«حرب إستباقية» في لبنان فوق مسرح «الحوار الملغوم»!

قصر بعبدا

تزداد مؤشراتُ استعصاء الأزمة الرئاسية على حلولٍ من داخل أو خارج، في ظلّ تَحَوُّل الهوة السحيقة التي تفصل بين الأطراف اللبنانيين المتخنْدقين على ضفتيْ صراعٍ مفتوح منذ 2005 حفرةً مملوءة بكل مكوّناتِ انعدام الثقة و«الارتياب المشروع» (في نَظَرِ كل منهم) من الآخَر، ما يُخشى أن يكون «وصْفةَ سمّ» تَمْضي معها البلاد في مسار «الموت البطيء».

وليس أدلّ على هذا الواقع من أن كل مشروعِ مَخْرَجٍ سرعان ما يتمّ تطويقه بـ «حزامٍ ناسِف»:

  • سواء في شكل «حزمة ضماناتٍ» تُسوَّق على أنها بمثابة «بوليصة تأمين» سياسية لقوى الممانعة (بقيادة «حزب الله») بما يجعل هذا المخرج بالحد الأدنى منصّةً لتكريسِ عمليات قضْمٍ تدريجي وممنْهَج لتوازنات جمهورية الطائف تمّت مراكمتها في الأعوام الـ 18 الماضية.
  • أو عبر «جبهةِ رَفْضٍ» مدجَّجَة بهواجس خصوم «الممانعة» من اقتياد الجميع في الداخل إلى تسليمٍ بمعاودة توزيع كعكة السلطة (وتالياً النظام السياسي) على قاعدة موازين القوى التي تميل لمصلحةِ «حزب الله» وحلفائه.

وآخِر المَخارج التي لا تزال «بالأحرف الأولى» تتمثّل في ما يجري تَداوُله عن محاولة الموفد الفرنسي جان – ايف لودريان إرساء إطار متعدد الطرف لحوارٍ لبناني يشكل الأرضية لإنهاء المأزق الرئاسي من ضمن سلّة تشمل جوانب أخرى من الأسباب التي تؤدّي إلى الارتجاجاتِ السياسية والأمنية المتوالية في الواقع اللبناني والتي وفّرت «المسرحَ المثالي» لانهيارٍ مالي مشهود هو من الأعتى الذي عرفه العالم منذ 1850.

“حزب الله” يعتبر «المشكلة» الرئاسية الحالية فرصةً لـ «تدوير التوازنات» والمزيد من «كيّها» بما يضمن تعديلاً جينياً على «جمهورية الطائف» ولو بقيت منها «اليافطة»

ولم يَعُد سِراً أن «حزب الله»، الذي يرفع منذ بدء الشغور الرئاسي شعارَ «إلى الحوار دُر»، يريد من أي طاولةٍ مستديرةٍ أن تكون باباً لنقاشٍ حول الخيارات الكبرى في البلاد والهواجس انطلاقاً من «حرب الإقناع» التي يخوضها لإيصال مرشحه سليمان فرنجية، وبما ينطوي ضمناً وفق خصومه على محاولةٍ لاستدراج ضماناتٍ يريدها للتراجع عن خيار زعيم «المردة»، ولا يمكن أن تكون إلا «من عيارٍ» موازٍ في السياسة لمعادلة «السلاح يحمي السلاح» أي ضماناتٍ في النظام ومنه.

ويستعيد معارضو «حزب الله» في هذا الإطار ما تم تسريبه أخيراً عما سَمِعه المطران بولس عبدالساتر من الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله (خلال لقائه قبل شهر موفداً من البطريرك الماروني) رداً على سؤال عما يقصده «بالرئيس الذي لا يطعن المقاومة في الظهر»، إذ قال «أي ألّا يعمل كما فعل الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2006، حيث كان هناك مشروع لتهجير الشيعة اللبنانيين من لبنان الى جنوب العراق»، مشيرين إلى أن هذا الكلام ليس تفصيلاً ويشكّل جانباً عميقاً من مقاربة فريق الممانعة للملف الرئاسي على قاعدة أن المطلوب ترسيخ التوازن الميثاقي في النظام بحيث يكون المكوّن الشيعي ضلعاً ثالثاً فيه إلى جانب المسيحي والسني، على غرار ما عبّر عنه «الجهاد الأكبر» الذي أعلنه رئيس البرلمان نبيه بري في مفاصل عدة وآخِرها لتثبيت وزارة المال من الحصة الشيعية كونها تشكل التوقيع الميثاقي داخل السلطة التنفيذية.

إقرأ أيضاً: بالفيديو.. علامة لـ«جنوبية»: الحاكم لم يسلم «حقيبة الأسرار» وحذار من اللعب بالنار!

وعلى وقع غمْزِ هؤلاء من تَعَمُّدِ بري نفْض يده من أي دعوة للحوار «بعدما صرتُ طرفاً» وذلك في مسعى لنقْل الحوار (وربما في جغرافيته أيضاً) إلى رعايةٍ خارجية تكون طهران جزءاً منها على قاعدة توسيع «مجموعة الخمس» حول لبنان لتصبح + واحد هو إيران (تضم حالياً الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر)، يصعب الجزم بما إذا كان «حزب الله» يريد فعلاً إدخال تعديلاتٍ على النظام، هو الذي نُمي أنه يعتبر الأمر حالياً بمثابة شرارةٍ لحرب أهلية، أو أنه يعتبر «المشكلة» الرئاسية الحالية فرصةً لـ «تدوير التوازنات» والمزيد من «كيّها» بما يضمن تعديلاً جينياً على «جمهورية الطائف» ولو بقيت منها «اليافطة».

وفي هذا السياق استوقف الأوساط السياسية أمس بيان لحزب «القوات اللبنانية» صدر بعد اجتماع كتلته البرلمانية برئاسة سمير جعجع وبدا أقرب الى مانيفست سياسي بملاقاة الدعوات المتكررة للحوار، ثبّت مرجعية اتفاق الطائف، بدءاً من «جغرافيته» التي شكّلتها مدينة الطائف السعودية، إلى جوهره الدستوري كما السياديّ، الناظم للتوازنات في الحُكْم كما لمسألة سلاح «حزب الله» وكل سلاح خارج الشرعية، وذلك في موقف قواتي اعتُبر بمثابة رسالة قوية وضعت نقطة في آخر سطرِ ما خُشي أن يشكل «ثغرةً» لاستثمار ما فوق سياسي لمقارباتٍ حصلت في سياق «ليّ الأذرع» الرئاسي ورفْع السقوف وانطوتْ على تلميحاتٍ تقفز فوق نهائياتٍ تضمّنتْها وثيقة الوفاق الوطني.

فـ «القوات» اعتبرت «أنّ التذرّع بالذّهاب إلى الحوار لطرح الملفّات الرئيسيّة الخلافيّة بغية الوصول لحلول مشتركة هو عمليّة غش موصوفة، باعتبار أن الحوار بين اللبنانيّين حول الملفات الكبرى، من الأمن وسواه قد تمّ في مدينة الطائف بعد انتهاء الحرب وأنتج وثيقة الوفاق الوطني، وبالتالي خُلاصة هذا الحوار هي(اتفاق الطائف)»، مشيرة إلى أن«الحوار الذي تُريده الممانعة لا يهدف إلّا إلى الانقلاب على «الطائف» ونسف الدستور اللبناني، بما يُعاكس النظام والانتظام العام، كترسيخ الثلث المعطّل لفئة معيّنة، والتوقيع الثالث، ومصادرة القرار الاستراتيجي للدولة بما يُناقض جوهر ومندرَجات اتفاق الطائف».

وأكد المجتمعون أنه «بناءً على ذلك، فإنّ أيّ دعوة إلى الحوار حول الملفّات الأساسيّة واستطراداً أيّ تلبية لهذه الدعوة، هو فعل تنصّل علني من المؤسسات ودورها من جهة، وتحديداً مجلس النواب المُنوط به انتخاب الرئيس، كما هو أيضاً تنصل علني من وثيقة الوفاق الوطني من جهة أخرى، في حين أنّ الحلول للمسائل الخلافية التي اتّفق عليها كل اللبنانيّين، ومن بينها السلاح والقرار السيادي منصوص عنها بشكل واضح في اتفاق الطائف».

واذ شدّد المجتمعون على أن «الحوار حول الملفات التفصيلية واليومية، من هيئة عامة ولجان نيابية وسواها، يجب حصوله حصراً ضمن الأطر الدستوريّة، تماماً كالملفات التنفيذيّة التي يجب طرحها في مجلس الوزراء»، أعلنوا التزام «القوّات» بوثيقة الوفاق الوطني وبالمؤسّسات الدستورية، فضلاً عن عدم رفضها الحوار كمبدأ وتلجأ إليه دائماً من خلال المباحثات الجانبيّة وضمن الأطر المؤسساتيّة الدستوريّة.

المواقف الرافضة لأصل الحوار أو التي تسعى لتأطيره من هنا وهناك و«حصرية» البحث بالملف الرئاسي كلها تشكل قنابل موقوتة تزنّر الحوار

وأوْضحوا أن «مواجهة التعطيل واستنباط الحلول للأزمات، لا يكون من خلال جلسات غير دستورية تحت مُسمّى(الحوار) بل في المؤسّسات الدستورية وعبر الآليات القانونية التي تترجم بدورات انتخابية مفتوحة تفضي إلى انتخاب الرئيس العتيد».

وثمة مَن تعاطى مع الموقف النوعي لـ «القوات» على أنه في إطار سباقٍ خفي يجْري على ترسيم مرجعيةِ أي حوارٍ محتمَل وحدود جدول أعماله، بحال اقتضت الظروف المحلية والإقليمية مرور الحلّ لأزمة الشغور بطاولة مستديرة، وسط اقتناعِ أوساط مطلعة بأن المواقف سواء الرافضة لأصل الحوار أو التي تسعى لتأطيره من هنا وهناك سواء بضماناتٍ أو بـ «سياج» يؤمن «حصرية» البحث بالملف الرئاسي، كلها تشكل قنابل موقوتة تزنّر الحوار وهو مازال في مهده وتؤشر لإمكان وأده حتى قبل أن يولد.

السابق
مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الثلاثاء 4/7/2023
التالي
أسرار الصحف ليوم الأربعاء في 5 تموز 2023