حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: أي حوار لأية قضية؟

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى الدعوات للحوار وتتكرر، وتصر الثنائية المذهبية؛ أمل وحزب الله، على حوار كمدخل للتقدم الى انجاز الاستحقاق الرئاسي، عبر تطويع الاطراف السياسية الرافضة لانتخاب الوزير سليمان فرنجية، والتي تقاطعت اغلبيتها على دعم الوزير جهاد أزعور لهذا الموقع.

والمفارقة في دعوة الثنائية المذهبية للحوار، هو اعتقادها او تصرفها، وكأن بقية الاطراف اللبنانية بلا ذاكرة ولا أرشيف، فهي تتجاهل ان دعوات الحوار التي تطلقها ليست جديدة، وقد خبرها شعب لبنان وقواه السياسية مرات ومرات، فأولى محطات الحوار عقدت برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجرى الاتفاق فيها على القبول بالمحكمة الدولية وبنزع السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات الفلسطينية، كما أطلق الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله وعده الشفهي بصيف هادئ سنة ٢٠٠٦، ويعرف جميع اللبنانيين ماجرى بعد هذا الحوار والاتفاق.

كما يتذكر اللبنانيون اتفاق الدوحة، الذي ادرج في متنه عدم اسقاط الحكومة بالاستقالة، بعد نيل حزب الله وحلفائه الثلث المعطل فبها، ويتذكر كل من لم تخنه ذاكرته، كيف اسقطت الحكومة، لحظة وصول رئيسها الى باب البيت الابيض في اميركا.

كما يتذكر الجميع موافقة حزب الله على اعلان بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، ثم نكثه بتوقيعه والدعوة الى نقع الاتفاق بالماء وشربه!!!

من المفيد قبل ان يدعو حزب الله لحوار جديد، ان يسدد التزاماته السابقة ليؤهل نفسه

ولعله من المفيد قبل ان يدعو حزب الله لحوار جديد، ان يسدد التزاماته السابقة ليؤهل نفسه، لعقد اتفاقات والتزامات جديدة، اليس هذا ما يفرضه القرض الحسن على المتعاملين معه؟!

من ناحية ثانية، يجهد الفرنسيون في اقتراح تفصيل اشكال متعددة وطاولات متناسلة للحوار المرتجى.
ولذلك من المفيد هنا، ان يتم تحديد القضية او القضايا التي ستبحث في هذا الحوار، فأية ازمة يجب حلها نتيجة هذا الحوار؟ هل فقط انجاز تسمية رئيس الجمهورية، وهو أمر ممكن، ومن دون حوار، من خلال الالتزام بالآليات الدستورية التي تنظم وتحدد كيفية انتخاب رئيس الجمهورية، في المواد ٣٤ حول النصاب والمواد ٤٩ و٧٣ و٧٤ و ٧٥ من الدستور، وعليه فان الحوار بهذه الحدود، ولهذه المسألة فقط، سيكون تغطية لانتهاك الدستور، ومساعدة تقدم لمن يستسهل التملص من الالتزام بتطبيق الدستور، ورفضه التسليم الطوعي بمندرجاته نصا وروحا واعرافا.

هذا الانجاز، لن يتعدى تعديل حصص امراء الاحزاب الطائفية، وتوسيع نفوذ البعض منهم، على حساب بقية اعضاء نادي المحاصصة

في الاحتمال الثاني، ولعله الارجح، فان هذا الحوار يهدف الى تعديل في توازنات السلطة، والصلاحيات المعطاة للمواقع الرئاسية الطائفية، وفي ادارات الدولة المختلفة من وزارية وامنية وعسكرية ومالية، والحوار هذا، فيما لو نجح ووصل الى تسوية واتفاق، فأن هذا الانجاز، لن يتعدى تعديل حصص امراء الاحزاب الطائفية، وتوسيع نفوذ البعض منهم، على حساب بقية اعضاء نادي المحاصصة، وسيقطع الطريق على اية اصلاحات بنوية وادارية واقتصادية وسياسية، وسيمنح اطراف المنظومة حياة جديدة بعد ان استنزفت ارصدتها، وانكشف خواءها وفسادها وضحالتها. وادخلت لبنان بكارثة يصعب الخروج منها.

ان استدامة الفراغ الرئاسي وتطويل امده، هو مصلحة مشتركة لكل اطراف المنظومة، لاعادة تاهيل نفسها داخليا وخارجيا، وتجاوز خلافاتها وانقساماتها، والعودة الى الامساك برقاب اللبنانيين والتحكم بمصائرهم، والمدخل لحل ازمة اللبنانيين كشعب واجيال وافراد وجماعات، ليس باعادة تعويم المنظومة، بل بتسريع اعادة تشكيل السلطة، ومنع تعطيلها وانفراط عقدها وشل وظائفها.

واذا كان الحوار لا يصح اقتصاره على تسمية رئيس الجمهورية، كما لا يقبل من اجل تعديل حصص “جبنة السلطة وعائدات فسادها ومنافعها”، فأي حوار هو المطلوب وبأية شروط؟!

الحوار السوي والمرتجى، هو الحوار الذي يضع خارطة طريق، لحل أزمة الناس والمواطنين والاجيال الشابة، والشرائح التي تعيش تحت خط الفقر

الحوار السوي والمرتجى، هو الحوار الذي يضع خارطة طريق، لحل أزمة الناس والمواطنين والاجيال الشابة، والشرائح التي تعيش تحت خط الفقر، والعاملين والموظفين والأُجراء الذين لا تكفيهم مداخيلهم، لتغطية الاسبوع الاول من كل شهر، والحوار المجدي هو الذي يؤدي إلى حلول، تجعل الطبابة والاستشفاء والدواء والتعليم وخدمات النقل والتواصل متاحة للجميع، وتعيد للبنان ازدهار قطاعاته الانتاجية، ولبيئة الاعمال حيويتها ولعدالة القضاء فعاليتها..
الحوار هذا مفاتيحه ثلاث كلمات ” سيادة/ مساءلة / تعافي…

السيادة لدولة على حدودها وداخل حدودها، دولة ترسم وتدير وتحتكر الحق بممارسة العنف طبقا للقانون، وتقرر سياسة الدفاع الوطني، والعلاقات الخارجية وتهندس معسكر اصدقائها كما معسكر اعدائها، وتضبط وتدير حدودها الجيوسياسية ومعابرها الدولية، وتضبط حركة الافراد والاموال والسلع، وتجبي الرسوم وضرائب العبور والجمارك عليها، دولة سيدة على املاكه العامة ومجال انهرها وشواطئها وفضائها واثيرها…

استتباب المساءلة، وقيام سلطة قضائية مستقلة واجهزة رقابة ادارية ومالية ونقدية، تعمل وفقا للقانون والتجرد، وترفض تدخل رجال السياسة في ملفاتها وقضاياها، وتحقق العدالة والنزاهة، ومكافحة كل انواع الجريمة في كل المجالات، الجنائية والمالية و الاقتصادية والمحاسبية.

التعافي الاقتصادي، مع ما يتطلب ذلك من اعادة هيكلة المصارف، والحفاظ على حقوق المودعين واسترجاع الاموال المنهوبة، واستنهاض القطاعات الانتاجية، واصلاح الادارة العامة وقطاع النقل والكهرباء والتعليم والاتصالات والاستشفاء .. الخ

الحل بات واضحا، وهو توفر نصاب سياسي داخلي على مستوى لبنان، وخارجي على المستويين الاقليمي والدولي

وغني عن القول، ان المنظومة واطرافها، لن تقوم بتنفيذ اي اصلاح، ولن تهتم بازالة اثار الجرائم التي ارتكبتها او تسببت بها، وان مناشدتها وانتظار خطواتها، لن يكون مفيدا او مجديا، والحل بات واضحا، وهو توفر نصاب سياسي داخلي على مستوى لبنان، وخارجي على المستويين الاقليمي والدولي، لاجبار المنظومة على تنفيذ الاصلاحات والمساءلة وقيام الدولة السيدة، مكرهة لا مختارة!

السابق
«حزب الله» يوضح ما حصل جنوباً
التالي
الدولار على حاله.. هكذا أقفل مساءً