في معرض..«العراضة بالسفارة»!

ترددت كثيراً قبل كتابة هذه المقالة، ليس عن خوف أو عدم قناعة، لكن لأن البعض قد يعتبرها مزايدة في غير محلها في زمن “التوافق والصفاء” الإقليمي النسبي، والبعض الآخر قد يعتبرها غير واقعية ولا موضوعية، بإعتبار أن الأمر يتعلق بإعتبارات دبلوماسية وسياسية ومهنية إعلامية، وهناك البعض الثالث، والذي لا يعنيني رأيه، بالأساس لكنه موجود، وهم فئة التخوينيين التكفيريين الذين سيعتبرونها “مدفوعة سلفاً”، بحسب تفكيرهم المريض، وطريقتهم في تلقف أي أمر يخالف آرائهم أو نظرتهم المحدودة للأمور.

الأمر يتعلق بزيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان للبنان، التي لن أتناولها اليوم بشقها السياسي، لكن من خلال صور جالت بخاطري، أثناء متابعتي لمشهدين تخللتهما هذه الزيارة، وكانت السفارة الإيرانية في بيروت مسرحاً لهما.

صورة الصحافية جويس عقيقي وهي تضع الحجاب على رأسها وذلك إلتزاماً ب “التقاليد الإيرانية” تستحضر صورة هاشم السلمان المقتول امام السفارة لتظاهره ضدها

الأول هو مشهد نواب لبنانيين من كتل عدة، دُعوا للإجتماع والإستماع لوزير الخارجية الإيراني، والبحث في تطورات الأوضاع اللبنانية، والثاني مشهد المؤتمر الصحفي الذي عقده الوزير، وصورة الصحافية جويس عقيقي وهي تضع الحجاب على رأسها وذلك إلتزاماً ب “التقاليد الإيرانية”. الصورة الأولى التي جالت بخاطري، كانت صورة الشهيد الشاب هاشم السلمان، وهو مقتولاً على الأرض أمام السفارة الإيرانية، لمجرد أنه كان يتظاهر سلمياً أمامها، والصورة الثانية هي مشهد المظاهرات التي شهدتها إيران لأشهر عدة ضد فرض الحجاب، وذلك بعد مقتل المواطنة مهسا أميني، هذه المظاهرات التي سواء في لبنان أو في إيران، هي حق إنساني لا جدال فيه، وكيفية تعامل بعض الإعلام اللبناني مع هذا الموضوع، ولا يتبرعّن أحد ليكلمني عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، لأنني هنا لا أتحدث عن سويسرا مثلاً.

ما هي النتيجة أو الخلاصة أو الفائدة التي حققتها زيارة الوزير الإيراني و “العراضة” في السفارة التي رافقتها؟

أدرك جيداً ما قد يواحهني به البعض، من أن زيارة السفارات هي “عادة” لبنانية قديمة ،هذا صحيح ، وأنا ضد هذا الأمر بالمطلق، ولم يسبق لي أن أيدت أي ممارسة من هذا النوع، الذي أعتبره نوعا من “الفولكلور السياسي” اللبناني البشع. وأدرك كذلك بأن هناك من سيقول لي، بأن قتلة هاشم السلمان ليسوا من الإيرانيين، بل هم من بني جلدته ومذهبه، وبأن هناك أيضاً السفارة الأميركية التي تضم مثل هذه اللقاءات، وهي تمثل دولة داعمة للعدو الصهيوني، الذي قتل الكثير من شعبنا العربي في لبنان وخارجه، ودمَّر البلد وأحتله لسنين طويلة، في حين أن إيران “ساهمت” في تحريره، مع أن المقارنة هنا مع قضية السلمان ليست موضوعية لإختلاف الظروف، كل ذلك صحيح.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: إقتراح لبناني لنقل النازحين الى دول «قادرة»..وأرقام اممية تكشف قوة الانتشار والإستغلال!

في موضوع الحجاب أيضاً، قد يقول قائل، بأن السفارة هي أرض إيرانية وعلينا إحترام التقاليد الإيرانية، كل هذا صحيح أيضاً وأعرفه جيداً، مع العلم أنه كان بمقدور محطة mtv التلفزيونية أن توفد مراسلا رجلا و”بلا هالهمروجة كلها”، ومن دون أن تسجل على نفسها موقفاً غير موفق.

كل هذه التبريرات والوقائع التي أعرفها جيداً، لم تستطع محو صورة هاشم السلمان من ذهني، ولم تستطع منعي من التفكير بمظاهرات إيران وحقوق الإنسان هناك.

هنا لا أريد أن أبدو وكأنني أدعو لمقاطعة إيران والسفارة الإيرانية سياسياً وإعلامياً، لا أبداً الموضوع ليس كذلك، لكن في موضوع زيارة الوزير الإيراني و “العراضة” في السفارة التي رافقتها، هل يمكن لأحد سواء من الذين كانوا بين الحضور هناك، من سياسيين وإعلاميين، أن يفسر لي ما هي النتيجة أو الخلاصة أو الفائدة، التي طلعنا بها من حضور إجتماع أو مؤتمر صحفي لمسؤول، كلنا نعلم جيداً بأن الملف اللبناني في بلاده ليس من إختصاصه، بل هو من إختصاص جهات عسكرية وأمنية إيرانية ولبنانية، إلا إذا كان المقصود من الزيارة، إيصال رسالة بأن الوقت اليوم هو للسياسة وليس للأمن أو الحرب، وبهذا تكون رسالة “ملغومة” وتؤكد المؤكد، بأن لبنان بالنسبة إليهم، ليس إلا ورقة سياسية يطرحونها ويسحبونها كيفما إقتضت الحاجة.


على كل حال ، هي خواطر راودت شعوري وأردت نقلها على الورق، على مبدأ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع بلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان.

رحم الله الشهيد الشاب هاشم السلمان، ورحم الله التعددية، في ظل هكذا سياسة وهكذا إعلام في لبنان.

السابق
خاص «جنوبية»: إقتراح لبناني لنقل النازحين الى دول «قادرة»..وأرقام اممية تكشف قوة الانتشار والإستغلال!
التالي
سرقوا سيارة نقل الأموال لشاركوتييه عون في البترون فأوقتهم «المخابرات» في دير عمار!