«الثنائي» يُصادر «المجلس الشيعي».. و«يقتلع» عمائم خارج «السمع والطاعة»!

علي الأمين


لعل العنوان الذي اعتمده الفيلسوف ابن رشد، في الرد على أبي حامد الغزالي بعد نحو مئة عام من صدور كتابه الشهير “تهافت الفلاسفة”، هو خير توصيف لما آلت إليه أحوال المؤسسة الشيعية السياسية والدينية في لبنان، فكان “تهافت التهافت” هو ما عنون ابن رشد في رده على الغزالي، والتهافت معناه اللغوي السقوط، وهو ما يمكن أن توصف به الأحادية المهيمنة سياسيا على الطائفة الشيعية، وتسربها إلى المؤسسة الدينية الجامعة للشيعة اللبنانيين كما افترض قانون تأسيسها.

لم يكن مؤسس المجلس ورئيسه آنذاك السيد موسى الصدر، يرى في عدم الالتزام الديني للمنتسبين أو المنتخبين في المجلس اخلالا بدوره ووظيفته

مع حفظ الفارق بالطبع، بين ما انجزه الغزالي وهذه الاحادية، فإن الثابت أن الانتخابات الأخيرة التي جرت لهيئتي المجلس الشيعي الشرعية والمدينة في عام ١٩٧٥، اوصلت إلى سدة قيادة المجلس مدنيين ينتمون لأحزاب وتيارات قومية وماركسية، ولم يكن مؤسس المجلس ورئيسه آنذاك السيد موسى الصدر، يرى في عدم الالتزام الديني للمنتسبين أو المنتخبين في المجلس اخلالا بدوره ووظيفته، لا بل أظهر ذلك تميزا ودورا فاعلا لهذه المؤسسة شيعيا، بسبب احتوائها على كامل التنوع الشيعي السياسي والديني، ووطنيا بسبب الرحابة مع وجود تيارات سياسية يسارية ويمينية، ومستقلين وشخصيات دينية ولا دينية.

إقرأ أيضاً: تضامن مع الشيخ عودة بوجه قرار «الشيعي الأعلى» المشبوه: «بدو المشايخ دُمى على شاكلته»!

ما وصل اليه المجلس الشيعي هو “تهافت التهافت”، ولعل البيانين اللذين صدرا بفارق ساعات قليلة، واحد عن هيئة التبليغ الديني، تصدر من خلاله “فرماناً” بنزع عمائم خمسة عشر رجل دين “لافتقادهم الأهلية”، وهو أمر غير مسبوق لم يتجرأ على القيام به احد، من مراجع الدين الشيعة ولا المجلس نفسه، في زمن الصدر ومحمد مهدي شمس الدين وعبد الأمير قبلان، أما البيان الثاني فقد صدر عن رئاسة المجلس ينقض الأول ولا ينفي الاتهامات.

“تهافت التهافت” هو في تحويل المجلس إلى أداة غب الطلب لقول ما يحرج في قوله “حزب الله” و”حركة امل”، بل يبدو في كثير من الأحيان، تسابق مشايخ المجلس والافتاء الجعفري على اصدار مواقف، لا ينم عنها الا غاية “اشهدوا لي عند الأمير”، التنافس في تقديم الولاء والطاعة لحزب الله أو حركة امل أو الاثنين معا، هو ديدن مشايخ المجلس وافتائه، وهذا مما لم يكن معهودا لا في تراث السلك الديني الشيعي ولا في المجلس نفسه، و ان المتابعين يعلمون أن هامشا من الاستقلالية ظلّ قائما وموجودا، وجرت المحافظة عليه إلى حد كبير سواء في عهد الصدر أو شمس الدين، وبنسب هامشية جدا في عهد قبلان الأب، وتلاشى هذا الهامش لصالح سطوة كاملة للثنائية الشيعية.

“تهافت التهافت” هو في تحويل المجلس إلى أداة غب الطلب لقول ما يحرج في قوله “حزب الله” و”حركة امل”

استهداف المشايخ الخمسة عشر، ولا سيما الشيخ عودة والشيخ محمد حسين الحاج والشيخ سامر غنوي وغيرهم، هو خروج على كل الاعراف، فضلا عن تحويل المجلس إلى ما يشبه محاكم التفتيش، وتنصيب بعض المشايخ أنفسهم في موقع لا يجرؤ الا المغامرين أو الجهلة أو المدفوعين من السلطان على اتخاذه، من يقرر أن عودة غير مؤهل، ماذا لو كان في حركة امل أو في حزب الله هل كان سيطاله الحرم؟

الأحادية تخالف الطبيعة الإنسانية لذا هي اليوم تتخبط وتتهافت، مهما بلغ أصحابها من قوة تؤكد دوما انها عمياء

“تهافت التهافت” يحصد نتائجه المجتمع ولبنان، فالنزعة الاحادية ليست صفة واقع سياسي وديني داخل المجال السياسي والديني الشيعي في لبنان، هي نزعة تسعى إلى التمدد وترجمة الاحادية في إدارة شؤون الدولة والوطن، وهي مخالفة لطبيعة لبنان وتكوينه، وهي بالأولى، تناقض كل التاريخ الشيعي وتراثه الفقهي والفكري، الذي قام وتجلى في فضاء الاجتهاد اي في فضاء الحرية والتنوع والاختلاف. الأحادية تخالف الطبيعة الإنسانية لذا هي اليوم تتخبط وتتهافت، مهما بلغ أصحابها من قوة تؤكد دوما انها عمياء.

السابق
«شاحنة الكحالة».. «لفلفة» التحقيق وتسليم حمولة الذخيرة بذريعة «أدوات المقاومة»!
التالي
«المجلس الشيعي».. «حديقة خلفية» لولاية الفقيه!