هل «يقبض» جهاد أزعور على الرئاسة؟

جهاد ازعور

Too good to be true. عبارةٌ غلّفتْ المناخاتِ التي سادت في بيروت حيال حصولِ تَوافُق «بالأحرف الأولى» بين غالبية قوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» على الوزير السابق جهاد أزعور ليكون المرشّح الذي سيتم إسقاط اسمه في جلسة الانتخاب الرئاسية المقبلة وأن هذا «الاختراق» سيكون كفيلاً بخلْط الأوراق وإنهاء الشغور الذي يُطفئ في الأول من يونيو شهره السابع.

ولم يكن عابراً أن حذَراً كبيراً أقرب إلى التشكيك الواسع رافَقَ ما بدا «قنابل دخانية» مُتبادَلة رُميتْ على المسرح الرئاسي الذي تركّزت الأنظارُ فيه بالأيام الأخيرة على ما يَجْري خلف ستائر المفاوضات بين أحزاب المعارضة (ولا سيما المسيحية) و«التيار الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، باعتبار أن أي تفاهُم «عابِر للاصطفافات» على هذه الجبهة سيعني فرْض وقائع جديدة تراوح بين حدّيْ «وأد» ترشيح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية (المدعوم من حزب الله والرئيس نبيه بري) بالحد الأدنى أو إكمال المسار بإيصال رئيسٍ يحفظ «رأس الجمهورية» التي تصارع أعتى الانهيارات المالية والمؤسساتية.

ولم تكد الأجواء التي عُمِّمت عن تَحَوُّل أزعور «المرشح المشترك» بين غالبية المعارضة و«التيار الحر» وأن الأمر يحتاج إلى تعزيزه بـ«ملحق ضمانات» متبادلة، حتى عاجَلها ما بدا «رياحاً مُعاكِسة» حول «أصل» التقاطع المفترض وهو ما فرْمل التفاؤلَ المشوب الحذر والذي كان عبّر عنه بوضوحٍ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بإعلانه لصحيفة «النهار» أن المعطيات التي تبلّغها من بعض أوساط المعارضة تشير إلى «تبنّي باسيل ترشيح الوزير السابق أزعور للرئاسة الأولى» وأن رئيس التيار «اتخذ قراره خلال الساعات الماضية في السير بأزعور (بين ليل الخميس وصباح الجمعة)»، متداركاً «لكنني أطرح شخصياً علامات استفهام حتى أشاهد باسيل في البرلمان ويقترع لمصلحة أزعور للتأكد جديّاً من المسألة (…) ولا إمكان لاتخاذ قرار نهائي (من هذه المسألة) قبل التأكّد من المعطيات؛ وحتى اللحظة لا تأكيدات».

 عودة باسيل «إلى المحور» مسألة وقت «وهو لا يمون على أكثر من 9 نواب في تكتله»

وقد حرص التيار الحر أمس على التعميم على لسان «مصادر عليمة» فيه أن الكلام الذي صدر عن جعجع «يحمل مغالطات عديدة ووقائع مغلوطة هو أدرى فيها من أيّ أحد آخَر»، مضيفة ان «التيار» سيلجأ إلى توضيح المغالطات أو تصحيحها عندما يلزم ذلك.

وتعاطتْ بعض الأوساط مع هذا «البلاغ»على أنه أبعد من مجرّد «رفْع سقْف التفاوض» في سياق لعبة «حافة الهاوية»على قاعدة «لن يتم الاتفاق على أي شيء حتى يجري الاتفاق على كل شيء»وفق ما كان لمّح إليه موقفٌ لنائب «القوات» فادي كرم الذي يشارك في المشاورات الرئاسية مع التيار، والذي قال «إن الاتصالات والمناقشات قائمة حول كيفية إدارة المعركة الانتخابية ومندرجاتها، وضرورة التزام جميع الأطراف بالتصويت للمرشح أزعور حتى لو انعقدت أكثر من جلسة انتخابية كي لا يتم تراجع أو تغيير موقف البعض في حال لم تحصل جلسة أو طار نصابها وذهبت الأمور إلى طرح مرشح آخر ما يعيدنا الى نفس الوضع الحالي».

ولاقى كلام كرم موقفٌ نُقل عن أوساط معارِضة أكدت وجود «أجواء ايجابية جداً في كواليس الأطراف المعنية بالمشاورات الرئاسية، غير انه يجب عدم الافراط في التفاؤل واعتبار القصة انتهت، فالقوى المعارضة وعلى رأسها القوات اللبنانية تنتظر من باسيل التزاماً نهائياً بتصويت تكتله كاملاً لأزعور، وهي لا تزال تقارب المفاوضات بايجابية ولكن بحذر، خشية أي انعطافة يمكن أن يقوم بها باسيل، ولا سيما اذا دخل حزب الله على الخط مع ميرنا الشالوحي بقوة، اذا شعر بأن (البرتقالي) يقترب من خصوم الضاحية، فيقدّم له عروضاً واغراءاتٍ قد تُرضي التيار وتُقنعه بالتخلّي عن أزعور».

وبحسب مصادر مطلعة فإن مجمل هذه المناخات يعكس الارتياب المتبادل بين المعارضة و«التيار الحر» الذي يتخوّف خصومه من أن يكون تقدُّمه في اتجاه إمكان دعم أزعور هو مناورة لقطْع الطريق على «خطة ب» كانت استُشفّت من كلامٍ للنائب آلان عون (من تكتل باسيل) حول أن ترشيح اسمٍ من داخل التكتل (غير باسيل) قد يكون بمثابة الـ x factor الذي يقلب المعادلة ويجعل التيار يتراجع عن ربْط قرار تأييد أي اسم غير فرنجية بموافقة «حزب الله»عليه، باعتبار أن التيار لن يكون في وارد السماح باستخدامه «أداة مواجهة» للحزب ولتحييد مرشح الأخير بهدف تمرير «خيار ثالث» مثل قائد الجيش العماد جوزف عون.

إقرأ أيضاً: بدء التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تركيا

وفيما تم التعاطي مع ما قاله عون على أنه من «عوارض» التباينات داخل التيار الحر في ما خص مقاربة الملف الرئاسي، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع على دراية بحسابات “محور الممانعة» أبلغت إلى «الراي» أن ثمة اقتناعاً لدى هذا المحور بأن باسيل لم يَعُد «يمون» في تكتله (كان انطلق من 21 نائباً من ضمنهم نواب حزب الطاشناق الأرمني والنائب محمد يحيى) إلا على نحو 9 نواب يلتزمون بأي خيار رئاسي يتّخذه، وذلك في ضوء عدم قدرته على «ضمان» ولاء نواب انتُخبوا بالقوة التجييرية لـ«حزب الله» أو يترشّحون في مناطق له نفوذ فيها أو باتوا «متمرّدين» عليه.

ووفق هذه الأوساط، فإن فريق الممانعة يتعاطى مع مسألة رجوع باسيل رئاسياً «إلى الخط» ليس على قاعدة«هل سيحصل» بل «متى سيحصل» فتكون بمثابة«عودة الابن الضال»، ولو تغلَّفت بسيناريو يحْفظ ماء وجهه بعدما صعد إلى أعلى أعلى شجرةِ رفْض فرنجية.

ولا شك في أن هذه الأجواء تحضر في خفايا الحذر الذي يطبع المفاوضات بين المعارضة وباسيل الذي نقلت تقارير عن مصادر فرنسية – على خلفية اللقاءات التي عقدها في باريس أخيراً – أن فرنسا لم تفهم حقيقة موقفه الذي يسوده منذ أشهر «غموض متعمَّد».

مناورة جديدة لـ«حزب الله»

في موازاة ذلك، اتجهت الأنظار مجدداً إلى الجنوب، أمس، في ضوء الدعوة التي وجّهها «حزب الله» لمناورة جديدة في منطقة جبل عامل تحت عنوان «الفتح المبين» تحاكي مشهدية تحرير فلسطين.

وكانت المناورة العسكرية التي أقامها الحزب الأحد الماضي قوبلت باعتراضاتٍ من قوى وازنة في المعارضة التي أعلن 31 من نوابها (من أحزاب سيادية ومستقلين وتغييريين) أول من أمس رفْض «استعراض حزب الله عبر المناورة العسكرية»، واعتبارها«مظهراً من المظاهر الميليشيوية التي يمارسها منذ سنوات ويناقض فيها مفهوم الدولة»، معلنين أن الحزب «لا يحق له زج لبنان في آتون الصراعات، وهو أصبح حالة شاذة ومنبوذة من غالبية الشعب اللبناني».

ولفت هؤلاء إلى أن «الحزب وجّه بمناورته جملة رسائل الى الداخل والخارج وتحدى غالبية اللبنانيين ومضمون إعلان القمة العربية في جدة وأراد إفهام اللبنانيين والعرب والعالم أن سيادته تعلو سيادة الدولة اللبنانية، وأن لا قرار في لبنان يخالف إرادته وارادة المحور الإقليمي الذي ينتمي إليه».

الأنظار إلى الجنوب في ضوء الدعوة التي وجّهها «حزب الله» لمناورة جديدة في منطقة جبل عامل تحت عنوان «الفتح المبين» تحاكي مشهدية تحرير فلسطين

وطلبوا «انهاء الحالة المسلحة لحزب الله عبر تطبيق اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه وتطبيق القرارين 1559 و1701 الصادرين عن مجلس الأمن» و«وقف التدخلات العسكرية والأمنية التي يقوم بها حزب الله في الخارج، والاقلاع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بما يتيح استعادة علاقات لبنان التاريخية مع المجتمعَين الدولي والعربي» و«تفكيك الاقتصاد الموازي الذي بناه حزب الله من خلال التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية وتشجيع التهرب الضريبي وحماية الفساد».

السابق
بدء التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تركيا
التالي
«حزب الله» يعترف بـ«انقسام لبناني» حول «خيار المقاومة»!