«حزب الله» والخيارات المصيرية

مناورة حزب الله

في ظل المخاطر التي تهدد لبنان، على «حزب الله»، من موقع حرصه المعلن على الوطن والدولة، أن يعيد حساباته وأن يكون جاهزاً لاتخاذ قرارات جريئة على باب منعطف سياسي.

محمد علي مقلد
محمد علي مقلد

القدرة على الحشد لا تبني وطناً. لقد سبقه إلى هذا الإنجاز قادة وأحزاب. بشير الجميل و»القوات اللبنانية»، موسى الصدر وحركة «المحرومين»، كمال جنبلاط و»الحركة الوطنية اللبنانية». تلك الحشود لم تكن كافية لبناء الوطن، بسبب انحصارها في منطقة أو طائفة. حركة كمال جنبلاط، وهي الأكبر في تاريخ الصراع بين اللبنانيين، لم تنجز مهمتها لأنّها كانت متهمة أولاً بالانحياز، بالرغم من علمانيتها الصريحة، لصالح المسلمين ضد المسيحيين، وثانياً باستقوائها، شأن جميع القوى الأخرى، بقوى خارجية ضد خصوم الداخل.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: مأزق حزب الله.. يوم صدق الضيف وعد نصرالله

الحشد الشيعي في ساحة رياض الصلح عام 2005 انتصاراً لسوريا، أسس لصراع مذهبي ورسم خطوط تماس لتجديد الحرب الأهلية. وما بدا في الحشد ظاهرياً أنه انتصار شيعي، ليس سوى هدر للدور الذي لعبه الشيعة في بناء الوحدة الوطنية. ففي بداية الحرب الأهلية كانت المشاركة الشيعية الكثيفة في القتال، مع الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية، تعبيراً عن حاجة الطائفة إلى أن تكون شريكاً في الوطن إلى جانب السنة والموارنة، وعن حاجتها للخروج من حالة تهميش مزمنة، هي في أحد معانيها، شعورها بأنها تقيم خارج الوطن، وكأن دولة الاستقلال لم تنعم عليها كما أنعمت على سواها من خيرات الدولة ومن رعايتها.

مع المقاومة اللبنانية، منذ السبعينات وحتى تحرير التراب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، تعاظم الشعورالشيعي بالانتماء إلى الوطن، وإلى جانبه مشاعر مركبة من الزهو بموقع الطائفة المستجد بعد الطائف في السلطة وأجهزتها، وبموقعها في عملية التحرير، وهو زهو ملتبس بسبب التباس موقع السلطة ذاتها وهويتها الفاسدة والقمعية، وبسبب الاعتقاد الواهم بأنّ الطائفة اكتشفت نفسها وقوتها وكسبت نفسها واستعادت هويتها الضائعة. غير أنّ الطائفة، أيّ طائفة، لا تكسب شيئاً إن هي كسبت نفسها وخسرت الوطن، وأنّ الكسب الوحيد الذي يمكن أن تجنيه الطوائف هو مساهمتها الفاعلة في ترسيخ الوحدة الوطنية اللبنانية.

إن «حزب الله» ما بعد التحرير ليس كما قبله. حقق التحرير في ظل احتضان الشعب اللبناني لسلاحه ومقاتليه، وبدل أن يستكمله بتحرير الوطن من فاسديه ومفسديه ومبددي ثروته ومدمري وحدته الوطنية، راح يتموضع في مواجهة شعبه ويتباهى بولائه للخارج. هو مطالب بأن يجيّش الشيعة في مصلحة إعادة بناء الوطن والدولة، ولن يكون وجوده المسلح إلى جانب الدولة أو بموازاتها أو بديلاً منها إلا انتهاكاً صريحاً لسيادتها. هو مطالب بأن يبتكر حلاً لهذه المسألة من داخل الوحدة الوطنية وليس ضدها.

حركات التحرر الوطني، في صيغها القديمة ماتت، والحروب التبشيرية والدينية صارت من الماضي، والدولة الدينية التحررية ليست إلا وهم استبدال العمائم بضباط الجيوش والأجهزة. ولا سبيل إلى الوحدة الوطنية بغير النظام التعددي الديمقراطي الذي يحمي التنوع ويرعاه ويصون الوحدة الوطنية.

الوحدة القومية، في صيغتها القديمة ماتت كذلك، على الأقل منذ احتلال العراق الكويت أوالسيطرة السورية على لبنان، والوحدة الإسلامية ماتت مع هارون الرشيد وربما قبله، وانتظار المهدي اعتقاد فئوي لا يعني جميع المسلمين ولا جميع اللبنانيين ولا يجوز بناء استراتيجية وطنية استناداً إليه.

«حزب الله» مطالب بقرار جريء بالتخلي الطوعي عن الحصة التي اقتطعها لنفسه على حساب الدولة، وبالانخراط في السلم الأهلي اللبناني وفي إعادة بناء الوطن والدولة، دولة الدستور والقانون وانتظام عمل المؤسسات. الخطوة الأولى انتخاب رئيس للجمهورية.

السابق
مكافأة بـ15 مليون دولار.. رجل أعمال إيراني يشغل أميركا
التالي
صفقة جديدة.. إسرائيل وحماس وافقتا على إجراء تبادل للأسرى بِشكل مبدئي