في ذكرى «اليوبيل الذهبي» لحرب تشرين: التاريخ يعيد الاعتبار لبطل العبور سعد الدين الشاذلي

تحت شعار «نصر أكتوبر 1973.. 50 عاماً من العزة»، تحتفل مصر هذا العام باليوبيل الذهبى لانتصارها في حرب أكتوبر او حرب تشرين كما يسميها أهل الشام ضدّ الجيش الاسرائيلي الذي كان قد غزا واحتل سيناء المصرية والجولان السوري قبل ستة أعوام، وقد نجحت مصر فى كسر اليد الطولى للجيش الإسرائيلى، وتحطيم أسطورة «الجيش الذى لا يُقهر».

منذ نصف قرن، وبالضبط في يوم السبت في الساعة الثانية ظهر السادس من شهر تشرين اول (أكتوبر) 1973، شنت مصر الضربة الجويّة الأولى بالتعاون مع سوريا على إسرائيل، لاستعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهي شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا.

استمرت الحرب 18 يومًا، كانت الأيام الأولى الأكثر إنجازًا، حيث حطمت القوات المصري خط برليف، وعبرت قناة السويس بنجاح وتوغلت 20 كم شرقًا داخل سيناء، فيما وضعت القوات السورية قبضتها على جزء من هضبة الجولان، وصولًا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

بطل العبور

خط بارليف الذي تمكن الجيش المصري من عبوره، أنشأته اسرائيل عقب حرب 1967، وهو عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية، كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، وهدفها منع عبور أي قوات مصرية إليها، غير ان رئيس الاركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي كان له رأي آخر، فوضع خطة “المآذن العالية” لتدمير اسطورة خط برليف، وتمكن جنوده من اختراقه بعد 8 ساعات من الهجوم، فلقبته الصحافة العربية والعالمية “بطل العبور”.

وابتكر الشاذلي هذه الخطة نظرا للضعف الكبير الذي كانت تعاني منه القوات الجوية المصرية، وهو الأمر الذي كان يحد من إمكانية تنفيذ عملية هجومية كبيرة، لكن في الوقت نفسه كان بالإمكان تنفيذ عملية محدودة لعبور قناة السويس، وتدمير الحصن الدفاعي لخط بارليف الإسرائيلي، واحتلال ما بين 10 و12 كيلومترا شرق القناة، لاتخاذ مواقع دفاعية ضد هجمات الطيران الإسرائيلي.

وارتكزت خطة “المآذن العالية” للشاذلي على نقاط ضعف القوات الإسرائيلية، والتي كانت تتجلى في عدم قدرة الأخيرة على تحمل الخسائر البشرية بسبب العدد المحدود لعناصرها، بالإضافة إلى إطالة أمد الحرب؛ لأن إسرائيل كانت تعتمد دائما على حروب خاطفة تنتهي في غضون أسابيع قليلة مخافة تأثر أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

وضع الشاذلي خطة “المآذن العالية” لتدمير اسطورة خط برليف، وتمكن جنوده من اختراقه بعد 8 ساعات من الهجوم، فلقبته الصحافة العربية والعالمية “بطل العبور”

وكانت هذه الخطة ترمي إلى حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية، وهي الهجوم عبر الأطراف من خلال وضع الجنود المصريين على البحر الأبيض المتوسط شمالا وخليج السويس جنوبا، في وقت لا يمكن فيه للقوات الإسرائيلية الهجوم من الخلف لوجود قناة السويس، ولن يبقى أمامها من حل سوى الهجوم من الأمام، وهو ما يجعلها تتكبد خسائر كبيرة.

ونفذ الجيش المصري خطة الفريق الشاذلي «المآذن العالية» بنجاح غير متوقع، لدرجة عدم صدور أي أوامر من القيادة العامة لأي وحدة فرعية، حيث أن القوات كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة.

وحققت القوات المصرية بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الأحد 7 أكتوبر 1973، نجاحاً حاسماً في معركة القناة، وعبرت أصعب مانع مائي وحطمت خط بارليف في 18 ساعة، وهو رقم قياسي لم تحققه أي عملية عبور في تاريخ البشرية.

الخلاف أثناء الحرب

أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين، التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر.

عارض الفريق الشاذلي بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ12 كلم التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي ، وأي تقدم خارج المظله معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي.

بناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في اتجاه السويس) بعدد 2 لواء، هما اللواء الحادي عشر (مشاة ميكانيكي) في اتجاه ممر الجدي، واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر “متلا”.

كان الهجوم غير موفق كما توقع الشاذلي، وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسي، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير وذلك بسبب تفوق الجوي الإسرائيلي.

وبنهاية التطوير الفاشل أصبحت المبادرة في جانب القوات الإسرائيلية التي استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم “الغزالة”

ثغرة الدفرسوار

اكتشفت طائرة استطلاع أمريكية، وجود ثغرة بين الجيش الثالث في السويس والجيش الثاني في الإسماعيلية، وقام الأمريكان بإبلاغ إسرائيل ونجح إريل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر، وصلت إلى 6 ألوية مدرعة، و3 ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر. واحتل شارون المنطقة ما بين مدينتي الإسماعيلية والسويس وطوّق الجيش الثالث المصري، ولكنه لم يتمكن من احتلال أي من المدينتين وكبدته القوات المصرية والمقاومة الشعبية خسائر فادحة.

عندما عاد الشاذلي إلى مصر عام 1992 بعد 14 سنة في المنفى، اعتُقِل في المطار، وأصر الرئيس حسي مبارك على سجنه 3 سنوات

طالب الفريق الشاذلي بسحب عدد 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب، ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيًّا، وهذا يعتبر من وجهة نظر الشاذلي تطبيق لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة، وهو “المناورة بالقوات”، علمًا بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقًا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة في الشرق.

لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وبالتالي رفضا سحب أي قوات من الشرق للغرب، وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلي إلى مرحلة الطلاق.

الاقالة من الجيش

في 13 ديسمبر 1973 وفي قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر، تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال.

وعندما عاد الشاذلي إلى مصر عام 1992 بعد 14 سنة في المنفى، اعتُقِل في المطار، وأصر الرئيس حسي مبارك على سجنه 3 سنوات بناء لحكم قضائي صدر في عهد الرئيس السادات.

توفي الفريق سعد الشاذلي يوم الخميس 10 فبراير/شباط 2011 بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة بالقاهرة، عن عمر يناهز 89 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض، ولما تم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر والتي سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين والاوسمة، فانه وحين وفاته أبى الجيش المصري الا ان يكرم رئيس اركانه “بطل حرب أكتوبر” أرفع تكريم، فأقيمت له جنازة عسكرية حمل فيها النعش الملفوف بعلم مصر علي عربة عسكرية وبجوارها حملة النياشين التي حصل عليها الفقيد خلال مسيرة حياته في القوات المسلحة، وسار خلف النعش المشيعون يتقدمهم قادة القوات المسلحة، وهذا كله كان خلافا لإرادة الرئيس حسني مبارك الذي كان يواجه ثورة يناير الشعبية حينها اطاحت به بعد أيام من وفاة الشاذلي، وبذلك يكون الشعب المصري قد انصف بطل حرب اكتوبر، بعد ان دخل ببطولته وعبقريته العسكرية التاريخ من اوسع ابوابه.

السابق
تمرد في سجن زحلة.. قتلى وحالات إختناق
التالي
بعدسة «جنوبية»: تقليد اللواء ابراهيم وسام الاستحقاق البولندي