الحرب على غزة في الاستراتيجية الاسرائيلية

منذ اعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، وضع قادة الدولة العبرية محددات استراتيجية لا يمكن لإسرائيل التخلي عنها، اذا ارادت الاستمرار والانتصار على جيرانها، لخلق صورة رادعة في أذهانهم، تمنعهم من المبادرة الحربية، بحيث تظل هذه الدولة محصنة في محيطها، كشرط أساسي لاقناع يهود العالم،  بالهجرة الآمنة الى ارض الميعاد.ولم يترك قادة العدو مناسبة، والا وتحدثوا عن ضرورة جعل تفوّق دولهتم على الصعد كافة، حقيقة غير قابلة للنقاش.

وقد نجح الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، بربط هذا الهدف بالمصالح الغربية في الشرق الأوسط، الغني بالبترول، الذي يشكل عصب الطاقة العالمية. وقد كان شديد الدلالة، ما قاله الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الاب، بعد قيام العراق باحتلال الكويت : “إن نفط الخليج يحدد نمط معيشة الشعب الأميركي”.

ومن أهم تلك المحددات التفوق العسكري المطلق، التقليدي وغير التقليدي. وبما أن إسرائيل تعاني من نقص فادح في العمق الاستراتيجي، قامت بوضع الخطط العسكرية، لنقل الحرب الى ارض العدو، من خلال الحرب الخاطفة التي تقضي على الجيش او الجيوش التي تواجهها في الميدان.

فعملت على بناء سلاح طيران، يشكل عصب جيشها، الذي يعطيها ميزة يصعب على خصومها مجاراتها، في امتلاك التكنولوجية العسكرية المتطورة.

وقد ساعدها على ذلك حلفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، التي تقدم لها المساعدات العسكرية والتقنية، للحفاظ على عنصر التفوق على جيوش دول الطوق.ولم تنسَ إسرائيل أهمية الإفادة من الاعلام والدعاية، لرسم صورتها في عيون الشعوب الغربية، على أنها دولة مسالمة و”حديقة خضراء” في محيط جاف وقاس، فهي الضحية التي يراد القضاء عليها، وبعد ان تخلّص اليهود من اجرام النازيين، تخاف الوقوع في براثن محيط معاد يكره اليهود، ويريد رميهم في البحر. مع أن اضطهاد اليهود مسألة أوروبية بحتة نتيجة لمعاداة السامية، فقد تمكنت إسرائيل من اللعب على الوعي الجمعي الغربي، للانكباب على دعمها، وتوفير الحماية السياسية والقانونية من كل محاسبة دولية، جراء ارتكابها جرائم بحق الأبرياء المدنيين الأبرياء.

وقد سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الى وصف حربه ضد “حماس”، على أنها حرب الحضارة ضد البربرية، واصفا إياها ب”داعش جديدة”.

نجد استخدام “الفيتو” على نحو مستمر من قبل الولايات المتحدة لمنع مجلس الامن من اصدار بيانات ادانة لإسرائيل لخرقها القانون الدولي

لذا نجد استخدام “الفيتو” على نحو مستمر من قبل الولايات المتحدة، لمنع مجلس الامن من اصدار بيانات ادانة لإسرائيل، لخرقها القانون الدولي، لتبقى بمنأى عن المساءلة.أيضا يشكل العنصر الديمغرافي تهديدا حقيقيا ومستمرا، يؤرق قادة إسرائيل على مرّ التاريخ.

وقد عبّرت غولدا مائير بوضوح، عن شديد خوفها من الديمغرافيا الفلسطينية، القادرة في المستقبل على ابتلاع الوجود اليهودي في إسرائيل، فقد قالت في هذا الشأن قولا خطيرا يكشف الهواجس الإسرائيلية تجاه هذا الواقع. وما قالته حرفيا : “ترتعد فرائصي خوفا عندما اسمع امرأة فلسطينية انجبت طفلا”.

وانطلاقا من البعد الديمغرافي، وضعت إسرائيل حدا اقصى لخسائرها في مقابل خسائر اعدائها. فلو تفحّصنا اعداد القتلى من العرب والفلسطينين، مقارنة بأعداد خسائرها، لوقعنا على رقم صادم، يتراوح بين 2 الى 5 في المئة، من المجموع العام من القتلى العرب في كل الحروب، مضافا اليها كل الحروب التي شنتها على غزة في السنوات الاخيرة. ولا يمكن فصل ما تقوم به بحرب مجرمة بحق شعب غزة، عن هذه القاعدة التي لا يمكن لإسرائيل أن تتجاوزها. 

وفضلا عن تحقيقها الخرق العسكري غير المسبوق، لخطوط دفاع مستوطنات غلاف غزة، فقد الحقت عملية “طوفان الأقصى”، خسائر بشرية في الجانب الإسرائيلي، بين قتيل ومخطوف وأسير، تجاوز الثلاثة آلاف، وهذا رقم لا يمكن لإسرائيل ان تتحمله او تقبل به، لذا نراها تضرب خبط عشواء، كي تحافظ على النسبة نفسها لخسائرها البشرية، في مقابل خسائر عدوها وشعبه.

إسرائيل بحسب وصف تيودور هرتزل ” قاعدة متقدمة للامبريالية”، وهي فكرة جيوبولتيكية لفصل اسيا عن افريقيا، وبهذا الحال استقرت لتكون دولة ذات بعد امني، همُّ جنرالاتها الوحيد، حمايتها في كل الأحوال والتحولات، ويخطئ من يعتقد ان العسكريتارية الإسرائيلية، قد تهتم لسلامة لأسرى والرهائن لدى “حماس”، اولويتهم القصوى تبقى مصلحة دولتهم والحفاظ على استراتيجيتها الوجودية، فلو كانت تهتم لسلامتهم، لما قامت بشن حرب قاسية، ورمي الاف الاطنان من المتفجرات على غزة، معرضة حياة الغزاويين، وحياة الإسرائيليين المخطوفين، للخطر الجدي.

إسرائيل ماضية في عدوانها على غزة، مستغلة عملية “طوفان الأقصى” خير استغلال

إسرائيل ماضية في عدوانها على غزة، مستغلة عملية “طوفان الأقصى” خير استغلال، وهي تسابق الزمن للقضاء على “حماس”، وخلق بيئة امنية في غزة، تمنع من خلالها الفصائل الفلسطينية، من إعادة التجربة مجددا.وأفضل ما يمكن أن تقوم به حركة “حماس” هو السعي الجدي لتوحيد الصف الفلسطيني، والدخول بشجاعة في عملية سلام جدي، قائمة على حل الدولتين، فمهما حاولت أن تحقق من مكاسب، فسقفها سيكون ما فعله وحققه الراحل ياسر عرفات. 

السابق
لاثارو يلتقي بري.. ما هي «أولويات» اليونيفيل؟
التالي
بعد استهداف الصحافيين.. شكوى من لبنان الى مجلس الأمن