محمد يوسف بيضون..الضدّ يُظْهِرُ حُسْنَه الضِدُ!

محمد يوسف بيضون

بغياب الوزير والنائب السابق محمد يوسف بيضون، يفقد لبنان وبيروت والطائفة الشيعية – الذي كان الراحل يجسِّد معانيهم الأصيلة في شخصه – شخصية محترمة من شخصيات العمل السياسي الأنيق والنظيف، الذي بات يفتقدهم لبنان – إلا في ما ندر – في ظل حكم العصابة ، التي تغوَّلت على الدولة، فأفقدت لبنان وبيروت وكذلك الطائفة الشيعية ميزتهم في المنطقة، وهي ميزة الإنفتاح والحرية والتحرر والتعددية.

كان الراحل الكبير، يمثِّل السياسي الذي آمن بالدولة كمرجعية، وبالمؤسسات كأدوات تنفيذية وبالدستور والقانون ناظماً للحياة السياسية والإجتماعية في البلد، كان متواضعاً من طينة الرجال الذين يؤمنون بأن المنصب إنما هو تكليفاً بالعمل لصالح الناس، وليس تشريفاً للشخص المكلَّف ، كان بأخلاقياته يعطي قيمة مضافة للمنصب وليس العكس، وهو بذلك يمثِّل النقيض لكل ما نراه اليوم من غرور بالنفس وتعسف في إستغلال المناصب ما يؤكد ضحالة البعض من حامليها هذه الأيام.

على المستوى الشيعي الراحل بيضون من الرعيل الذي ساهم في بناء كيان لهذه الطائفة من ضمن الوطن اللبناني غير المنفصل عن محيطه العربي ولا المغيَّب في محيطات أخرى

هذا على المستوى الوطني، أما على المستوى الشيعي فهو كذلك من الرعيل الذي ساهم في بناء كيان لهذه الطائفة من ضمن الوطن اللبناني، غير المنفصل عن محيطه العربي ولا المغيَّب في محيطات أخرى، بحيث كانت لبنانية الهوية عربية الهوى والثقافة والفقه المنفتح على التعددية في الفكر وتقبُّل الرأي الآخر، وهو ما تحاول بعض الأطراف اليوم، أن تخفيه عن العامة من الناس بحيث تختزل الشيعة بأنهم كانوا “عتالة ع البور” فقط، من دون أن يذكروا بأن لأمثال الراحل دور كبير في نقل الطائفة إلى طور التعلم والتقدم والإبداع، عبر المؤسسة العاملية، لإيهام بعض البسطاء بأن التاريخ الشيعي في لبنان، قد بدأ بهم ومعهم، ولإخفاء حقيقة أنه كان للشيعة رجال كبار في كل المجالات، عملوا وناضلوا كغيرهم من اللبنانيين من كافة الطوائف، لإنتشال أهلهم وناسهم من قعر الحرمان والتخلف، الذي تركته قرون وعقود من الإحتلالات المختلفة التي مرت على لبنان ، فكان أن “تخلصوا” منه عبر ترشيح ناصر قنديل، بوجهه كوديعة من ودائع النظام السوري، في لائحة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2000 على ما أعتقد.

كان الراحل الكبير يمثِّل السياسي الذي آمن بالدولة كمرجعية وبالمؤسسات كأدوات تنفيذية وبالدستور والقانون ناظماً للحياة السياسية والإجتماعية في البلد

لقد كان لنا شرف إستقباله هنا في مدينة ياموسوكرو – كوت ديفوار – منتصف ثمانينات القرن الماضي متفقداً الجالية اللبنانية، حيث عرفناه إنساناً دمثاً لطيفاً معتدلاً شعبي غير شعبوي، يُعمل لغة العقل والمنطق في حديثه بعيداً عن لغة “الهوبرات” التي إعتدناها في زيارات غيره من أصحاب الميليشيات قبل زيارته وبعدها، والتي باتت سائدة حتى اليوم، هي التي أوصلت البلد والدولة، إلى ما نحن فيه من فشل ومصاعب.

إقرأ ايضاً: دور الإتحاد الأوروبي في الحرب على غزة؟!

رحم الله “أبو يوسف” وأسكنه فسيح جناته ، هو الذي سيبقى في ذاكرة اللبنانيين عامة والبيروتيين خاصة، كرمز لنظافة الكف وعفة اللسان، فالطيبون يغيبون ولكن لا يموتون لأنهم جزء حقيقي من نسيج الناس والوطن.

السابق
خلف: لتكن هدية الميلاد للبنانيين الحضور الى المجلس وانتخاب رئيس
التالي
بالفيديو: احتراق ⁧‫منزل‬⁩ بعد استهداف اسرائيلي وردّ من الحزب!