من «بيروتشيما» إلى «غزةشيما».. أين الحقيقة؟

قصف غزة

بعد أقل من ساعة على تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، صدرت من تل أبيب يومها أنباء وتصريحات غير رسمية في الإعلام الإسرائيلي عن “هجوم”، في بيروت وهو التعبير الذي إستعمله أيضاً الرئيس الأميركي يومها دونالد ترامب بتغريدة، ذكر فيها بأن هناك “هجوم رهيب” في بيروت، ومع إنقشاع غبار التفجير عن الفاجعة، التي كانت أكبر من المتوقع على ما بدا، تم سحب هذه التصريحات وحذف التغريدات، التي لم يعرف لحد اليوم إن كانت تسريبات مقصودة، أم نتيجة تسرع صحفي وخطأ غير مقصود في التحليل، هي التي إكتسبت مصداقيتها مع الأيام، مع تأكيد العديد من الناس على رؤيتهم طائرات في الجو ساعة وقوع الكارثة، الأمر الذي تم تكذيبه تماماً في “التحقيقات” اللاحقة، كذلك مع رفض الدول الكبرى حتى اليوم، الإفراج عن صور الأقمار الإصطناعية فوق بيروت ساعة تنفيذ الجريمة، ما ترك إنطباعاً لا يجد ما ينفيه حتى اليوم، بأن المصالح قد تقاطعت للتغطية على الجريمة، التي دفع لبنان كدولة وشعب ثمنها غالياً، ولا يزال حتى اليوم، بحيث بدت وكأنها جريمة جارية ومستمرة.

مع رفض الدول الكبرى حتى اليوم، الإفراج عن صور الأقمار الإصطناعية فوق بيروت ساعة تنفيذ الجريمة، ما ترك إنطباعاً لا يجد ما ينفيه حتى اليوم، بأن المصالح قد تقاطعت للتغطية على الجريمة

ذلك أنه لم يكن هناك من مصلحة لإسرائيل أولاً، للإعتراف بمسؤوليتها عن الجريمة، لما قد يجره عليها هذا الإعتراف من إنتقادات دولية – ولو أنها لا تهتم لمثل هذه الإنتقادات – بسبب طبيعة الهدف المدنية، فضلاً عن تحاشيها إستفزاز وإستدعاء ردة فعل حزب الله، ما قد يدخل المنطقة في حرب، ولا مصلحة كذلك لأعدائها ثانياً في لبنان والمنطقة، أي حزب الله والمحور الإيراني الممانع بإتهامها – مع أنه درجت العادة لدى هذا الفريق، بإتهام إسرائيل بكل صغيرة وكبيرة تحدث في لبنان – لما يترتب على هذا الإتهام من ضرورة الرد عليها بحسب قواعد الإشتباك المعمول بها، وكذلك بحسب السقف العالي الذي ألزم هؤلاء أنفسهم وشعوبهم به، في حملة التهييج الشعبية والشعبوية، في مواجهة أي عدوان صهيوني، حينما وضعت قاعدة المطار بالمطار والمرفأ بالمرفأ وهكذا من جهة، وللتعمية على صاحب نيترات الأمونيوم الحقيقي، ووجهة إستعمالها الحقيقية من جهة ثانية.

تراجعت كل الأحداث العالمية وما أكثرها، من أوكرانيا إلى أرمينيا مروراً بأحداث البوسنة والسودان وغيرها أمام ما تشهده المنطقة بأسرها من توترات وتهديدات

إستعادت ذاكرتي هذه الأحداث المؤلمة اليوم، مع ما يحدث من تطورات منذ السابع من تشرين الأول الماضي، مع إنطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وما تلاها من تطورات دراماتيكية خطيرة، وضعت المنطقة وربما العالم على سطح صفيح ساخن، بحيث تراجعت كل الأحداث العالمية وما أكثرها، من أوكرانيا إلى أرمينيا مروراً بأحداث البوسنة والسودان وغيرها، أمام ما تشهده المنطقة بأسرها من توترات وتهديدات، وقرع لطبول الحرب وحديث عن إنهاء وإستئصال حركات ومنظمات، باتت في عُرف العالم الغربي بموازاة داعش والقاعدة، وغيرها من منظمات محظورة .

هذه التطورات وما رافقها – ولا يزال – من تخبط في مواقف وقرارات الدول الكبرى، منها والإقليمية كما من أذرعها، توحي بأن شيئاً ما غير عادي قد حصل، وأن الأمور كما يبدو قد خرجت عن سكتها المعتادة، أو أن شيئاً ما غير متوقع قد حدث بالفعل، ما أدى إلى تعقيد المشهد بهذا الشكل الهستيري والجنوني، ودفع أميركا وإيران وهما طرفي المعادلة الحقيقية في المنطقة والصراع في الوقت الحالي، دفعهما إلى “الإتفاق” وعلى أعلى مستويات السلطة، فيهما الرئيس والمرشد، إلى نفي أي علاقة لإيران بهذا الحدث، من قبل حتى أن يتم توجيه الإتهام، وكذلك قبل أن تبدأ التحقيقات في إستعادة معاكسة لما حصل، في تفجير مرفأ بيروت، وهذا ما يؤشر إلى ما سبق بأن أمراً غير متوقع قد حدث، ما يدفع للسؤال، هل أن عملية “طوفان الأقصى” كانت من الدقة في التنفيذ، أن نجحت بأكثر مما كان يتوقعه حتى المخططون لها والقائمون على تنفيذها، فضلاً عن مفاجأة أعداءهم الإسرائيليين، الذين كشفت هذه العملية فشلهم الإستخباري والعسكري الذريع، وأداءهم القتالي الهش، بالمقابل بأكثر مما كان يتوقعه عدوهم قبل حليفهم ، بشكل يهدد على المدى البعيد ديمومة الدولة العبرية، ما جعل الأمور تأخذ منحىً آخر؟

وهل كان المقصود من عملية “طوفان الأقصى” أن تكون مجرد معركة كغيرها من المعارك السابقة، بهدف التشويش فقط على محاولة التطبيع السعودي – الإسرائيلي، كما أوحى بذلك الرئيس الأميركي، فكان الفشل الإسرائيلي في مواجهتها، هو المفاجأة ومفتاح التدهور الحاصل حالياً؟

وهل تدفع حركة حماس وقطاع غزة، وبالتالي القضية الفلسطينية على المدى القصير والمتوسط، ثمن النجاح “الخرافي” لعملية طوفان الأقصى، في مفارقة غريبة من مفارقات السياسة والحياة في منطقة الشرق الأوسط، وهي أن يدفع الحلقة الأضعف في المواجهة ثمن “نجاحه” فيها؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير، وإن كانت تبدو غريبة، إلا أنها مشروعة وسط هذا الجنون الحاصل في المنطقة، الذي يوحي بأن جميع الأطراف لم تكن مهيأة لهكذا ظرف، ولا مستعدة لمواجهته لأنه خارج “المألوف” الذي إعتادت عليه المنطقة للأسف، خاصة في ظل الظروف الدولية وحرب أوكرانيا، التي تمس الأمن الأوروبي بالمباشر، وهو ما دفع البعض خاصة أصحاب “الرؤوس الحامية” عادة في المنطقة، إلى التبرؤ من عملية طوفان الأقصى إلا من بعض عبارات التأييد والمباركة، التي عادة ما تصدر عن الناس العاديين في الشارع العربي، وما دفع الطرف الآخر وعلى رأسه أميركا، إلى إستنفار قواتها وحاملات طائراتها، للجم أي تصعيد غير متوقع، وهو ما أثبت فعاليته حتى الآن على الأقل.

وهكذا بين بيروت وغزة، يدفع الناس العاديون والأوطان ثمن “أخطاء” الساسة والعسكر في المنطقة وخارجها، وسوء تقديرهم للأمور وعواقبها، الذين يتخذون من القضايا المحقة والعادلة، ستاراً لتنفيذ مخططاتهم في الإقليم والعالم، وسط عالم ظالم وحقير وبلا خجل، يكيل بأكثر من مكيال، ويقلب الحق باطل ويجعل الباطل حق بحسب العرق واللون والدين، تحت شعارات كاذبة عن الحرية والمساواة والعدالة، فيما الأطفال يدفنون في مقابر جماعية، وتُكتب أسماءهم على أجسادهم قبل الاستشهاد للتعرف عليهم بعده، في صورة ولا أبشع عن الدِرك الذي وصلت إليه الأخلاق الإنسانية في هذا العصر.. عصر الظلم والظلام، حيث الحق أسير للقوة وليست القوة في خدمة الحق.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

السابق
موقع رأس الناقورة البحري بمرمى صواريخ «حزب الله»!
التالي
في اليوم الـ23.. معركة «حزب الله»- إسرائيل تغطي الشريط الحدودي السابق