تركيا تنتخب من جديد… وسباق محتدم على الرئاسة

تركيا

في 14 مايو/أيار، ستنتخب تركيا رئيسها وأعضاء البرلمان للسنوات الخمس المقبلة. وفي حال فشل أي من المرشحين الأربعة للرئاسة في الحصول على (50 في المئة+1) في هذه الجولة، كما هو مطلوب، فإن جولة ثانية من التصويت ستجرى بعد 14 يوما، أي يوم 28 مايو/أيار، بين المرشحَين اللذَين يأتيان في المرتبتين الأولى والثانية.

يدّعي كلا المتنافسين الرئيسيين، رجب طيب أردوغان ممثل “تحالف الجمهور”، وكمال كليشدار أوغلو ممثل “تحالف الأمة”، أنهما يملكان ما يكفي من الأصوات للفوز بالسباق الرئاسي في الجولة الأولى والفوز بمعظم المقاعد في البرلمان.

ولا نعرف توجه الناخبين الآن، فقد مضى على آخر الاستطلاعات بضعة أيام، حيث لا يسمح قانون الانتخابات بإجراء استطلاعات رأي خلال الأيام العشرة التي تسبق الانتخابات.

حكم أردوغان وحزبه “حزب العدالة والتنمية” حكما تركيا على مدى 22 عاما. وعلى الرغم من صعوبة السنوات الست أو السبع الماضية وفقدانه جزءا من شعبيته، إلا أن أردوغان استطاع أن يستمر في الحكم بسلطة كاملة.

أما المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليشدار أوغلو فهو زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، الذي يمثّل يسار الوسط، منذ عام 2010.

وعلى الرغم من الخسائر الانتخابية المتعددة والنكسات الأخرى المختلفة، فقد تمكن من تعزيز مكانة حزبه وقوته، فحقق حزب الشعب نقاطا كبيرة في الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2019، حين انتزع من حزب العدالة والتنمية بلديات المدن الكبرى في إسطنبول وأنقرة وبولو وأنطاليا وغيرها.

اقرأ أيضاً: الأزمة الرئاسية تشتدّ..ومخاوف من «حلول قيصرية»!

وفي عام 2018، قدم كليشدار أوغلو الدعم لـ”الحزب الخيّر”، الذي تأسس على يد منشقين عن حزب العمل القومي، ومكنهم من دخول البرلمان وتشكيل مجموعة حزبية خاصة بهم. ثمّ تمكّن لاحقا من تشكيل تحالف الأمة المعروف أيضا باسم “قائمة الستة”، والذي يتألف من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الديمقراطي (DP)، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، وحزب المستقبل (GP)، والحزب الخيّر (İYİP)، وحزب السعادة (SP).

تختلف هذه الأحزاب السياسية الستة وتتنافس فيما بينها، وهي أحزاب من يسار الوسط، والقوميين والليبراليين والمحافظين. وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكنت من تنحية خلافاتها جانبا والتوحد من أجل قضية مشتركة تتركّز بالأساس حول إنهاء حكم أردوغان، والعودة إلى النظام البرلماني، واستعادة الاقتصاد وتنشيط وإصلاح مؤسسات الدولة.

يمكن النظر إلى الجبهة الموحدة المكونة من الأحزاب الستة على أنها تمثل إجماعا وطنيا رئيسيا يعكس التنوع والتشاور الذي تشتدّ الحاجة إليه، وتعتقد المعارضة السياسية أنه بات غائبا عن النظام السياسي التركي مؤخرا.

تثق المعارضة بأن كليشدار أوغلو يقترب من الهدف بشكل قوي وعميق وأنه سيتغلب على أردوغان.

وسنذكر هنا القضايا التي يرجح أن تؤثر على التوازن والنتائج:

وجود حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي يشارك في الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر (GLP) تفاديا للحظر، أمر ضروري ويمكن له أن يحقق توازنا بأصواته التي يقدر أن تكون نسبتها نحو 9-10 في المئة.. حزب اليسار الأخضر ليس جزءا من تحالف الأمة لكنه لم يختر مرشحا رئاسيا خاصا، بل أعلن دعمه لكليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. تشعر المعارضة بالرضا جراء هذا الأمر، إلا أنها حريصة على عدم إعطاء المزيد من الأسباب للحكومة للادعاء بأن المعارضة تتعاون مع حزب يوصف بأنه الجناح السياسي لمنظمة العمل الكردستاني، التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.

يحرص كليشدار أوغلو على عدم إثارة غضب القوميين ضمن تحالفه من خلال الظهور وكأنه على اتصال مع حزب اليسار الأخضر. وعلى الرغم من حرصه الشديد على عدم التسبب في أي رد فعل عنيف من الناخبين الوطنيين في تحالف الأمة، إلا أن بعضهم لا يزال مترددا في منح أصواته لكليشدار أوغلو في انتخابات الرئاسة.

محرم إينجه، أحد المرشحين الأربعة للرئاسة، كان مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة في انتخابات 2018. وفي وقت لاحق، انفصل إينجه عن حزبه وأسس حزبه الخاص. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه يستطيع الحصول على 6 في المئة من الأصوات فقط، مما يعني أنه لن يستطيع الفوز بالانتخابات، إلا أنه يستطيع منع كليشدار أوغلو من الحصول على العدد المطلوب من الأصوات (50+1) في الجولة الأولى، مما سيدفع الانتخابات نحو جولة ثانية، ويفتح المجال أمام فوز أردوغان. يعتقد كثيرون أن إينجه يتلقى الدعم من الحكومة الراهنة وأنه يعمل على تقسيم أصوات المعارضة.

من بين إجمالي عدد الناخبين البالغ 64.113.941، هناك خمسة ملايين سيشاركون في الانتخابات للمرة الأولى في حياتهم. وهم من يطلق عليهم اسم “الجيل z”، الذي يَنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة وأكثر تعقيدا. وتشير الاستطلاعات إلى أن نحو 70 في المئة منهم يفضلون المعارضة.

على المحك: البنود الرئيسية على جدول الانتخابات

يصر أردوغان على ضرورة استمرارية النظام الرئاسي الجديد الذي مكّن من اتخاذ قرارات فعالة وسريعة، وإن كان منفتحا على بعض التعديلات. على المقلب الآخر، تعهدت المعارضة بالعودة إلى النظام البرلماني، حيث ترى أن النظام الرئاسي أدى إلى الاستبداد والعديد من الأخطاء.

غير أن تغيير النظام ليس بالأمر التلقائي أو اليسير، بل يحتاج إلى إجراءات وتدابير معقدة، فهو بحاجة أولا إلى تعديل الدستور، وهذا يتطلب موافقة ثلثي نواب البرلمان (400 من أصل 600) لصالح التعديل، أو إلى طرحه للاستفتاء الشعبي بعد الحصول على تأييد ثلاثة أخماس النواب.

وشغلت قضايا الاقتصاد والوطنية والتقدم الصناعي مكانا متقدّما في النقاش في هذه الحملة. فمن جهة، يواصل أردوغان تصوير كليشدار أوغلو على أنه شخص يساير حزب العمال الكردستاني وامتداداته السياسية، أي حزب اليسار الأخضر، ويدعي أن كليشدار أوغلو يسعى لإلغاء كافة الإنجازات التي تحققت خلال العشرين عاما الماضية أو ما يقارب ذلك، ولا سيما التطورات في صناعة الدفاع.

شعار كليشدار أوغلو: سيكون كل شيء على ما يرام

من جانبه، يحمّل كليشدار أوغلو أردوغان وحكومته المسؤولية عن كثير من الإخفاقات إضافة إلى الفساد والإسراف.

وبالفعل، لم ينتقل أردوغان بعد انتخابه رئيسا للبلاد إلى القصر الرئاسي الذي استخدمه سابقا مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية ورئيسها الأول، وباقي الرؤساء الآخرين، بل أمر ببناء قصر جديد ضخم في مجمّع تبلغ مساحته حوالي 750 ألف متر مربع.

إلى ذلك، وعد كليشدار أوغلو بوضع حد للأسلوب الباهظ والهدر الذي تمارسه إدارة أردوغان. وتعهد بالعودة إلى القصر الرئاسي الأصلي قائلا إن القصر الحالي سيتحول إلى شيء مفيد مثل الجامعة.

وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو التي يتم بثها عبر حسابات “تويتر” أداة للحرب السياسية. وتسبب أحد رجال الأعمال المقربين من أردوغان في هزة كبيرة بعد توجيهه تهم فساد مباشرة إلى أردوغان ووزراء حزب العدالة والتنمية. وتوصل رجل أعمال آخر أيضا إلى اكتشافات مذهلة تتدرّج من الفضائح الجنسية إلى التعاملات التجارية المافيوية.

وعلى الرغم من أن اسم الرئيس أردوغان كان في قلب تلك المزاعم، إلا أنه تجنب الحديث عنها، سواء عبر البرامج التلفزيونية أو في التجمعات بما فيها تلك التي نظمها في إسطنبول يوم 7 مايو/أيار، بعد يومين من انتشار مقاطع الفيديو. وعلى الرغم من خطورة الاتهامات، التزم القضاء والمدّعون الصمت أيضا.

وتسبب ذلك في غضب كليشدار أوغلو، الذي توعّد بإنشاء “لجنة تحقيق في الفساد” في البرلمان إذا ما تم انتخابه.

وثمّة برنامج مشترك لتحالف الأمة يحمل عنوان مذّكرة السياسة المشتركة، حيث تتفق الأحزاب الستة في حملتها الانتخابية على أساس هذا البرنامج.

وبالإضافة إلى ذلك، يشارك كليشدار أوغلو مقاطع فيديو مدتها بضع دقائق في حسابه على “تويتر” وهي المقاطع التي أثبتت أنها تحظى بشعبية كبيرة.

ووضعت استطلاعات الرأي العام الأخيرة كليشدار أوغلو في المقدمة، باستثناء تلك المعروفة بتأييدها العلني للحكومة، ويشير بعض تلك الاستطلاعات إلى أنه قد يفوز حتى من الجولة الأولى.

لقد أكد كليشدار أوغلو، في مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق بعنوان “علوي”، أنه بصفته فردا ينتمي إلى الطائفة العلوية، فهو مسلم مخلص وأنه يؤمن بالوحدة ولا يؤمن بالتفرقة، وقد شاهد ما يزيد على 28 مليون مشاهد مقطع الفيديو هذا في مدة زمنية لا تتجاوز 7 ساعات.

كما قدم مرشح المعارضة لانتخابات الرئاسة وثيقةً تتضمن ما سيؤديه في المئة يوم الأولى من توليه السلطة. وتحت شعار كليشدار الانتخابي “أعدكم أن الربيع سيزهر مرة أخرى، فإن السيد كمال لن يتراجع عن الوعد الذي قطعه على نفسه”، وتشمل قائمة الوعود:

إخماد النار المستعرة في الاقتصاد التركي، أي استعادة الثقة، واتخاذ الخطوات الضرورية الأولية، وتهدئة المناخ الاقتصادي.
تشكيل وزارات جديدة للتخطيط العمراني، ولإدارة الكوارث، وللحرفيين، وللزراعة والأمن الغذائي.
إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، ووضع حدّ للمحسوبية في القطاع العام، وإعادة فتح المستشفيات العسكرية، وسنّ قانون خاص بأخلاق السياسة.
إنشاء “مكتب لاسترداد الأصول” وإعادة أموال تُقدّر بمليارات الدولارات إلى تركيا، وهي أموالٌ كانت قد جُمدت في الخارج.
ولا يزال الاقتصاد هو الموضوع الأكثر إلحاحاً. إذ يأتي التضخم المتزايد، والعجز التجاري، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وكذلك تزايد فقر الناس، في مقدمة أولويات المواطن التركي؛ فقد أصبحت الحياة باهظة الثمن حقا.

وازداد معدل التضخّم على الرغم من اختلاف بيانات التضخم وفقا للمؤسسة التي تنشر ذلك المعدل: معدل التضخم لشهر أبريل/نيسان وفقا لـمعهد الإحصاء التركي (TÜİK) هو 43.68 في المئة، فيما بَلغ وفقا لغرفة تجارة اسطنبول 62.46 في المئة، وبلغ وفقا لمجموعة أبحاث التضخم 105.19 في المئة). وخسرت بورصة إسطنبول 11.6 في المئة من أسهمها خلال الأسبوع الماضي و10.25 في المئة خلال الشهر الماضي. فيما وصل تراجع مؤشر البورصة في عام 2023 إلى 22.5 في المئة.

يأخذ المستثمرون جانب الحذر، ويبقى الاستثمار الأجنبي عند مستويات منخفضة للغاية. وقد قطع كليشدار أوغلو عهدا على نفسه بأنه سوف يجلب إلى تركيا 300 مليار دولار في غضون خمس سنوات للاستثمار عندما يُنتخب. ويزعم كليشدار أوغلو أن المستثمرين الأجانب فقدوا الثقة في أردوغان، وعندما سيتولى منصبه، سيتجاوز هذه المشكلة، وهو الأمر الذي يمهد الطريق أمام عصرٍ جديدٍ من تدفق الاستثمارات إلى تركيا.

يجب على كليشدار أوغلو التغلب على كثير من التحديات التي تواجهه؛ إذ يجب عليه أن يتجاوز بأمان العقبات التي وضعتها الحكومة في هذه المرحلة. وسيتعين عليه التعامل مع ميراث الحكومة السابقة الذي اتصف بقدر أكبر من الاضطراب، والمضي قدما مع شركائه في الائتلاف الذين ينتهجون سياسات مختلفة في عدد من القضايا إن هو فاز بالانتخابات المقبلة.

وإذا ما انتخب كليشدار أوغلو، فإن قادة الأحزاب السياسية الخمسة الأخرى، ورئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول، إمام أوغلو ويافاش، وهما شخصيتان سياسيتان شعبيتان جديدتان ظهرتا على المسرح السياسي، سيكونان نائبين للرئيس. وسيتولى كل منهما حقيبة. وسيشكل الملف الذي سيتولاه كل منهما مسألةً حساسةً للتعامل معها.

لم يُعلن بعد عن الحقائب التي سيتولاها الزعماء، لكن كليشدار أوغلو أعلن عن الحقيبتين اللتين سيتولاهما رئيسا بلديتي أنقرة وإسطنبول. إذ سيتولى إمام أوغلو مسؤولية “زيادة مرونة المدن من خلال تحضير تركيا لمواجهة الكوارث”، في حين سيتولى يافاش مسؤولية العمل على تعزيز الاقتصاد المنزلي والتنمية الزراعية والتكنولوجية.

قضايا السياسة الخارجية

أعلن تحالف الأمة في برنامجه المشترك أن هدفه يتمثل في الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. وأعلن كليشدار أوغلو أنه وتحالفه سينفذان جميع الإصلاحات القانونية دون انتظار أن يفتح الاتحاد الأوروبي فصولا جديدة.

ويتوقع كليشدار أوغلو أن يستجيب الاتحاد الأوروبي مقابل ذلك على نحو إيجابي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويتمثل أحد وعوده الانتخابية في إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في غضون ثلاثة أشهر بشأن تحرير التأشيرات، وهو الأمر الذي طال انتظاره، فيما يُمكّن الأتراك من السفر إلى منطقة شينغن دون تأشيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيكون الاتحاد الأوروبي قادرا على الوفاء بالتزاماته، حتى لو أنجز كليشدار أوغلو ما وعد به، إن نحن أخذنا بعين الاعتبار سياسات اليونان وقبرص الثابتة التي تتمثل في وضع العقبات أمام تركيا أو منع حصول أي أمر إيجابي مع تركيا؟ وهذا عدا عن المواقف السلبية التي يتخذها أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتركيا، بما في ذلك الاستثمار، فإن ثمة مشاكل قائمة معه. إذ يجادل الاتحاد الأوروبي بأن تركيا تعاني من أوجه قصور خطيرة في عمل مؤسساتها الديمقراطية، الأمر الذي يعني أيضا انعدام الثقة، وهو “شرط لا غنى عنه” لجذب الاستثمار الأجنبي.

لقد أكّد كليشدار أوغلو على العلاقات القوية التي تربط تركيا بحلف شمال الاطلسي (الناتو)، وأشار إلى أن العلاقات مع روسيا ستكون أكثر انضباطا.

وقد وعد كليشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى وطنهم في غضون عامين (وعددهم الرسمي 3.7 مليون لاجئ). كما يقول إنه سيفعل ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق مع الأسد بحيث يضمن سلامتهم.

وفيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، قال كليشدار أوغلو إن “تركيا ستقف إلى جانب فلسطين والقضية الفلسطينية”، وإنها لن تنحاز إلى أي طرف في الخلافات بين الدول العربية أو داخل دولة عربية، وستعمل على إنشاء منظمة السلام والتعاون في الشرق الأوسط.

أجواء متوترة وحملة انتخابية صعبة

يتصف الوضع السياسي بالتوتر وبالانقسامات العميقة. إذ ليس ثمة محادثة ونقاش عاديان، وحتى إنه ليست هناك مصافحة بين السياسيين عندما يقفون متجاورين في حفل رسمي. فيما يتمسك كل حزب سياسي بآيديولوجيته ويواصل اتهام الطرف الآخر باتهامات متهورة.

تتصف الحملة الانتخابية بأنها صعبة عقليا وجسديا. إذ يعقد جميع المرشحين تجمعين، وأحيانا أكثر في اليوم الواحد، حيث يحضر تلك التجمعات عشرات الآلاف من الأشخاص ويضاف إلى ذلك المقابلات التلفزيونية التي تُجرى معهم في ساعات متأخرة من الليل. فقد أثار أردوغان الذعر في صفوف أنصاره عندما شعر بالمرض خلال مقابلة تلفزيونية أُجريت معه على الهواء مباشرة. وعاد إلى متابعة مسار الحملة الانتخابية بعد يومين من النقاهة.

وتظل الحملة سلمية مع استثناءات قليلة على الرغم من التوتر الذي يحيط بالحملة. فيما برزت أخطر الحوادث حتى الآن عندما رشق أنصار حزب العدالة والتنمية وأنصار حزب الحركة القومية بالحجارة أكرم إمام أوغلو في خضم تجمعٍ حاشد بمدينة أرضروم الواقعة شرق الأناضول، وهو الذي يعدّ أحد أبرز شخصيات المعارضة.

لقد أثار كثير من التصريحات التي أدلى بها سياسيون حكوميون المخاوف. فعلى سبيل المثال، شبّه وزير الداخلية انتخابات 14 مايو/أيار بمحاولة الانقلاب التي جرت في 15 يوليو/تموز 2016. وزعم الوزير أن الهدف في كلتا الحالتين هو الاستيلاء على السلطة من أردوغان. فيما قال إن ما عجزت القوى الأجنبية وأحزاب المعارضة والتنظيمات الإرهابية وغيرها عن تحقيقه بالقوة في 2016، تنوي تحقيقه بالانتخابات التي وصفها بأنها محاولة انقلابية سياسية.

وانتخابات 14 مايو/أيار حاسمة للغاية إلى درجة أن كل جانب سيفعل كل ما يلزم للفوز وفي بعض الحالات، عدم الخسارة.

في هذا السياق، ثمة مثالان في تاريخ الانتخابات الحديث حملت معها نتائج مختلفة يتذكرها الناس.

المثال الأول هو خسارة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002 وذلك في الانتخابات التي جرت في 7 يونيو/حزيران 2015. إذ لم يتمكن حزب العدالة والتنمية ولم تتمكن المعارضة من تشكيل حكومة. وفي موازاة ذلك، بدأ حزب العمال الكردستاني، و”داعش”، بحملة إرهابية مكثفة. وأجريت الانتخابات مرة أخرى في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وفاز حزب العدالة والتنمية بهامش مريح في تلك المرة.

تنتاب المعارضة حالة من القلق من فكرة خسارة أردوغان، ولا سيما بفارق ضئيل، فإنه لن يقبل بالهزيمة وسيهدف إلى قلب نتيجة الانتخابات. ويزعمون أنه يمكن أن يلجأ إلى أساليب مختلفة بما في ذلك حشد أنصاره بغرض النزول للشارع.

بينما المثال الثاني كان انتخابات بلدية إسطنبول التي جرت عام 2019، عندما حاولت الحكومة مرة أخرى لكنها أخفقت في تلك المرة. إذ أسفرت الانتخابات التي نُظمت في مارس/آذار عن فوز حزب الشعب الجمهوري، ولكن بهامش ضئيل بلغ 0.2 في المئة (13.700 صوت). فقدم حزب العدالة والتنمية التماسا للمجلس الأعلى للانتخابات، وألغى المجلس الانتخابات. تكررت الانتخابات في يونيو/حزيران وفاز مرشح المعارضة بهامش 806 آلاف صوت، الأمر الذي شكل ضربة كبيرة لحزب العدالة والتنمية.

والمعارضة مصممة على محاربة كل أشكال التضليل المتعمد، ومصممة على المقاومة بحزم إذا رفضت الحكومة التنازل عن السلطة حالَ هزيمتها.

وقد شكّلت جميع الأطراف مجموعات أمن خاصة بالانتخابات، وستتواجد في أماكن حُددت لها في سبيل التأكد من عدم وجود أي تلاعب.

السابق
ما حقيقة توقيف رئيس مركز الدفاع المدني اللبناني في سوريا؟
التالي
«المشكلة ضيق افق البعض في لبنان».. نصرالله: سوريا لم ولن تغيّر موقفها