عندما تتحول السياسة الى عملية إبتزاز منظمة!

الانتخابات في لبنان

تتبدّى خطورة المجال السياسي، في كونه يعدّ الحاضن الأبرز للابتزاز و موطناً له. ويعود السبب في ذلك، إلى أن الحياة السياسية لا تنحصر فقط في مسائل السلطة و إدارة شؤونها و مؤسساتها، إنما تعنى بإدارة شؤون المجتمع في نواحي حياته كافة، التربوية والاقتصادية والاجتماعية… ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن الابتزاز السياسي يعدّ استراتيجية أو تكتيكاً تعمد إليه السلطة، أو بالأحرى من يمسك بزمامها، من أجل العمل على تطويع رأسمال بشريّ “منتَج” (فتح التاء) وليس “منتِجاً” (كسر التاء). بمعنى أدق، يؤدي الابتزاز السياسي دوره في إنتاج “بضاعة” بشرية، يتم استثمارها بما يخدم مصالح السلطة.
و يتجلّى هدف المجتمع السياسي في الوصول إلى السلطة، بحيث يسعى كل حزب أو تيار سياسي، وكما هو معروف و أيضاً مألوف، إلى توسيع دائرة المنتسبين إليه، و مناصريه كذلك، بغية الإمساك بالسلطة وممارستها، بما يتناسب مع ايديولوجيته و مصالحه، مستخدماً كل الوسائل المتاحة له، حتى و إن تطلّب الأمر استنزاف هؤلاء على الصعد كافة.

يؤدي الابتزاز السياسي دوره في إنتاج “بضاعة” بشرية يتم استثمارها بما يخدم مصالح السلطة

لسنا هنا في صدد توجيه اتهام إلى الأطراف السياسية اللبنانية كافة، التي يعمد زعماؤها إلى ابتزاز مناصريهم، وإنما لا بدّ من عرض الأواليات، التي يتم استخدامها في عملية تجنيد نفسي منظّمة، لكي يُصار إلى فهم تداعياتها الخطيرة، ليس على الأفراد فحسب، وإنما المجتمع و الدولة.
تنطوي عملية الابتزاز السياسي، على وضع استراتيجيات، يصبّ مآلها في نشر الخوف والضغط النفسي، مروراً إلى إلى سياسة “التشويش” الذهني، وصولاً إلى الشعور بالاضطهاد، عبر عملية ممنهجة ترمي إلى إقناع الموالين، بانهم محاصرون ومستهدفون بسبب قوتهم، ليُصار بعد ذلك إلى خلق مجتمع عظاميّ، يتآكله هذيان بأنه الله قد اختاره لينقذ البلاد والعباد!…

بالعودة إلى الأواليات المستخدمة في عملية الابتزاز السياسي المنظّمة، فإنها تتمثل في التشويه، والتشهير، والترهيب. بمعنى آخر، يتمّ توظيف كلّ ما يمكن أن ينال من الحياة النفسية والانفعالية للفرد، ويفتك باستقراره النفسي، وينهك عقلانيته لإضعافه والتحكّم به.
وإذا تناولنا ما يجري في لبنان، لوجدنا أنه شكّل ومازال نموذجاً عن الابتزاز السياسي، بحيث يلجأ إليه كل طرف سياسي في سبيل بلوغ السلطة.
تنطلق عملية الابتزاز السياسي من حملة تشويه، تستمدّ جذورها من توظيفٍ للمعتقدات السائدة، وسيّما الدينية، فيتم إقناع “المؤمنين” بها بأنهم”العنصر المتفوّق”، وأن الآخرين ليسوا إلا “العنصر الناقص”. وعلى هذا النحو، يتم غرس عقدة الدونية عند من يوسَمون بالنقص، لتتحوّل بعد ذلك إلى شعور كدِر باللاأمان والخوف والاضطهاد. لذلك تظهر العدائية ومعها السلوك العنيف، أواليتين دفاعتيين لحماية الذات من الشعور المذكور.

يتمّ توظيف كلّ ما يمكن أن ينال من الحياة النفسية والانفعالية للفرد ويفتك باستقراره النفسي، وينهك عقلانيته لإضعافه والتحكّم به


أما بالنسبة إلى التشهير، الذي يعدّ إحدى ركائز الابتزاز السياسي، فيتم اللجوء إلى الإشاعات والأخبار الكاذبة أو المزيّفة، للنيل من سمعة من يتم استهدافه وإضعاف تقديره لذاته، و إنهاك صحته النفسية. و يأتي الترهيب ليكمل عملية الابتزاز، من خلال التحريض على “الخائن” أو “العميل” والدعوة إلى “تصفيته” جسدياً!…

ما جرى في لبنان وما زال يجري من تطويع لشعبهزسواء بالترهيب أو الترغيب وابتزازه ما هو إلا استعباداً له…


خلاصة، يحصل الابتزاز السياسي من خلال حملة أو تعبئة، تستهدف الاختلاف والتنوع السياسيين، اللذين يجذّران الديمقراطية و يؤسسان لبناء دولة مدنية. و يتمظهر الابتزاز السياسي في لبنان، من خلال تواصل يمكن وصفه بالمرضي، باعتباره قائماً على تبادلية الاتهام بالعمالة والخيانة بين أطيافه. وتتبدّى خطورة أخرى في كل ذلك، و هي أن ما يجري من تحريض سياسي متبادل، ماهو إلا تكتيكاً، يهدف إلى إلهاء المواطنين عن القضايا الوطنية والمعيشية التي تمسّهم.
و يبقى أن نقول، أن ما جرى في لبنان، وما زال يجري، من تطويع لشعبه، سواء بالترهيب أو الترغيب، و ابتزازه ما هو إلا استعباداً له…
إلى متى؟!…

السابق
القاضية نصّار ختمت تحقيقاتها في قضية اغتصاب الطفلة لين طالب
التالي
التجديد ل«اليونيفيل» لن يغير الواقع.. والنفط والغاز يسقطان حسابات الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل!