معركة «عين الحلوة».. في استهداف الحالة الفلسطينية!

توقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة على وعد تسليم الجناة. وطالما أن الجناة في حماية راعيهم المباشر وغير المباشر، لا يستطيع أحد التكهن متى ستكون الجولة الثانية.
طبيعة المعركة التي شهدناها، تدل على أن استهداف الحالة الفلسطينية في لبنان من داخلها، بدأت ترتسم ملامحها، بما ينذر دخولنا مرحلة تتقاطع مع تجربة مخيم نهر البارد، ودور المجموعات الإرهابية، التي تنشط على قاعدة “غبّ الطلب”.

كما تطرح معركة “المخيم” أسئلة عديدة أهمها: هل هي جزء من استراتيجية ترابط الملفات في منطقتنا، أم حالة معزولة؟

وطالما أن إعلام “الممانعة” اتهم السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح!! بتنفيذ المؤامرة الجديدة، تحت عنوان إحباط “استراتيجية وحدة الساحات!! فإن هذا الاتهام يؤكد من حيث المبدأ أن المعركة في “المخيم” ليست معزولة عن ملفات المنطقة، بل هي فاتحة نارية على “الساحة اللبنانية” حسب مصطلحاتها.
لذا عندما نقرأ في صحف “الممانعة” أن أي هجوم أميركي – كردي على مدينة البوكمال السورية، وهي معبر الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا، سيقابله هجوم لتدمير قاعدة “التنف” الأميركية، وسيكون أقوى وأعنف من الهجوم على مجمّع “الارامكو” السعودي.

وبهذا الإعلان يصبح الربط الناري مفهوما جيداً، إذ أن “ساحة” مياه الخليج العربي تشهد حشداً أميركياً، أجبر “الحرس الثوري” على وقف خطف ومصادرة السفن التجارية، واستعاض عنها بمناورات بحرية في الجزر الإماراتية، التي احتلها شاه إيران في ستينيات القرن الماضي.

وبالعودة إلى “نظرية وحدة الساحات”، ومن أجل فهم ما جرى في مخيم عين الحلوة، لا بد من طرح السؤال المركزي، من هي القوة التي أجهضت هذه الاستراتيجية الممانعة؟ هل هي فتح أم حركة حماس؟!!
إعلام الممانعة افتتح حملة اتهام فتح والسلطة الفلسطينية، على أن ماجد فرج جاء لتنفيذ المؤامرة وإسقاط “وحدة الساحات”، لكن الواقع يقول أن هذه الاستراتيجية سقطت، مع اندلاع آخر مواجهة خاضتها حركة الجهاد الإسلامي منفردة، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

عقلانية “حماس” وحساباتها الفلسطينية هي من أسقط نظرية وحدة الساحات

وأن حركة حماس رفضت الدخول في المعركة استجابة لمشروع التهدئة–الهدنة، الذي تعمل عليه مع مصر وتركيا وقطر. وأن حركة حماس رفضت العمل العسكري انطلاقاً من غزة، وفق أجندة طهران، وليس وفق مصالح أهل القطاع ومجمل الشعب الفلسطيني.

ويأتي انحياز حركة حماس لهذا الخيار، نتيجة إدراكها لما سوف يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي، من تدمير شامل لا طاقة لشعبنا هناك بتحمل نتائجه.
إن عقلانية “حماس” وحساباتها الفلسطينية هي من أسقط نظرية وحدة الساحات، ولا أقول هذا من أجل تبرئة فتح واتهام حماس، بل أقول هذا لوضع الأمور السياسية في نصابها أولاً ولشكر قيادة حماس على موقفها ثانياً.

لو ظهر في الإعلام، سيكون أثره السلبي كبيراً على “محور الممانعة”، بعد الاستثمار الكبير الذي بذل، من أجل مصالحة حماس مع طهران ودمشق


ما تقدم يطرح سؤالاً جديداً مفاده، هل تستطيع أجهزة “الممانعة”الإعلامية توجيه اللوم لحماس علناً وهي تتحدث به داخلياً.

المنطق يقول أن ذلك لو ظهر في الإعلام، سيكون أثره السلبي كبيراً على “محور الممانعة”، بعد الاستثمار الكبير الذي بذل، من أجل مصالحة حماس مع طهران ودمشق.
وأن الإسلام السياسي الشيعي سيخسر كثيراً، إذا اتهم ممثل الإسلام السياسي السنّي بهذه التهمة… هذا ما اقتضى من إعلام الممانعة، أن يصب غضبه بأعلى درجاته اللفظية السياسية والأخلاقية على حركة فتح وممثل السلطة الوطنية الأمني, الذي لبى دعوة مدير مخابرات الجيش اللبناني، لمتابعة الاتفاقات الرسمية الأمنية المعقودة بين الشرعيتين اللبنانية والفلسطينية، والمتعلقة بالحالة الفلسطينية في لبنان وأساليب وطرق حفظ الأمن، من منظور الشرعية اللبنانية أولاً وأخيراً، في ظروف شديدة التعقيد تحيط بالجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الشرعية.

وأعتقد لو أن قيادة الجيش اللبناني، لا تثق بإداء السلطة الوطنية الفلسطينية، في تنفيذ ما يتفق عليه لمصلحة أمن لبنان وأمن المخيمات، لما كان قائد الجيش استقبل في مقر قيادته، سفير دولة فلسطين بعد هذه المعركة.
السؤال الآن، ونحن إزاء توقع جولات جديدة، ومرة أخرى على قاعدة ونظرية الربط الاستراتيجي بين “الساحات” وليس الأوطان!! ما هي الملفات التي تتأثر من أي معركة في مخيم عين الحلوة، ومن المستفيد منها؟

من يتابع محللين الفضائيات يمكن الاستنتاج أنهم يتقاطعون على عدة ملفات ذات صلة بالحالة اللبنانية هي:
1 – ملف التجديد لليونيفيل وتفعيل القرارات الأممية 1559 و1701، وعلاقة تلك القرارات بكل سلاح غير شرعي في لبنان.
2 – ملف ترسيم الحدود البرية وتثبت خط الحدود في الجنوب اللبناني نهائياً.
3 – ملف الاستثمار البحري للغاز وما يتعلق به من صناديق مالية.
4 – ملف الرئاسة اللبنانية ودور الخماسية الدولية والأسماء المتداولة في هذا الصراع.
5 – الملفات الاقتصادية والمالية والقضائية، ومجمل وضع وحالة مؤسسات الدولة اللبنانية.

المجموعات الإرهابية والتكفيرية والداعشية كما سبق ووصفها إعلام الممانعة قدموا بعودتهم للمخيم، وبإجرامهم هدية ثمينة لاستهداف الحالة الفلسطينية ككل في لبنان

ما تقدم من سرد لعناوين تلك الملفات، وبالتزامن مع التصعيد اللفظي الذي شهدناه في “مزارع شبعا” و”قرية الغجر”، وحيث أن الطرفين أبديا صراحة بأن لا مصلحة لهما في حرب جديدة في لبنان، أعتقد أن المجموعات الإرهابية والتكفيرية والداعشية كما سبق ووصفها إعلام الممانعة (فتح الإسلام، جند الشام، الشباب المسلم وغيرهم وغيرهم) قدموا بعودتهم للمخيم، وبإجرامهم ضد أهله وكوادر فتح، هدية ثمينة لاستهداف الحالة الفلسطينية ككل في لبنان، عبر تفجير الصراع في مخيم عين الحلوة مجدداً، ودائماً تحت العنوان “العرفاتي”، إنه استثمار أكبر بكثير من تلك المجموعات التي تنفذه، وقد عاثت فساداً في مخيمي عين الحلوة والمية ومية.

إذاً لماذا صار يصفها إعلام الممانعة الآن “بالقوى الإسلامية”؟ هل من أجل هذا الاستثمار بالحالة الفلسطينية حصلوا على رتبة شرف غير رتبة تكفيريين؟
وهل من أجل سلامتهم وبقائهم واستمرارهم ممنوع على حركة فتح حسم المعركة، بل هي المتهمة الآن بخرق وقف إطلاق النار؟

إن ما جرى وما سوف يجري في المخيم, يخفي حقيقة الاستهداف للحالة الفلسطينية وليس لفصيل واحد.

استهداف التطويع أو الإبادة!!

ولنا في تجاربنا من ما بعد الاجتياح الإسرائيلي، أمثلة ودروس قاسية، استهدفت مجتمع اللاجئين الفلسطينيين برمته تحت عناوين مختلفة، وهذا ما يفرض على الإجماع الوطني الفلسطيني، واجبات إنقاذ الحالة الفلسطينية، ومنع إعادة توظيفها في الصراعات المحلية، وتأمين سلامة الفلسطينيين والشعب اللبناني، عبر الشرعية والشرعية.. ولا شيء خارج الشرعية اللبنانية.

السابق
ايها اللبناني في ذكرى ٤ آب: لن يعيد لحياتك الرخيصة قيمتها الا حياتك
التالي
بعدسة «جنوبية»: في ذكرى تفجير المرفأ.. مسيرة تتشح بالسواد والحزن