«مفرقعات ديمقراطية» لجورج سعد.. حلقة نقاش لـ«جنوبية» تُفنّد تفاصيل كتاب تجاوز القيود

في خلطة دسمة، جمع الدكتور جورج سعد عصارة ابداعه التي عكسها في كتابات عفوية عابرة للحواجز ومحفزة للمخيلة، ضمن كتاب "مفرقعات ديمقراطية" الحاضن لمجموعة مقالات صغيرة ومداخلات ومواقف موجزة "بنت ساعتها"، نُشر عدد كبير منها في الصحف وأخرى على صفحة فايسبوك الكاتب الذي تخلى عن كل الأقنعة، وسرد الواقع اللبناني كما هو، متسلحاً بمبدأ الحرية الفكرية في طرح الإشكاليات، كما في تقديم إجابات متناثرة هنا وهناك بين دفتي كتابه، الذي شكّل محور حلقة نقاش نظمها "منتدى جنوبية"، أضاء خلالها عميد كلية الاعلام سابقاً الدكتور جورج صدقة والأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتورة هالة أبو حمدان على القضايا التي عالجها المؤلف بأسلوب يعكس الواقع اللبناني على حقيقته.

أعطت المقالات المتنوعة بشكل يشبه “سلطة أفكار” للكتاب رونقه الخاص، فتميّز بأسلوب جريء عكسه الكاتب بتناوله للمقال القانوني الرصين والمقال الصغير العصبوي، من معضلة المجلس الدستوري والعمل النقابي وانتحار العاملات الأثيوبيات، مروراً بالجامعة اللبنانية والفرنكوفونية والبرنامج الانتخابي للتيار الشيوعي التحرري، وغيرها من القضايا التي شكلت مضمون كتاب أشبه بـ”خليط” فيه القليل الكثير من كل شيئ، وهو ما تمت الإضاءة عليه في الجلسة التي أقيمت في مكتب “جنوبية”، بحضور حشد من المهتمين.

الحضور خلال حلقة النقاش

مطر: مجموعة مقالات أو مداخلات ومواقف كل منها يحمل عنواناً يصلح ليكون كتاباً

أتاحت الجلسة الفرصة لتفنيد خفايا كتاب متوافر “الكترونياً” فقط تماشياً مع تطورات العصر، غرّد عبره مؤلفه خارج سرب القيود في خلطة تمرد تشبه تمايز أسلوبه، وأدارها الصحافي مجيد مطر الذي لفت الى “أن الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات او مداخلات ومواقف، كل منها يحمل عنواناً يصلح ليكون كتاباً بحد ذاته، الكتاب كما أراد له المؤلف ان يكون، دعوة لحوارات حول قضايا ملحة يعيشها المواطن اللبناني، عالجها من خلال مقالات ومواقف، باسلوبه الرصين الذي لا يخلو من سخرية تدعو لنقض الواقع، وقد ترك للقارئ مسؤولية الفرز وادراك حقيقة الأمور والحذف والاضافة والتنقيح، بهذا أتاح لنا القدرة على التفاعل مع الكتاب وما يحمله من أفكار ورؤى على طريقتنا وعلى النحو الذي نريد”.

الصحافي مجيد مطر


وقال:”عنوان الكتاب مكون من مفرداتين: مفرقعات وديمقراطية. اذا بدأنا بمفردة الديمقراطية فهي مصطلح مألوف على مستوى علم السياسة، وشديدة الحضور في الراهن اليومي، فكلمة ديمقراطية تكاد تكون الوحيدة التي ينطبق عليها مقولة الغاية والوسيلة في آن واحد. هي وسيلة سياسية لا يمكن تخطيها عند تكوين السلطات وتداولها، فالديمقراطية هنا وسيلة تتيح الحكم وفق اليات التصويت او الانتخاب لادارة شؤون الحكم فضلا عن احترام ما يقرره الشعب. وهي غاية كون جميع الدول تنسب لنفسها صفة الديمقراطية بمعزل عن صدق ما يدعون”.

مطر: الكتاب شكل دعوة لحوارات حول قضايا ملحة يعيشها المواطن بأسلوب رصين


أضاف:”أما المفرقعات فهي مفردة أراد منها الكاتب الاشارة الى استسهال الاخرين الحديث عن الديمقراطية كمفرقعات تحدث صوتا وجلبة انما من دون تأثير، فكثير هي الدول والأحزاب والقوى الذين ينسبون انفسهم للديمقراطية وسلوكهم يناقض ذلك، وكل ما يصدر عنهم من مواقف كنابة عن ضجيج مفرقعات لا تحدث فرقا”.

صدقة: افكار جريئة ثورية تصطدم بواقع لا يترك لها أيَ حظ في أن تسلك طريق التطبيق

أن نلتقي حول كتاب “مفرقعات ديمقراطية”، هو فعل ارادة وايمان بأن التغيير يتمّ بالافكار وبأن المجتمعات لا تتقدّم الا من خلال جدلية حيث تسود حريةُ الرأي، وحيث المصلحة العامة تطغي على المصالح الذاتية، هكذا اختار صدقة البدء في مداخلته حول الكتاب، وسأل:”ما الجامعُ بين هذا الكتاب والمفرقعات التي يعنيها؟”.
واعتبر أن “المفرقعات هي غالبا رمزُ الاحتفالية، فعن أي احتفالية يتكلم؟، أم هي ومضات لحظوية في ليلنا الحالك؟ غير أنه أضاف الى تعبير مفرقعات صفة ديمقراطية ، فباتت توحي وكأنها مفرقعات فكرية، ومعها باتت المفرقعات تنحو نحو فعل ارادي مقصود وكأنه يؤمل منه ضوضاءٌ قوية من شأنها ان توقظ النيام او ان تشدّ الابصار أو أن تصدم العقول”.

عميد كلية الاعلام سابقاً الدكتور جورج صدقة


وقال:” في اعتقادي هذا ما قصده الكاتب فيصبح العنوان حينها مبررا، وان كنت شخصيا لا أحب التعبير الذي يبقى أولا مرادفا لاحتفالية فيما الكتاب يراكم الامثلة على مسيرة مجتمعنا في جَنازة الديمقراطية وجنازة وطن”، لافتاً الى “أن الكتاب هو “مجموعة مقالات صغيرة ومداخلات ومواقف، كما عرّفه الكاتب على الغلاف/ تتناول قضايا مختلفة في السياسة والقانون وعلم الاجتماع والتربية مع حنين الى الاتحاد السوفياتي والحركة الشيوعية مرورا بقضايا الاعلام وغيرها وغيرها. وقد نبّه الكاتب نفسُه القراء في مقدمة الكتاب فوصفه “بالخليط، وبالسلط”، على حد تعبيره”.

صدقة: مجموعته هي صرخات في اتجاهات متعددة جعلت من الكتاب سلطة لذيذة منعشة


وتوجّه صدقة الى الكاتب بالقول:” لقد استسهلتَ يا صديقي جورج جمع ما دونتَه طوال سنوات، ولم تعمد الى تنقيح ما يلزم، أو شطب ما يبدو اضافات على القضية الرئيسية التي تتمخّض في داخلك. كنت أتمنى لو انك عمدت الى ذلك، لكنتَ أرحتَ القارئ وصوّبت مفرقعاتك فيكون وقعُها أكثر فعالية. وقد كتبتَ في مقدمة الكتاب “على القارئ تقع مسؤوليةُ الفرز وادراك حقيقة الامور والحذف والاضافة والتنقيح”. هنا لا أوافقك الرأي، ان على الكاتب ان يقدّم للقارئ أفضل ما عنده، وان يكون طبقُه الفكري مكتملَ التوابل ليسهَل هضمُه”.
وقال:”أما أن يكون الكتاب الكترونيا فقط، وهو ما بلّغني اياه الكاتب بقوله: انه “يواكب التطور”، فنحن يا صديقي من جيل يستلذّ برائحة المطبوع، ونستمتع بتقليب الصفحات الورقية، ونواكب افكار المؤلف حاملين قلم الرَصاص مالئين الهامش تعليقات وخطوطا. وان كنّا نواكب التطور فلأننا في بعض المرات نكون مرغمين على ذلك. لكننا نعرف أن ليس التطورَ فقط ما ألزمك بالاكتفاء بالنسخة الالكترونية، وانت محق في ذلك”.


أضاف:” في بعض صفحات الكتاب أقع على جورج سعد الثائر الذي كان عليه في بداية تعارفنا حين كنا ما نزال طلابا نُمضي ساعات من النقاشات في مقاهي أرصفة باريس، وكان الكاتب حينها شكلا وفكرا، يتمخّض بأحلام التغيير على خطى ماركس ولينين وفلاسفة اخرين من أجل بناء مجتمع عادل ينصف الفقراء والعمال ويَقرّ العدالة الاجتماعية ويحقق المساواة الطبقية. وها اليوم، وقد مضت سنون طويلة، أفقدت صديقنا شَعره، وحلق ذقنه وتخلى عن بدلة العمال الكحلية، واصطدم بواقع الحياة ومتطلباتها. لكنه ما زال يضجّ بافكار الثورة والعدالة، ومقالته ضد التجديد لرياض سلامه واقتراحاته للمهام المطلوبة من مصرف لبنان تؤكد هذا المنحى الاجتماعي المتقدم”.
وشدد على أن “مجموعته هذه هي صرخات في اتجاهات متعددة: دستورية، قضائية، اجتماعية، اقتصادية، نقابية، دينية. وفي اعتقادي ان الكاتب من خلال مشاهداته اليومية، حمل قضايا المواطن وهمومه ومشاكله فبدت قضية واحدة وهي قضية مصير الوطن. وبالتالي ان مجموع الكتاب هو سلطة لذيذة منعشة في هذا الزمن الحار”، مشيراً الى “أنه يتنقل الكاتب في نقده بين السلطات السياسية والدينية والمالية في تحليل حالات محددة، فاذا بالمستشفيات تختبئ خلف تسميات دينية لكنها لا تعرف ربّها، والقضاء تسوده حال من اللااخلاقية بشهادة القضاةِ انفسهم، ووزارةُ العمل تعمل بقوانين لا تحمي العمال، والدستورُ ضحيةُ خرق مستمر كمثل التمديد لرؤساء الجمهورية التي توازي الخيانة، ومجلس دستوري بات مؤسسة فارغة من مضمونها”.
ورأى صدقة أنه “مع كل مقالة نكتشف كم بات وطنُنا في الحضيض وكم باتت مؤسساتنا هزيلة وكم باتت ديمقراطيتنا فولكلورية. من موقع رئاسة الجمهورية، الى القضاء، الى واقع الدستور والقوانين، الى الممارسة الانتخابية والتعيينات الادارية، وغيرِها وغيرها. صفحةً بعد صفحة ينعصر قلبنا وتعود الاسئلة التي تتمخض في قلب وضمير كلِ واحد منا: كيف العمل للخروج من حال الانهيار؟ وهل من الممكن اعادة بناء هذا الوطن؟ أي مصير ينتظرنا بعد؟ وغيرُها من الاسئلة الوجودية المؤلمة”.
وقال:”تمنّى الكاتب انتفاضة شعبية مع أزمة النفايات التي ملأت الشوارع وكشفت عجز طبقة سياسية بأكملها عن معالجة أبسط المشاكل. عرض واقع مغارة مصرف لبنان، حالَ النقابات والاتحاد العمالي العام، التعليم الديني في المناهج الرسمية، واقعَ العمالة الاجنبية في لبنان التي وصفها بأبشع أنواع الاستعباد، ذارفا دمعة على جبران تويني وجورج حاوي وعلى الحرية”، مشيراً الى “ان افكار جورج سعد جريئة، ثورية في الكثير منها، وان كانت تصطدم بواقع اجتماعي لا يترك لها أيَ حظ في أن تسلك طريق التطبيق، غير أنها كبذار الفلاح التي يأمل منها أن تقعَ في الارض الصالحة أو على الاقل في النفوس الصالحة، تنتظر ربيعا مؤاتيا كي تَفرُخَ وتزهرَ وتعطي ثمرا”.


وختم صدقة مداخلته بالقول:”إنك يا صديقي تحمل قضايا الوطن في ضميرك وفي قلبك، لكن مصيبتنا أن القيمين على الوطن لا يشاركوك الهمّ نفسه!! انهم سعداء بما هم عليه، غيرَ ابهين بالشعب وهمومه. وكذلك غالبية وسائل الاعلام التي بدأتَ كتابك بتوجيه اقتراح لها باغناء مضامينها بمواضيع ثقافية وباختيار ضيوف متخصصين، لكن فاتك يا صديقي أن هذه الوسائل هي أدواتٌ للطبقة السياسية وانها هي أيضا لا تسعى لا الى الثقافة ولا الى خدمة الجمهور، انها أدواتُ الهيمنة السياسية والفكرية، وهي في خدمة رأس المال والطبقة الحاكمة.ننهي قراءة الكتاب حزانى، مكسوري الخاطر، حالمين بانتفاضة نأمل أن تحمل لنا التغيير المنشود”.

الدكتور جورج سعد بجانبه الأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتورة هالة أبو حمدان

أبو حمدان: ما يلفت في كتاباته نقده ضد ممارسات الشيوعيين وهو الشيوعي الأصيل

مفرقعات ديمقراطية، “بنت ساعتها”، كما يصفها كاتبها الذي لملمها من هنا وهناك، لكنها كلها بنات أفكاره وعصف فكري عفوي، مستعجل، دون أقنعة، فتتدفق الكلمات والحروف في فسيفساء من الأفكار والأسئلة، ويبحر في ميادين متنوعة يقول فيها ما يعتمل داخله، هذا ما أكدت عليه أبو حمدان، ولفتت خلال كلمتها حول الكتاب الى أنه “لا يحتاج المرء للكثير ليعرف دخائل دكتور جورج. واضح، شفاف، جريء، يقول ما يريد دون مواربة وهو الذي يثمّن عالياً حرية الفكر والتعبير، كذلك الديمقراطية الغالية على قلبه. ينقد دون خجل، وأكثر ما يلفت في كتاباته، النقد الذي يمارسه ضد الشيوعية، أو بالأحرى ضد ممارسات الشيوعيين وهو الشيوعي الأصيل”.
وشددت على أن “ميوله الشيوعية والاشتراكية واضحة. يحمل هموم العمال والأجراء، مهاجماً الاتحاد العمالي العام المدجّن والذي يعاني من موت سريري. ويطرح تعديلاً لقانون العمل اللبناني الذي يعاني أصلاً من تطبيق سيء أو لا تطبيق، وذلك فيما يتعلق بالعمل النقابي بشكل خاص. ويحرص على حماية “الشغيلة”، كما يسميهم، من تعسف أصحاب العمل وأصحاب الرساميل”.

الأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتورة هالة أبو حمدان


وقالت:”في مقاله حول أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي، ينقد التجربة الستالينية التي أدّت إلى ممارسات تسلطية، وعبودية الشخصية والمركزة الفردية. وقد استمرّ هذا النهج بعد ستالين وامتدّ إلى البلدان الأخرى التي وصفت نفسها بالشيوعية: نهج محافظ، جمود في الاقتصاد، قمع المنشقين والأحادية الحزبية. لكنه يرى أن هذه الأنظمة لم تطبق الشيوعية أصلاً، وهي، أي الشيوعية، تعني “التنظيم الاقتصادي والاجتماعي المؤسّس على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج لصالح الملكية الجماعية”. وهو يراها فكرة عقلانية جداً. وبالتالي لا مجال للقول بانهيار الشيوعية مع انهيار الاتحاد السوفييتي. ينتقد بشدة الطريقة التي طُبِّقت فيها الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، والتي أعطت امتيازات استثنائية لحفنة من الحزبيين المستفيدين. هذا النظام همّش الأطراف بسبب فوقية القومية الروسية ما حمل الأطراف على التمسّك بقومياتها، وجعل العداء للقومية الروسية يؤدي إلى العداء للشيوعية. الرابط القومي عند دكتور جورج سعد هو إنساني لحاجة عابرة، وهو ينتمي بنظره لذات عائلة الروابط الطائفية والمذهبية. أزمة الاتحاد السوفييتي هي أزمة ديمقراطية وعدم مساواة لا أزمة هوية قومية. لكنه من جهة أخرى لا ينكر إنجازات الثورة السوفييتية في القضاء على العصبية وتنمية الفكر الأممي”.

أبو حمدان: الكاتب يؤمن بالعلمنة الشاملة وهو لملم بنات أفكاره في كتابه دون أقنعة


وأوضحت أب حمدان أنه “بالنسبة إليه، مشكلة اليسار في لبنان أنه لم يقارب مسألة التشرذم الطائفي والمذهبي بصورة صحيحة. وكما أن ممارسة الحزب الشيوعي السوفييتي أدّت إلى القوقعة القومية ثم التفكك، كذلك فإن مقاربة الفكر القومي العربي الإسلامي هي التي أدّت، بين عوامل أخرى، إلى قوقعة الأقلية، المسيحية وغيرها. ويدعو الحزب الشيوعي اللبناني بصورة خاصة إلى الجرأة في مقاربة صحيحة من مثل رفض الجوهر الطائفي (الإسلامي) لجميع الدساتير العربية. ويرى أن الحزب الشيوعي في لبنان يمرّ بأزمة خانقة ما يتطلب منه موقفاً نقدياً ذاتياً”.
وقالت:”هو مناصر شديد للعلمانية لا بل يؤمن بالعلمنة الشاملة وبحرية الايمان والتعبير عن الرأي. لا يقبل المساس بالمعتقدات الدينية، يهنئ مجلس الدولة الفرنسي الذي أبطل قرار منع اللباس الإسلامي على الشواطئ. يرفض المسّ بالرموز والشعائر الدينية. بالمقابل، لا يقبل بفرضها ويهاجم رجال الدين المتحالفين مع السياسيين لقمع الحريات. يقترح أن تنكبّ السلطات التشريعية على سنّ قوانين تعاقب بشدّة من يقوم بتحقير معتقدات الآخرين حتى لا يترك أمر العقاب لرجال الدين. ويرى أنه يجب توسيع مفهوم الإيمان ليشمل أيضاً المعتقدات الفلسفية المادية أو الروحانية من خارج إطار الدين. ويطالب بقانون مدني إلزامي للأحوال الشخصية. ويرى ضرورة العمل على إصدار قانون يمنع التسميات الدينية للمؤسسات التعليمية. يتبنى مقولات ماركس وانغلز وغرامشي حول الدين والمؤسسات الدينية. يؤمن بحتمية إلغاء المعيار الطائفي في لبنان “عندما يصل مسارالتطور الحتمي في العقول إلى نقطة اللارجوع”. عندها، “سيستحي اللبنانيون من حقبة الطائفية المخجلة”، كما يقول”.


وتابعت:” في أكثر من سياق ينتقد الديمقراطية التمثيلية حيث، بعد الانتخاب، ينفصل الممثلون عن الذين انتخبوهم، ما يعني فقدان الرقابة الدائمة على عمل النواب، ويرى أنها “أقل تطوّراً من المفهوم الإسلامي في الحكم على سبيل المثال حكم الشورى (مع بعض الشروط) ، وأقل تطوراً من المفهوم الاشتراكي العلمي والاشتراكية التحررية وغير ذلك”، مشيرة الى أن ” آراؤه تبرز بشكل واضح تموضعه السياسي. ولا يخجل من المجاهرة به. بالنسبة له السلطات في لبنان بلطجية ببلطجية. ميله واضح ل 14 آذار في المواقف السياسية اللبنانية الداخلية والخارجية”.
وأشارت أبو حمدان الى “أنها تتلاقى مع سعد بأن حرية الانسان ليست دون حدود. حدودها حقوق وحريات الآخرين. حدودها الأخلاق والمسؤولية”.


أضافت:”كونه أكاديمياً قانونياً، يتناول عدة مواضيع لها علاقة بالقانون والقضاء. معظم آرائه متأثرة بتخصصه الأكاديمي، يغلّفها برأي قانوني دستوري أو إداري. هموم الجامعة ومناهج التدريس فيها حاضرة في كتاباته، واضح تأثّره بالاجتهاد الإداري الذي له حوله مؤلفات عديدة. والكثير من مقالاته تتضمن فتاوى ودراسات قانونية ونقداً للاجتهاد واقتراحات أكاديمية. كالمقالات حول المجلس الدستوري، التعليق على قرارات قضائية بعضها من القضاء الإداري الفرنسي، ورأيه في وضع الأجهزة الأمنية نفسها بالتصرف، أو ملاحظات حول دور القضاء اللبناني، رأيه في حدود حق رئيس مجلس النواب لدعوة المجلس للانعقاد، وبالتالي حق المجلس في أن ينعقد في هذه الحالة تلقائياً. يرفض كون الحكومة غير دستورية بغياب الوزراء الشيعة رغم موافقته على كونها غير ميثاقية. يعطي رأيه في دستورية انتخاب الرئيس ميشال سليمان، ويرفض المساواة بين الوفاة والفراغ بهذا الشأن. كل ذلك من زاوية فلسفية قانونية. يتمنى أن يستعيد القانون عافيته في دولة القانون ولا يطغى التفسير السياسي للدستور والقانون. يبحث في موضوع استقلالية القضاء ويرى أنه رغم نص الدستور عليه، إلا أنه غير محقق في القانون والواقع. ويعدّد من هذه العيوب تعيين القضاة من قبل السلطة التنفيذية، وإخراج “الأعمال الحكومية” من نطاق الطعن لتجاوز حدّ السلطة، وحصر مراجعة المجلس الدستوري ببعض السياسيين، وغيرها. فالقانون “يخضع السلطة القضائية لجبروت السلطة التنفيذية” على حدّ قول القاضي نصري لحود. وبرأيه، تسود القضاء حالة من اللاأخلاقية”.
واعتبرت “أنه ينتقد ما آل إليه المجلس الدستوري بعد بدايات مشرّفة، كما ينتقد قرارات أخرى منها قرار إبطال نيابة غبريال المرّ واعتبره كما القرار الآخر سياسياً بامتياز، وبالنسبة لقانون الانتخاب الجديد، ورغم التقدم الذي أحرزه باعتماد النسبية، إلا أنه فُرِّغ من مضمونه بسبب ما أسماه “تخييط” الدوائر من أجل إرضاء الطبقة السياسية. من جهة أخرى، يقول إن مبدأ فصل السلطات هو “إلى حدّ كبير مغالطة وخطأ منهجي عميق”. وقد أراده آباؤه نظرية ثورية الهدف منها إخضاع الحاكم لسلطة قانون أعلى هو قانون الجماعة. لكن لا وجود له فعلياً طالما أن القوى السياسية الموجودة في الحكومة هي نفسها التي يتشكل منها البرلمان. ولذلك لا وجود لمحاسبة حقيقية للحكومة من قبل البرلمان. من هنا يقول إنه ينبغي التفكير “بنمط آخر للحكم غير فصل السلطات الشكلي والهش”، أي التوجه باتجاه الديمقراطية المباشرة”.

الدكتور جورج سعد

سعد: لا زلت من هذه “الدقة القديمة” حيث أطمح الى بناء عالم لا رأسمالي خال من الاستغلال

“كتاب من نوع خاص”، عبارة لخّص فيها المؤلف مضمون “مفرقعات ديمقراطية” الذي تضمن مجموعة مقالات صغيرة، مداخلات، مواقف، فائلاً:” كتبنا ما تيسر من أبحاث وكتب قانونية وترجمات.. راودتني هذه الفكرة: لماذا لا أصدر في كتاب مجموعة المقالات الصغيرة، والمداخلات، والمواقف”.
وشدّد على “أنه تتميز هذه الكتابات بمصداقية وعفوية لا نجدها في الكتب الأكاديمية أو البحثية، حيث نشتغل الكلام ونكتب بحذر ونحرص على توفير الشروط العلمية: الحياد، العلموية، الشكل”.
وقال:”في هذا الكتاب لا قيود والمواضيع متفرقة، ربما الخيط الجامع حرصي على ضرورة تغيير التقاليد السائدة والنهوض باتجاه لبنان جديد، عالم عربي جديد، ديمقراطي، علماني، اشتراكي علمي، فأنا لا زلت من هذه “الدقة القديمة” حيث أطمح الى بناء عالم لا رأسمالي خال من الاستغلال وحيث يقتضي استعادة الروحية الثورية رغم الإحباط الذي ولده سقوط جدار برلين”.

سعد: الخيط الجامع حرصي على ضرورة تغيير التقاليد السائدة والنهوض باتجاه لبنان جديد


وأوضح سعد أن” الكتاب فيه كل شيء: حوار نصري لحود رئيس مجلس القضاء السابق بعد نهاية ولايته بيوم يفضح المؤسسة القضائية والقضاء من أصحاب القصور، إقتراح لتعديل الباب الرابع من قانون العمل اللبناني المتعلق بالنقابات، في ما يلي نطرح برسم وزارة العمل والهيئات النقابية والأهلية هذا التعديل كي يغدو قانون العمل اللبناني في موضوع العمل النقابي أكثر توافقاً مع متطلبات الإتفاقية الرقم 87 و98 حول الحرية النقابية وحماية الحق النقابي وحق التنظيم النقابي الصادرتين عن منظمة العمل الدولية من ما يزيد على الخمسين سنة، انهيار الاتحاد السوفييتي، مادة فلسفة القانون تدخل مناهج كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، الزبالة من منظور فلسفة القانون”.
وقال:” لكل بلد وشعب نهجه في التفكير ولكن في جميع الأحوال الموقف فلسفي: عفوياً كل لبناني منذ خروجه من منزله حتى عودته يتأمل طرقات لبنان وناسه.. يحلل كل شيء بالمنطق مستخدماً نظرية المعرفة والأخلاق وعلم الألسنية وطبيعة العقل. اللغة، علم الألسنية، هي باب الفلسفة العريض. ماذا نقول: قمامة أم نفايات أم زبالة.. تلفزيون ال MTV منح الأفضلية لملفوظة “الزبالة”.. وأنا أيضاً.. النفايات (بضم النون) مهذبة جدا لا تليق بالزبالة المتراكمة على الطرقات.. ولا بروائحها والأمراض الآتية! ملفوظة “الزبالة”، فلسفياً، تريح اللبنانيين لأنها تغدق عليهم شعور المنتقم من الطاقم السياسي التعيس (دون استثناء) وهو شعور جميل.. عذب”.
أضاف:” الدكتور عصام سليمان، رئيس المجلس الدستوري: إما الاستقالة إما.. الحاج متولي، قانون تمديد معيب وماس بأعراض الناس بالمعنى العشائري للكلمة. تمديد سنة وخمسة شهور: شتيمة لتاريخ لبنان ورجالاته الكبار ومفكريه ومناضليه النقابيين وأحزابه العقائدية.. اليمينية واليسارية والفوقية والتحتية.. هي شتيمة للجامعة اللبنانية وأساتذتها ورؤسائها المتعاقبين ولكل المحاضرات في القانون الدستوري في كليات الحقوق.. مبدأ انتظامية الانتخابات.. في عدم شرعية وضع “الأجهزة” نفسها بالتصرف ، في “إقالة” القاضي شكري صادر، رئيس مجلس الشورى اللبناني، في صور النبي محمد، مقاربة قانونية، في 30 أيلول 2005 نشرت صحيفة “جيلاند بوستن” الدانماركية إثني عشر رسماً بعنوان “وجوه محمد”، فيما يُحظر في الإسلام أي تمثيل أو تشبيه أو تصوير للنبي محمد. قانون العقوبات، تُعرِّف المادة 385 من قانون العقوبات اللبناني الذمَّ بأنه نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته. وكل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير يعد قدحاً.. من أواخرها إعدام “جان فرانسوا دو لا بار” Jean François de la Barre في سويسرا. لقد قُطع رأس هذا الشاب المسكين (مواليد 1745) بعد تعذيبه وهو في التاسعة عشرة من عمره لأنه لم يُلقِ السلامَ على موكب ديني، وما كان لهذا الفعل أن يُرتكب لولا التواطؤ بين رجال الدين والملك”.


وتابع:”من زاوية قانونية إذاً دولةُ القانون تفصل بين حرية الرأي من جهة والتصرف المسيء من جهة ثانية. يبقى أن الأمر في قضية صور النبي محمد يختلف في شيء أساسي وهو أن هذا التصرف المسيء يمس نبياً يتمتع بقيمة روحانية وفكرية وإنسانية لا تقاس لدى المسلمين وهذا ما لم يتنبه له الأوروبيون ولا يعرفونه، فيما اللبنانيون، على اختلاف مللهم، تنبهوا لهذا الأمر، لأن كل اللبنانيين مسلمون إجتماعياً، أي أنهم يعرفون بل يشاركون المسلمين بمشاعرهم، تماماً كما المسلمون مسيحيون إجتماعياً وهذا ما يتجلى البارحة في شكل رائع”.
وختم:” في المنظور الأوروبي العلماني غدا الإيمان قضية شخصية محصورة في علاقة الإنسان بربه. أعبد من تشاء شريطة أن تحترم مبادئ “الجمهورية”. هكذا لكل إيمانه وأنبياؤه وعباداته. مؤمنون أم غير مؤمنين، الكل سواسية لدى القانون. في عدم شرعية قرار رئيس بلدية بطشيه منع تجول الأجانب”.
نقاش
وفي تعقيب على ما قدمه المحاضرون حول الكتاب، كانت سلسلة مداخلات للحضور ونقاش في التفاصيل، فاعتبر علي جوني أن “الكتاب يختصر النكسات التي عاشها اللبنانيون جراء ممارسات الطبقة السياسية التي شبهها بأنها جمعية اشرار”، لافتاً إلى “أنه من المهم الإضاءة عليها لاتذكر مآسينا واتخاذ العبرة منها”.
من جهتها رأت الدكتورة سيلفا بلوط أن “عنوان الكتاب جذاب، والكاتب استخدم كلمات لها واقع سيكولوجي وانفعالي بشكل لا إرادي على الناس”، وقالت :”كلمة مفرقعات تندرج في خانة كلمات تستخدم وتترك وقعها اللفظي والكتابي على اللبنانيين”، مشيرةً إلى أن المفرقعات ترتبط بتجارب اللبنانيين بشكل دقيق إذ تستخدم في كل المناسبات واضحت مرتبطة بثقافتهم، لذلك فهي كلمة كالعديد من كلمات تثير الحواس البصرية والسمعية ولها صدى ثقافي ونفسي في مجتمعنا اللبناني”.
بدوره رأى مرشد دندش أن “الكاتب قال ما لم نجرأ أن نقوله وتصدى للكثير من المسائل الحساسة التي تجنب الكثيرون عن الغوص فيها”.
ونوه ملحم بستاني “بالكاتب ودوره في حمل رسالة لبنان الحقيقية”، مشدداً على “أنه يتلاقى معه في الفكر والسياسة والرؤية المشتركة للبنان الحلم، لذلك يجب أن لا نيأس ونعمل من أجل تحقيق الأمل بلبنان الجديد”.
ثم كانت مداخلات للمحاضرين نوهوا فيها بالجرأة النادرة للمؤلف وصراحته، الذي شكر بدوره المشاركين على دعمهم.

السابق
الكهرباء بين ميقاتي وفياض: التغذية ستعود إلى مستواها السابق
التالي
سلامة يحسمها: ولايتي ستنتهي الاثنين.. وهذا ما قاله عن صيرفة!