هل يمكن السماح لإيران أن «تحكم» الشرق الأوسط عبر القضية الفلسطينية؟

وزير خارجية ايران عبد اللهيان

إيران بعد عملية 7 أكتوبر هي حتى إشعار آخر أقوى دولة سياسياً في العالم المسلم. كان يكفي سماع كلمة الرئيس الإيراني في القمة العربية الإسلامية الأخيرة و”الأوامر” العشرة التي ختم بها كلمته حتى نتأكد أنه يعتبر نفسه موسى العصر ونجيَّ الله في وجه إسرائيل التي لم يتردد في وصفها ب “فرعون العصر” ويعود ليستخدم مرة ثانية تعبير “فراعنة العصر”.
تعرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا الوضع – الدولة الأقوى سياساً في المنطقة- الذي منحتها إياه عملية “حماس” في 7 أكتوبر وهي العملية التي لم تمزّق غلاف غزة لساعات طوال بل كما كتبتُ سابقاً مزّقت غلاف “الشرق الأوسط” وجعلت الحرب في أوكرانيا عنصرا ثانويا قياسا بالحرب في غزة. بل بالمعنى المجازي مزقت “غلاف العالم” أيضا ولو لفترة محدودة، لأنها أعادت حمل القضية الفلسطينية على حصان رئيسي وتبدو إيران الآن عبر نضالات الشعب الفلسطيني الناطق الأقوى في الشرق الأوسط ضد الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ أيضاً: «الإستثمار» الإيراني في «حزب الله».. غزة نموذجاً!

لنلاحظ أن “الإخوان المسلمين” لا يُبدون حركة علنية كبيرة على السطح السياسي، وذلك سببه، على الأرجح، الحرص على إعطاء حركة “حماس” أوسع مجال لتأكيد الطابع الفلسطيني الذي يستقطب الرأي العام العربي وأجزاء متزايدة من الرأي العام الدولي. كما الحرص على عدم إثارة حساسيات حكومات عربية لا ترتاح ولا تقبل بدور بل أي دور ل”الإخوان المسلمين” في النطاقين العربي والدولي كالمملكة العربية السعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة.
لا نستبعد أن تكون إيران صاحبة نصيحة بقاء تنظيم “الإخوان المسلمين” بعيدا عن الأضواء. تؤيدها في ذلك قطر وتركيا. ف”الثروة” السياسية التي جنتها إيران من عملية 7 أكتوبر تحتاج إلى الكثير من “الهضم” للتمكن من استيعابها والمزيد من جني ثمارها مع أن إيران تمارس الآن سياسة حافة الهاوية في العراق وسوريا ولبنان.

ما هي هذه “الثروة” حتى الآن؟
1- تعطيل كل العملية السلمية التي كانت جارية بين الكثير من العرب وإسرائيل
2- تعطيل كل الحساسية السنية الشيعية التي كانت تحاصر إيران في كل مكان من العالم العربي
3- تعزيز موقع إيران لدى حليفيها الصيني والروسي من حيث إظهار نفسها كحليف فائق الأهمية في التجاذب مع الولايات المتحدة الأميركية لاسيما بعد الحرب في أوكرانيا.
بالمقابل إن أحد “أسرار” مرحلة ما بغد 7 أكتوبر هو حرص واشنطن والغرب وحتى إسرائيل (رسمياً) على عدم تحميل إيران أي مسؤولية في إعداد وتنفيذ عملية 7 أكتوبر.
لننتبه تماما إلى هذه المعادلة التي يمكن أن يصبح لها شأن كبير في صورة الشرق الأوسط مستقبلاً. هل هي مقدمة لتفاهم براغماتيكي غربي – إيراني أم هو صمت مؤقت مرتبط بتطور الوضع في غزة؟

قبل ظهور نتائج حرب غزة لا يستطيع المتضررون من سيطرة إيران على مشهد القضية الفلسطينية أن يستعيدوا زمام مبادرة سياسية تبدو معالمها نظريا في إعادة إحياء قوية لشعار حل الدولتين للموضوع الفلسطيني. أقول نظريا لأن تفعيل حل الدولتين كصيغة عملية دونه العديد من العقبات الجوهرية وفي مقدمها صورة الخارطة السياسية الإسرائيلية بعد حرب غزة، وكيف سيكون مصير اليمين العنصري الإسرائيلي بكل تشكيلاته القومية والدينية بدءا من تكتل “الليكود”، وهو اليمين المسؤول تاريخيا عن انهيار مسار التسوية السلمية منذ العام 1992؟

لا نعتقد أن إيران ستدعم إعادة تقوية التيار الأصولي السني في الحياة السياسية العربية لأنها ذاقت الأمرين من طاقة هذا التيار على تحريك الحساسية السنية الشيعية، ولكن إمساك إيران ب”الورقة” الفلسطينية عبر “حماس” والتنظيمات الفلسطينية الحليفة لها سيجعلها قادرة على لجم كل مبادرة سلمية حتى تلك التي يسعى إليها الشعب الفلسطيني بأغلبيته على قاعدة تحصيل حقوقه المشروعة وأهمها دولته المستقلة.

موقع إيران في الشرق الأوسط، ولاسيما عبر خارطة نفوذها من العراق إلى سوريا إلى لبنان وفلسطين حتى اليمن، يبدو حاليا أكثر ثباتا مع السيطرة على الحكومة العراقية والدولة السورية الحليفة لها، خصوصا إذا تمكنت من تأمين وصول رئيس جمهورية للبنان حليف لها.
إن إطلاق إيران الصاروخ العابر لألفي كيلومتر من اليمن نحو إسرئيل حتى لو أنه لم يصل وحتى بمعزل عن قدرته العسكرية، كان المراد منه رسم مساحة سياسية رمزية للنفوذ الإيراني بعد عملية 7 أكتوبر.
لذلك تنتظر “المعتدلين” في المنطقة مواجهات سياسية ضارية ستستلزم وضع كل الدهاء المتوفر أمام الدهاء الإيراني.
وللبحث صلة بل صلات…

السابق
الجيش الإسرائيلي يدّعي قصف عناصر وبنى تحتيّة لحزب الله
التالي
حكايا العرافين و«إبرة المورفين»!