بين الغيرة والشك..العلاقة الزوجيّة إلى أين؟!

حفلات الزواج

جميلٌ أن يشعر الآخر باهتمامك، والأجمل أن يبادلك الشعور. لكن ماذا لو لم نحسن ضبط مشاعرنا، ففقدنا السيطرة على عواطفنا، حتى باتت تتحكّم بنا بدل أن نتحكّم بها؟ ماذا لو اجتاحت حصننا الزوجيّ المنيع، مشاعرٌ سلبيةٌ، وأوهامٌ شيطانيةٌ، غذّتها أفكارنا المشوّشة، ونمّتها أذهاننا المعطّلة ونفوسنا المعقّدة، فخلقت قلقاً وأرقاً واضطراباتٍ نفسيةٍ تراكمت لتفكّك الأسر فتخطّت الخطوط الحمر، وأنذرت بوقوع الخطر، وارتقت إلى مرتبة الجريمة. وأي جريمة أصعب من هدم الزّواج “أحب الأبنية إلى اللّٰه” فقد ورد عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) : “ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللّٰه عزّ وجلّ من التزويج”.
هذا الزواج، الذي اختاره اللّٰه تعالى ليكون آيةً من آياته “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً” أي دلالة من الدّلالات الدّالة على وجوده سبحانه، ألا وهي خلق المرأة من نفس الرجل “لعل المقصود هنا خلق حوّاء” لتكون سكناً له “لتسكنوا إليها” والسّكينة هي ما يولّد الإستقرار من طمأنينةٍ وهدوءٍ وإلفةٍ واستئناسٍ بالآخر.

أمّا الشكّ فهو مرض نفسيّ نابع من إحساسٍ سيءٍ يدفع الإنسان إلى القيام بسلوكياتٍ سلبية تضرّ به وبالآخر يبرّره كثيرون على أنه بدافع الغيرة

، فالمراد من السكينة هنا في هذه الآية الكريمة يتجاوز السكينة الجسدية الغرائزية، كإشباع الشهوة الجنسية ويتعدّاها إلى السكينة الروحيّة، حيث يشعر كلٌّ منهما بوجود الآخر كحاجةٍ روحيّةٍ ملحّةٍ ومُكمّلٍ يملأ ذاك الفراغ النقصيّ في داخله، ليحقّق بذلك سموّاً روحيّاً جماليّاً، يرتقي به من البشريّة إلى الإنسانية، وينمّي فيه أحاسيساً ومشاعراً عظيمةً تدفعه نحو تحمّل المسؤولية والعمل على بناء الحياة الزوجيّة بكل ما تتطلّبه هذه الحياة من تضافر جهودٍ وبذلٍ وتضحياتٍ وغيرها من المسؤوليات التي تقع على عاتق الشريكين الذين يتفاهمان عليها، لتتوّج حياتهما الزوجيّة بالسعادة والهناء، فتصبغها الألطاف الإلهية بألوانٍ من المودّة والرّحمة اللتين جعلهما الله تعالى بين الزوجين “وجعل بينكم مودة ورحمة” نتيجة حتمية ومكافأة إلهية على ذلك الإستقرار وتلك السكينة.

هذا الإستقرار وهذه السكينة يتعرضان أحياناً لمخاطر كبيرة ناجمة عن هفواتٍ وأخطاءٍ وتصرفاتٍ عادةً تكون قرينة بعض السلوكيّات الغير مدروسة والتي تؤدّي غالباً إلى نتائج كارثيّة أقلّها هدم أواصر الثقة بين الزوجين وليس أخطرها تدمير العلاقة الزوجية بالكامل وصولاً إلى “أبغض الحلال عند اللّٰه” الطلاق، الذي قد يكون حينها الحل الآني الأنسب تمهيداً للدخول في صراعات مقيتة الخاسر فيها أولاً وآخراً الأولاد “إن وجدوا” فضلاً عن الزوجين.

إقرأ ايضاً: سيناريوهات الحرب الإسرائيلية البرية على غزة..ندوة في مركز «القدس للدراسات» مع جنرالات وخبراء

هذه الأخطاء والهفوات تقع بمعظمها تحت عنوانين عريضين هما الغيرة والشك.

استرسل العلماء والحكماء وأطباء النفس في تعريف الغيرة والشك والتمييز بينهما، فقد قسموا الغيرة إلى إيجابية “محمودة” وسلبية “مذمومة”. فأحياناً تكون الغيرة ضرورة لتمتين العلاقة بين الزوجين، فهي احساس يربط بينهما، ينتج عن خوف أحدهما او كلاهما من فقدان الآخر بسبب محبته له وعدم قدرته على العيش بدونه، ما يدفعه أحياناً إلى القيام بخطوات يظن من خلالها أنه يحاول إبقاء شريكه بعيداً عن متناول أي شخصٍ آخر، ما يؤدّي إلى خسارته، لأن هذه الخطوات في أغلب الأحيان تدمّر الثقة بين الشريكين، وتقتل الإنسجام الروحي والوجداني بينهما فتقوّض السكينة وتقضي على الإستقرار.

بيّن القرآن الكريم وفي عدة مواضع السبل الصحيحة والسليمة للحفاظ على بناء الأسرة بعيداً عن العنف الأسري، فكلا الزوجين لباسٌ للآخر

أمّا الشكّ، فهو مرض نفسيّ نابع من إحساسٍ سيءٍ يدفع الإنسان إلى القيام بسلوكياتٍ سلبية تضرّ به وبالآخر، يبرّره كثيرون على أنه بدافع الغيرة، وفي الحقيقه هناك فرق كبير بين الغيرة والشكّ، طبعاً الغيرة “المحمودة” أمّا “المذمومة” فهي عادةً تكون أرضاً خصبةً لنموّ الشكّ، بل باجتماعهما “الشكّ والغيرة المذمومة” تؤول الأمور إلى نتائج لا تحمل عقباها، حيث تتحوّل العلاقة بين الزوجين من عاشق ومعشوق إلى سجّان ومسجون، ذلك بسبب تضييق الخناق عليه/ها من خلال المراقبة والمطاردة المستمرّة وإظهار عدم الأمان والخوف منه/ها وتوجيه اتهامات باطلة تشير إلى الخيانة والكذب وغيرهما، بل قد تتطوّر الخلافات لترتقي إلى مرحلة العنف والجريمة، وهو ما يعرف اليوم بالعنف الأسري الذي قد يصل إلى جريمةٍ بشعةٍ يحاول البعض التخفيف منها بوصفها “جريمة شرف”.

لقد بيّن القرآن الكريم وفي عدة مواضع، السبل الصحيحة والسليمة للحفاظ على بناء الأسرة بعيداً عن العنف الأسري، فكلا الزوجين لباسٌ للآخر.. بالنص القرآني “هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ” واللباس هوالثوب الذي من شأنه أن يستر البدن، هذه الإستعارة الجميلة تفيد أن كلاهما سترٌ للآخر، فلنحافظ على هذا اللّباس وهذا الستر بالإخلاص وبناء الثقة والمعاشرة الحسنة وقد أوصى اللّٰه تعالى بذلك “وعاشروهنّ بالمعروف” وإلاّ… نتعرّى… فتظهر عيوبنا.. وتتجلّى مشاكلنا فضائحاً تدمّر الأسرة.. فالمجتمع..

السابق
تيننتي: تعرض قاعدة لليونيفيل بالقرب من بلدة حولا للقصف وسقوط جرحى
التالي
10 سيناريوهات تنتظر غزة.. هل يقفز عدد الضحايا من 10000 الى 100.000؟!