حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات البرلمانية الايرانية..إنما «للإنفتاح» حدود!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

على مسافة تقارب الاشهر العشرة، موعد الانتخابات البرلمانية الايرانية في الاول من اذار عام 2024، يبدو ان المشهد بدأ يقترب من الحماوة والحماسة اذا صح التعبير، وبدأت المعسكرات والتوجهات السياسية والاجتماعية، التحالفات بين القوى والاقطاب، تاخد شكلها الأولي، بانتظار ما يمكن ان يطرأ من تطورات سياسية، قد تلجأ لها اجهزة النظام، اذا ما شعرت بان الامور ذاهبة، لتشكل مصدر خطر على المنظومة الحاكمة ورؤيتها واستراتيجيتها، في ادارة البلاد والنظام والدولة. 

لا شك ان غرفة القرار في الدولة العميقة، مرت او عاشت مرحلة قلق حقيقي ومخاوف كبيرة، من النتائج التي ستسفر او الاثار التي سيخلفها الحراك الشعبي، الذي اندلع بعد مقتل الفتاة مهسا اميني على يد شرطة الاخلاق، وهو الحراك الذي تحول الى ازمة ثقافية، خلقت شرخا واضحا وعميقا بين النظام ومنظومة الحكم، وبين المجتمع الذي لم يعد يراعي في مواقفه المعارضة والمتضادة مع النظام والسلطة الكثير من الاهتمام، وانتقل الى الجهر في الشارع وفي كل المحافل، بموقفه المعارض والرافض للكثير من السياسات الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية، وحتى في الشرعية التمثيلية لمؤسسات النظام المعينة او المنتخبة. 

الحراك بعد مقتل مهسا اميني تحول الى ازمة ثقافية خلقت شرخا واضحا وعميقا بين النظام ومنظومة الحكم وبين المجتمع

الحراك الشعبي، الذي انفجر في وقت من المفترض ان تكون القوى السياسية قد دخلت في مرحلة الاعداد وجس النبض، استعدادا للانتخابات البرلمانية، في حين ان اجهزة النظام والدولة العميقة  من المفترض انها لن تكون في مأزق او امام تحد، او ضرورة فتح الفضاء السياسي امام التعددية الحزبية، وتوزيع التمثيل النيابي بين القوى السياسية، او السماح لهذه القوى بان تكون جزءا من السلطة التشريعية، ولو بالحد الادنى غير المؤثر حتى.

وبالتالي كانت تخطط هذه الاجهزة لاعادة انتاج برلمان، مشابه للذي انتجته قبل اربع سنوات، مع ادخال بعض التعديلات على الوجوه، شرط ان يبقى ويكون مطيعا، ولا يتحول الى مصدر قلق او صراع مع غرفة القرار العليا وتوجهاتها. 

تداعيات الحراك والتحدي الذي اوجدته الاحداث والاعتراضات والمظاهرات، التي اخذت ابعادا واشكالا مختلفة، وكانت تعبيرا عن العديد من المستويات المطلبية من العداء للنظام والسعي للاطاحة به، الى المطالب الاجتماعية والثقافية التي اخذت عنوان “رفض الزامية الحجاب”، الى الاقتصادية الناتجة عن السياسات الخارجية للنظام، والعداء بينه وبين الولايات المتحدة الامريكية والمجتمع الدولي، وما جرت له من العيش الطويل في ظل العقوبات الاقتصادية والمالية، انعكس بشكل كبير وواضح على الحياة اليومية للمواطن الايراني بمختلف طبقاته ومستوياته. 

الاجهزة تطمح لاعادة انتاج برلمان مشابه للذي انتجته قبل اربع سنوات مع ادخال بعض التعديلات على الوجوه شرط ان يبقى ويكون مطيعا

هذه التداعيات فرضت على النظام واجهزته او دولته العميقة، اعادة النظر في آليات التعامل مع الحدث السياسي، خاصة تحدي الانتخابات البرلمانية، وضرورة تحفيز الشارع الشعبي والسياسي، على المشاركة الواسعة في العملية الانتخابية، لحاجة النظام لتجديد مشروعيته، وانه استطاع العبور الى بر الامان، بعد الازمة التي عاشها منذ ايلول العام الماضي، ومازالت اثارها مستمرة باشكال مختلفة حتى الان. 

الانفتاح الذي يمارسه النظام في التعاطي والتعامل مع الاستعدادات لمعركة الانتخابات البرلمانية، هو انفتاح يخضع للكثير من الضوابط والمحددات، حتى لا تخرج الامور عن السيطرة، وتذهب باتجاهات لا يريدها ولا يرغب بها، ومن المفترض بهذا الانفتاح، ان يخدم الهدف الذي تريده الدولة العميقة، في ترميم صورتها وانتاج سلطة تشريعية، قادرة على مواكبة التطورات والاحداث على المستويين الداخلي والخارجي، شرط ان لا تشكل تحديا له، او تخرج عن الضوابط التي يضعها. فالبرلمان الحالي الذي جاء نتيجة مشاركة شعبية هي الادنى، والاقل في تاريخ الدولة الاسلامية، اسهمت في زعزعة مشروعيته التمثيلية (لم تتجاوز المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية الماضية حدود 25 في المئة والرئاسية 45 في المئة). 

ومن المفترض ان يؤدي الانتفاح الذي بدأت مؤشراته بالظهور، من خلال الجدل السياسي المفتوح، المتعلق بعودة بعض الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي والحكومي الى الواجهة، وكانت شريكة في القرار الاستراتيجي في عدة مراحل، لن يندرج تحت الشعارات السابقة والتصنيف الذي ادرجوا فيه وتحته، بل تحت عنوان جديد هو اقرب الى شعار “التغيير”. ولعل الشخصية الابرز من بين هؤلاء، كل من الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي من المتوقع ان يدعم مجموعة من المرشحين، بعيدا عن العنوان الاصلاحي الذي يشكل هويته السياسية، بالاضافة الى رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني الذي ابتعد او استحدث مسافة وهامشا مستقلا عن التيار المحافظ – المعتدل الذي مثله في السابق.

الانفتاح الذي يمارسه النظام في التعاطي والتعامل مع الاستعدادات لمعركة الانتخابات البرلمانية هو انفتاح يخضع للكثير من الضوابط والمحددات حتى لا تخرج الامور عن السيطرة

 في المقابل، يبدو ان التيار المحافظ يواجه ازمة حقيقية هذه المرة، قد لا تتمكن اي مساعي من توحيده ليكون كتلة انتخابية واحدة، على غرار ما حصل في الانتخابات السابقة، لذلك من المرحج ان يشهد هذا التيار صراعا محتدما وقويا بين تياراته، سيسعى كل طرف منهم للاستحواذ والتفرد في تمثيل تيار السلطة والنظام. ومن ابرز اقطاب هذه التيارات، جماعة “الثابتون – بايداريها” المتشددون، بقيادة صادق محصولي وزير داخلية محمود احمدي نجاد، بالاضافة الى ممثل المرشد الاعلى في مجلس الامن القومي، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي، في حين يقف احمدي نجاد في خلفية المشهد، باعتباره احد رموز هذا التيار واكثر المؤثرين فيه من خلف الكواليس.

إقرأ ايضاً: بالفيديو: مارديني يكشف لـ«جنوبية» عن تداعيات التأخير بتعيين حاكم لمصرف لبنان..وهذا المطلوب!

ومن الممكن ان ينضم لهم بعض كبار جنرالات حرس الثورة المتقاعدين، ورجل الدين الاشكالي حسين طائب المستشار الامني لقائد الحرس، وهو الذي اقيل بطريقة غير تقليدية من منصب رئاسة جهاز امن الحرس قبل اشهر اثناء الاحتجاجات الاخيرة.في المقابل، يبدو ان التيار المحافظ التقليدي، يسعى لفصل حساباته عن المتشددين، ويحاول الالتفاف حول رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي وامكانية اقامة تحالف مع رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، وهو الجناح القادر على بناء تفاهمات مع الذين غادروا هذا التيار ويملكون تأثيرا وقبولا شعبيا، مثل لاريجاني وسلفه الاسبق الشيخ علي اكبر ناطق نوري.

اما تيار الاعتدال الذي عقدت زعامته للرئيس السابق حسن روحاني، فانه بدأ في ارسال اشارات على نيته الجدية بالدخول في السباق البرلماني بقوة، خاصة من خلال عودة روحاني المثيرة الى واجهة الاحداث، ومحاولة اخلاء ساحته من المسؤولية عن فشل المفاوضات النووية، ورمي الكرة لدى الجماعات المتضررة من الاتفاق في الداخل، وهي مواقف تأتي في وقت يتعرض فيه، لاعنف حملة تشويه وتخوين واتهام بالجاسوسية، من قيادات مؤثرة في التيار المحافظ، ووصلت الامور الى رفع دعاوى قضائية ضده تتهمه بالخيانة، بالاضافة الى امكانية محاكمته عاجلا ام اجلا على ذلك. 

تيار الاعتدال بزعامة روحاني بدأ في ارسال اشارات على نيته الجدية بالدخول في السباق البرلماني بقوة خاصة من خلال عودة روحاني المثيرة الى واجهة الاحداث

امام هذا المشهد، والذي يحاول من خلاله النظام انتاج ديمقراطيته وتعدديته وتنافسيته الخاصة التي تخدم مصالحه، تجلس اجهزة الدولة العميقة في حالة ترقب واستعداد للتدخل، في اللحظة التي تجد فيها ان الامور باتت لغير صالحها، ولن تتردد حينها من استخدام السلاح او المقصلة، التي طالما استخدمتها في الاستحقاقات السابقة، اي لجنة دراسة اهلية المرشحين، وابعاد كل شخص او مرشح تجد انه يشكل تهديدا حقيقيا او محتملا، او مصدر ازعاج لها في المستقبل، وهي لن تتردد في ذلك، وقد سبق ان اسقطت كل الشيخ هاشمي رفسنجاني وعلي لاريجاني من سباق الانتخابات الرئاسية. 

السابق
بالفيديو: مارديني يكشف لـ«جنوبية» عن تداعيات التأخير بتعيين حاكم لمصرف لبنان..وهذا المطلوب!
التالي
غادة السمان «تتعرى تحت المجهر»..وهذا ما اعترفت به امام «جنوبية»!