تمهيد الطريق للسيطرة بالنيابة: محاولات القوى الشيعية العراقية اختراق المناطق السُّنية انتخابياً ومآلاتها

انتخابات العراقية

احتكرت القوى العراقية السُّنية حتى وقت قريب التنافس في معاقلها الديمغرافية غرب البلاد وشمالها، الّا أن المشهد السياسي في المناطق السنية اليوم لم يعد كالسابق في ظل وجود مؤشرات على محاولة أطراف شيعية اختراق النسيج السياسي السني الذي فقد تماسكه. يعود هذا الأمر جزئياً إلى نتائج الحرب ضد تنظيم “داعش”، حيث استطاعت الفصائل المسلحة الشيعية المنتصرة في تلك الحرب أن تقيم لنفسها وجوداً على الأرض في المناطق ذات الغالبية السنية، وتوظفه لبناء نفوذ عسكري واقتصادي وسياسي. يُضاف إلى ذلك، أنّه في ظل الأغلبية التي يتمتع بها “الإطار التنسيقي” الشيعي، وهيمنة القوى الشيعية على مقاليد السلطة الأساسية، تنامى الاعتقاد لدى القوى السنية بأنّها لا تستطيع أن تنشط بحُرية في بيئتها دون المرور عبر بوابة الرضا الشيعي. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، من بينها صعود محمد الحلبوسي بعد دعم القوى الشيعية له للحصول على رئاسة مجلس النواب عام 2018، في مقابل تراجع أو اختفاء دور سياسيين سُنَّة اصطدموا بالقوى الشيعية النافذة مثل طارق الهاشمي، وأثيل النجيفي، وأحمد العلواني، ورافع العيساوي. 

اقرأ أيضاً: العراق وأزمة الدولار: معضلة اقتصادية ذات مضمون جيوسياسي

وقد أشار اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات (المزمع انعقادها في ديسمبر 2023) إلى وجود علامات واضحة على قدرة الفاعلين السياسيين الشيعة على التأثير في المشهد السُّني في انتخابات مجالس المحافظات من طريق أدوات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهو أمر قد لا يتوقف عند هذا الحد، إذ ربما يمتد إلى انتخابات مجلس النواب المقبلة التي سيكون الطرف المؤثر فيها متحكماً بهرم السلطة التشريعية المقبلة الذي تُمنح رئاسته عُرفاً للقوى السنية.

نظرة على التحالفات الانتخابية السنية

على الرغم من صعوبة قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي اعتمد آلية سانت ليغ 1.7 لتوزيع المقاعد التي تشجع على فوز التحالفات الكبيرة، فإن القوى السياسية السنية انتظمت في قوائم انتخابية عديدة أبرزها:

1. تحالفات الحلبوسي

دخل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي انتخابات مجالس المحافظات بخمسة تحالفات رئيسة، صريحة أو عبر أحزاب وشخصيات قريبة منه. أبرز هذه التحالفات هي:

  • تحالف “تقدم الوطني” برئاسته، ويضم “حزب تقدم”، و “المشروع الوطني العراقي” الذي يتزعمه جمال الضاري، وحزب “الخيار العربي” برئاسة عبد الكريم عبطان، وحزب “الحق الوطني” الذي يتزعمه أحمد المساري، وحزب “البواسل الوطني” ورئيسه محمد قتيبة. سيخوض هذا التحالف الانتخابات في خمس محافظات هي بغداد، والأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى.
  • تحالف “قمم” برئاسة وزير الصناعة خالد بتال النجم الذي ضمّ أحزاب صغيرة جديدة (أغلبها أحزاب ظل)، ويركز هذا التحالف على خوض الانتخابات في محافظتي الأنبار، وصلاح الدين.
  • تحالف “الأنبار هويتنا” الذي يتزعمه محافظ الأنبار علي فرحان، وضمّ أربعة حزاب هي “صحوة العراق”، و”تجمع التعاون”، و”تجمع نهضة جيل”، و”مشروع الإرادة الشعبية”، وسيخوض الانتخابات في الأنبار ذاتها.
  • تحالف “القيادة” برئاسة محمد تميم لخوض الانتخابات في محافظات كركوك والبصرة وواسط وبابل، وضمّ هذا التحالف حزبي “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي، و”السيادة” برئاسة خميس الخنجر.
  • تحالف “خيمة واسط” برئاسة عدنان الجحيشي الذي سيخوض الانتخابات في محافظة واسط، وضمّ حزبي “التطور العراقي”، و”سور الوطن”.

2. تحالفات خميس الخنجر

قرر رئيس تحالف “السيادة”، خميس الخنجر، خوض انتخابات مجالس المحافظات بـثلاثة تحالفات هي:

  • حزب “السيادة” برئاسة خميس الخنجر الذي سيخوض الانتخابات في بغداد، والأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى.
  • “التحالف العربي” في كركوك برئاسة المحافظ راكان سعيد. وضمّ هذا التحالف ثلاثة أحزاب هي “المشروع العربي” التابع للخنجر، و”الكرامة”، و”اتحاد القوى الوطنية”. ويخوض الانتخابات في كركوك.
  • تحالف “القيادة” الذي يتزعمه محمد تميم، وضم حزبي “تقدم” و”السيادة”. وسيخوض هذا التحالف الانتخابات في محافظات كركوك، والبصرة، وواسط، وبابل.

3. تحالف الحسم

قرر تحالف “الحسم” الذي يتزعمه وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي خوض الانتخابات في جميع المحافظات العراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان، وضمّ هذا التحالف أحزاب “الحل”، و”متحدون”، و”صدى المواطن”، و”حركة العدل”، و”تجمع تنمية”، وحزب “الانتماء الوطني”، وحركة “حسم للإصلاح”، وحزب “المجد”، و”الكتلة العراقية الحرة”.

4. تحالف العزم

دخل تحالف “العزم” الذي ضمَّ أحزاب “العزم”، و”التصدي”، و”الجماهير الوطنية”، و”الوحدة العراقية”، و”التجمع من أجل الديمقراطية”، ويتزعمه مثنى السامرائي، الانتخابات في جميع المحافظات ذات الغالبية السنية، كما دخل ضمن “تحالف العروبة” لخوض الانتخابات في محافظة كركوك.

التحالفات الشيعية في المناطق السنية

بخلاف التجارب الانتخابية السابقة التي كانت المنافسة فيها تقتصر على الكيانات السياسية السنية في المحافظات الشمالية والغربية، تتجه بوصلة القوى الشيعية نحو المناطق السنية من طريق عدد من التحالفات التي ستخوض الانتخابات غرب العراق وشماله، ومن أبرز هذه التحالفات:

1. تحالف الإطار الوطني

يخوض هذا التحالف الذي يتزعمه محمد سالم الغبان، القيادي في “منظمة بدر” و وزير الداخلية الأسبق، الانتخابات في محافظتي صلاح الدين، وكركوك. ويضم التحالف قوى شيعية مهمة هي “تحالف نبني” برئاسة هادي العامري، وائتلاف “دولة القانون” برئاسة نوري المالكي، وتحالف “نصحح” برئاسة همام حمودي، و”تيار الحكمة” برئاسة عمار الحكيم.

2. تحالف الحدباء الوطني

يترأس هاشم شاتي هذا التحالف الذي سيخوض انتخابات مجالس المحافظات في نينوى، ويضم التحالف ائتلاف “دولة القانون”، و”تيار الحكمة”، وتحالف “نصحح”، و”منظمة بدر”، وتيار “الصفوة” (المرتبط بتنظيم عصائب أهل الحق)، وتحالف “خدمات”.

3. تحالف الصفوة الوطني

هذا التحالف الذي يتزعمه حيدر مزهر معلاك سيخوض الانتخابات في محافظة الأنبار، ويضم “عصائب أهل الحق”، و”حركة إرادة” برئاسة حنان الفتلاوي، و”حركة حقوق”( المقربة من تنظيم “كتائب حزب الله”)، بالإضافة إلى أحزاب “سومريون”، و”المنتج الوطني”، و”الصدق”، و”العطاء”.

4. تحالف خدمات

يخوض هذا التحالف الذي يترأسه أحمد جاسم صابر الانتخابات في محافظة الأنبار، ويضم حزبي “حركة العراق الإسلامية” بزعامة شبل الزيدي (قائد ميلشيا “كتائب الامام علي”)، وائتلاف “سلامة وطن” برئاسة كريم عبد الرضا.

5. تحالف النهج الوطني

يضم هذا التحالف الذي يترأسه عبد الحسين الموسوي حزبي “واعدون”، و”تنوع”، وهو يخوض الانتخابات في جميع المحافظات باستثناء إقليم كردستان، أي أنه سيخوض الانتخابات في المحافظات السنية.

6. تحالف العقد الوطني

يرتبط هذا التحالف بفالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، ويرأسه خالد كبيبان. ويضم “حركة عطاء”، و “الحزب الإسلامي العراقي”، و”حزب الثبات”، وحزب “الحزم الوطني”، ويخوض الانتخابات في محافظتي نينوى، والأنبار.

تمدُّد نفوذ القوى الشيعية في المناطق ذات الغالبية السنية  

إن رصد التحالفات التي ستخوض انتخابات مجالس المحافظات المقبلة يشير إلى وجود اتساع واضح لرقعة النفوذ الشيعي في المناطق التي كانت تُعد مغلقة على القوى السنية، سواء أكان هذا النفوذ من طريق الحلفاء والأصدقاء من السياسيين السنة، أو من خلال دخول الأحزاب الشيعية المنافسة في الساحة السنية، وهذا الأمر يُعد بحد ذاته تطوراً لافتاً (بغض النظر عن نتائجه)، لأنه يشير إلى أن المحافظات السنية أصبحت ضمن دائرة اهتمام القوى الشيعية الكبيرة التي سبق أن أحكمت سيطرتها على السلطة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، وتريد اليوم النفاذ إلى المحافظات السنية. وتقوم استراتيجية القوى الشيعية على بعدين أساسيين: 

1. العلاقة مع التحالفات السنية

تربط القوى الشيعية علاقات شراكة مصلحية بالعديد من القوى السنية النافذة. أبرز مثال على ذلك علاقتها مع رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، التي شابها بعض المنغصات خلال الأشهر الماضية بعد إقالة عدد من المسؤولين التابعين لـ “حزب تقدم” في الأنبار ومحافظات اخرى، وكذلك فتح ملف الاستيلاء على أراضي منطقة الوفاء في الأنبار بدعم من الحزب المذكور.

وعلى الرغم من اعتقاد كثيرين أن الحلبوسي أصبح في مرمى “الإطار التنسيقي” بعد إثارة ملفات نزاهة ضد قيادات في حزبه، فإنّ الأمور أخذت في التغير بعد قيام الحلبوسي بحراك لإعادة الجسور مع القوى الشيعية (عبر بوابة المصالح والمنافع المتبادلة)، وعقد لقاءات عديدة مع قيادات شيعية بارزة نتج عنها تجميد الحملة التي استهدفته، إلى حد إعادة تنصيب مسؤولين ومدراء عامين من “حزب تقدم” في المواقع التي أُبعدوا منها خلال حملة الإقالات التي استهدفت قيادات حزبه في يوليو 2023.

وباستثناء المواقع الأخبارية والمنصات التابعة لتنظيم “كتائب حزب الله” التي ما زالت تهاجم الحلبوسي، فإن قوى “الإطار التنسيقي” خفّفت حدة خطابها تجاهه، الأمر الذي فُسِّر بأنَّه نجاح جديد للحلبوسي، ومدخلٌ لاستئناف مشروعه في المحافظات السنية، لكن التفسير الأرجح أنّ القوى الشيعية ستعمل على تشذيب نفوذه عبر الانتخابات بدل المواجهة المباشرة. لقد وظّف الحلبوسي علاقاته بوصفه أحد قيادات “ائتلاف إدارة الدولة” الحاكم ليحصل على ضمانات بعدم التعرض له ولقيادات حزبه في المحافظات السنية قبل الانتخابات المحلية المقبلة، وهو ما قد يساعده انتخابياً وربما يعزز قدرته على التفاوض والمساومة بشأن مناصب رئيسة مثل المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات. 

وبحسب السياسي السني مشعان الجبوري، فإنّ العلاقة بين الحلبوسي والقوى الشيعية تشهد حالة من “اللا حوار واللا صدام”، خصوصاً بعد إخفاق الخصوم السنة للحلبوسي في الحصول على أغلبية سنية للإطاحة به من منصب رئيس مجلس النواب. ويُعتقَد أن تركيا مارست ضغوطاً على القوى السنية للإبقاء على الحلبوسي في موقعه، خصوصاً وأنّ الحلبوسي زار مؤخراً تركيا، على نحو يُذكِّر بزيارته السابقة لها قُبيل انتخابات مجلس النواب عام 2021.   

وربما أدى التأثير الإقليمي دوراً في قرار القوى الشيعية تأجيل الصدام بالحلبوسي، إلّا أن هذا الصدام في نظر البعض سيكون حتمياً في المستقبل بسبب استراتيجية القوى الشيعية القائمة على منع تشكل قوة سنية راسخة وقوية، وبسبب طموحات الحلبوسي الكبيرة التي أدّت لاستعداء العديد من المنافسين السنة وجعلت بعضهم يميل إلى التكتل لمواجهته. كما أنّ الحلبوسي يضع نصب عينيه الحصول على رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة، بعد دورتين قضاهما في رئاسة السلطة التشريعية. وما يؤكد ذلك، أنّ مفوضية النزاهة العراقية – المقربة من القوى الشيعية – فتحت مؤخراً تحقيقاً لكشف أموال وأملاك رئيس البرلمان وعائلته، في إجراء غير مسبوق ينطوي على رسالة سياسية واضحة. 

أمّا خميس الخنجر فإنه لا يزال يتمتع بعلاقات جيدة مع الأحزاب الشيعية وقياداتها مثل هادي العامري، وفالح الفياض. وعلى رغم أنّ الخنجر منضوٍ في تحالف سياسي (السيادة) مع الحلبوسي، فإنّه أظهر انفتاحاً على محاولات استبدال الحلبوسي في يونيو 2023 بالتزامن مع حملة إقالات طالت أنصار الحلبوسي من المواقع الحكومية المهمة، قبل أن يتلاشى هذا المشروع وتعود المناصب إلى “حزب تقدم” بعد الوصول إلى هدنة تسببت في تأجيل فكرة إزاحة الحلبوسي.

الخنجر، الذي يقول مقربون منه أنه لا يؤيد طموحات الحلبوسي بالزعامة، دخل في تحالف مع “حزب تقدم” لخوض انتخابات مجالس المحافظات في كركوك، ويضم حزب الخنجر، “السيادة”، قيادات تعلن العداء للحلبوسي مثل مشعان الجبوري الذي ظهر في لقاءات متلفزة عديدة طالب فيها علناً بضرورة الإسراع بإزاحة الحلبوسي، فضلاً عن احتفاظه بعلاقات جيدة مع “الإطار التنسيقي”. وقد يستخدم الخنجر هذه الأوراق لإضعاف الحلبوسي حين يرى الوقت مناسباً لذلك.

ويُعد موقف تحالف “العزم” برئاسة مثنى السامرائي من القوى الشيعية الأوضح بعد مبادرته إلى التحالف مع “الاطار التنسيقي” الشيعي حين كان الحلبوسي والخنجر ضمن التحالف الثلاثي إلى جانب التيار الصدري الذي كان يعمل على تشكيل حكومة أغلبية، ولا تزال علاقة السامرائي بـ”الإطار” تحالفية، غير أن القوى الشيعية لا تعول كثيراً على هذه العلاقة، لأن السامرائي أقلّ تأثيراً من الحلبوسي والخنجر في الساحة السنية.

وقد يكون تحالف “الحسم” برئاسة ثابت العباسي أكثر استعداداً لتسهيل مرور النفوذ الشيعي إلى المناطق السنية بسبب وجود أطراف في هذا التحالف ترى في إضعاف الحلبوسي أولوية أساسية، مثل جمال الكربولي الذي كان في السابق حليفاً للحلبوسي، إلّان أن الأخير تجاوزه ويعتقد أنه أدى دوراً في كشف ملفات فساد أودت بالكربولي إلى الاعتقال. وهناك أيضاً عضو “الحزب الإسلامي” السابق، سلمان الجميلي، الذي ينتقد تفرُّد الحلبوسي بإدارة محافظة الأنبار، ورافع العيساوي الذي يُعتقد أنّه حُرِم من الحصول على مساحته السياسية في محافظته، الأنبار، بسبب تسلط الحزب الحاكم في المحافظة، وآخرون يعتقدون أنهم جاءوا هذه المرة لحسم المنازلة ضد حزب الحلبوسي من بوابة مجالس المحافظات وصولاً إلى انتخابات مجلس النواب المقبلة.

2. دعم التحالفات الشيعية

تُراهن القوى السياسية الشيعية على كسب عدد مقبول من المقاعد في المحافظات السنية، ومن بينها محافظة الأنبار التي يرون أنّ تحقيق أي تقدم سياسي فيها يمكن أن يُعجِّل حسم الصراع غير المعلن مع الحلبوسي الذي تمثل الأنبار معقله الأساسي وقاعدة انطلاقه.

إنّ دخول قوى شيعية تمرَّست السياسة، وخَبِرت أساليب حصد المقاعد، على خط المنافسة في الساحة السنية يمثل خطوة إضافية في عملية إعادة تشكيل المشهد السياسي السني والحد من استقلالية السياسات السنية عن المركز المُهَيمن عليه من قبل القوى الشيعية، وهو ما سيُسهل أيضاً مواجهة إقليم كردستان الذي كان يُعوِّل سابقاً على الشراكة مع القوى السنية للحد من الاستئثار الشيعي بالسلطة. 

سيناريوهات ما بعد الانتخابات

إن مضي القوى الشيعية نحو خوض الانتخابات المحلية المقبلة في المناطق السنية بـ 6 تحالفات، فضلاً عن زجّ مرشحين إضافيين في قوائم أخرى يُثبت أنّ هذه الأطراف تبحث عن فرصة مناسبة لتعزيز اختراق المناطق ذات الغالبية السنية. ويمكن هنا رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1. سيناريو المفاجأة الانتخابية: يسود اعتقاد في الأوساط السنية مفاده أن أي سياسي سني لا يمكن أن يحصل على منصب مهم قبل نيل رضا القوى الشيعية التقليدية التي خبرت العملية الانتخابية جيداً وتعلم كيف تتعامل معها، خصوصاً في أوقات الأزمات. ومن هذا المنطلق، فإن تحقيق مفاجأة انتخابية في المناطق السنية لصالح التحالفات الشيعية ممكن، خصوصاً في محافظة صلاح الدين التي يتمركز الشيعة في جنوبها، وكذلك في نينوى التي توجد فيها مناطق خاضعة لسيطرة فصائل مسلحة مقربة من الأحزاب الشيعية. 

2. سيناريو الإخفاق: تشير التوقعات إلى أن تحالف “تقدم” سيتصدر النتائج في محافظات الأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، ويحصل على نتائج معتبرة في كركوك، فضلاً عن وجود حظوظ لتحالفي الخنجر والسامرائي وقيادات تحالف “الحسم” للحصول على ما تبقى من المقاعد، لأن المحافظات والمناطق السنية مقسمة على أساس الكانتونات الانتخابية، وتتأثر كثيراً بالزبائنية السياسية والانتماء القبلي والمناطقي، مما يعني أنّ الساحة ستكون شبه مغلقة لصالح التحالفات السنية التي تمتلك أدوات الاستحواذ على المقاعد عبر القواعد الزبائنية التي صنعتها، وحرمان التحالفات الشيعية منها.

3. سيناريو السيطرة بالنيابة: تمتلك الأحزاب الشيعية علاقات مع أبرز التحالفات السنية التي ستدخل الانتخابات، مما يعني أن قوى “الإطار التنسيقي” يمكن أن تفكر بخيار بديل في حال أخفقت تحالفاتها في اختراق المشهد الانتخابي في المحافظات السنية، ويتمثل هذا الخيار بترطيب الأجواء مع الحلبوسي الذي تَعلَم أنه قد يلين ويتفاوض إذا تعلق الأمر بمستقبل نفوذه ووجوده في هرم التمثيل السني، فضلاً عن أن خميس الخنجر الطامح بمنصب نائب رئيس الجمهورية يعلم جيداً أن هذا الهدف لن يتحقق إلّا عبر البوابة الشيعية. أمّا مثنى السامرائي فإنّه كان، ولا يزال، حليفاً مقرباً لـ “الإطار التنسيقي”، بينما سيقبل تحالف “الحسم” بتقديم أي تنازلات سياسية مقابل تحجيم الحلبوسي في بغداد والمحافظات السنية. كل ما تقدم يمكن أن يدفع “الإطار التنسيقي” إلى العمل على بناء معادلة متوازنة في المحافظات السنية تتمثل بتوزيع النفوذ على الحلفاء والأصدقاء هناك لضمان وجود سيطرة بالنيابة على المناطق السنية حتى وإن كانت بشكل نسبي.

ووفقاً للظروف الحالية، يبدو السيناريو الثالث الأقرب للتحقق، لأنّ السيناريو الأول صعب التحقق حالياً طبقاً لحسابات الواقعية السياسية التي ترجح فوز أصحاب الأرض بمقاعد محافظاتهم. كما يُمكن استبعاد السيناريو الثاني أيضاً، لأنّ الأحزاب الشيعية التقليدية لن تتنازل عن طموحاتها بالتمدد في المناطق السنية التي تخشى أن تتحول إلى إقليم يهدد وحدة البلاد، ويصبح خاصرة رخوة للحكم الشيعي، خصوصاً بعد أن تحدَّث الحلبوسي وقيادات حزبه عن ذلك أكثر من مرة، مما يعني أن القوى الشيعية ستعمل على توظيف هيمنتها لإعادة رسم الخريطة السياسية في المحافظات والمناطق السنية من طريق إضعاف الخصوم وتوظيف الحلفاء والأصدقاء وكسْب المحايدين.

السابق
مجزرة اسرائيلية في جنين تودي بـ11 فلسطينياً..وإشتباكات عنيفة مع القوة المهاجمة!
التالي
«حزب الله» يَستهدف مواقع إسرائيلية..وقصف مدفعي على قرى حدودية!