٌ بكمٌ لا يفقهون، والاغرب ان جماهير احزاب النواب التحقت بزعاماتها، وبدأت تشهد مواقع التواصل الاجتماعي، حملاتٍ وحملات مضادة، وتوزعت النعوت والتوصيفات، والتي لا تقل عن التخوين والاتهامات بالعمالة لكل من يناقض رأي الاسياد والزعامات وكأن هذا الجمهور هو مجرد قطعان تسير نحو المسلخ لذبحها، وهي فرحة ً بما هي عليه.

ما شهدته جلستا المناقشة اشبه بمسرحيةٍ هزلية سيئة الاعداد و الاخراج بحضور جمهور صمٌ بكمٌ لا يفقهون

كل هذا في جلسات نقاش الموازنة، والتي يغيب عنها اي مشروع استثماري، يُعيد التوازن الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية، التي تعيش حالة لا توازن وانكماش اقتصادي وازمات مالية، لم يشهدها لبنان، حتى في اصعب فترات الحرب الاهلية البغيضة.

هذه المناقشات تُعطي اجوبة واضحة بأن السلطات الاجرائية والتشريعية، تعيش حالة إنفصام وغياب عن وقائع الامور، ولبنان فعلاً بحاجة لطبقة سياسية جديدة، تستطيع ان تأخذ على عاتقها تغيير الأوضاع السيئة وحالات الانفصام الى حالة توازن لإخراج لبنان من دوامة الشعبوية والعمل المليشيوي، الى العمل الدستوري والقانوني، الذي يُنقذ لبنان ويأخذ مساراً جديداً، ينقل لبنان من حال الفوضى، الى حال الاستقرار السياسي والقانوني.

السابق
«ملتقى التأثير المدني»: دولة من دون رأس يقودُها انقِلابيُّون!
التالي
تيننتي لـ«جنوبية»: وضع «اليونيفيل» لم يتغير ولن نترك الجنوب