من الحياد الى التحييد: هل تستعاد تجربة فؤاد شهاب في اللحظة الاقليمية الجديدة؟

قاسم قصير

تدور نقاشات معمّقة بين العديد من النخب الثقافية والفكرية والقانونية اللبنانية حول كيفية مواكبة اللحظة الاقليمية الجديدة فيما بعد الاتفاق السعودي – الايراني وتأثيرها على الواقع اللبناني، وكيفية الاستفادة من هذه الاجواء الايجابية من اجل معالجة الازمة اللبنانية وإبعاد لبنان عن صراعات المنطقة.

وفي إطار هذه النقاشات، عقدت بعيدا من الاضواء سلسلة لقاءات حوارية لمناقشة مشروع الحياد الايجابي الذي كان طرجه سابقا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وأيدّه بعض الاطراف اللبنانية، وكان الهدف من تلك النقاشات البحث عن مقاربات جديدة قادرة على مواكبة المتغيرات الاقليمية والدولية وتأمين توافق وطني داخلي قادر على مواكبة رؤية بكركي ودعمها وتطويرها ومن أجل معالجة الاعتراضات التي برزت من قبل بعض القوى السياسية والحزبية والمرجعيات الدينية او المكوّنات اللبنانية.

وهذه النقاشات هي استكمال غير مباشر لسلسلة من الندوات والمؤتمرات التي عقدت سابقا من قبل مراكز فكرية لبنانية مثل مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنة والذي عقد قبل حوالي العام والنصف مؤتمرًا موسعًا حول الحياد وصدرت أعماله في كتاب خاص، كذلك الكتاب الذي أصدره مركز مشارق للابحاث والدراسات والذي خصّصه لمناقشة مشروع الحياد من مختلف الجوانب القانونية والفكرية والسياسية، إضافة لطاولات بحث ومناظرات مختلفة عقدت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مؤسسات فكرية ودينية متنوعة.

وفي خلاصة المناقشات الجديدة التي جرت أن فكرة الحياد بمعناها القانوني والحقوقي والدولي والتي طبّقت في العديد من دول العالم، ومنها سويسرا وفنلندا والسويد، لم تعد ممكنة اليوم في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية والصراعات التي يشهدها العالم كما أن تطبيق هذا المشروع على الواقع اللبناني يتطلب اتفاقًا وطنيًا شاملاً وموافقة الدول المحيطة بلبنان والامم المتحدة، وكل ذلك من غير الممكن التوصل اليه اليوم في ظل الاوضاع الداخلية المتأزمة وصراعات المنطقة وعدم الاستقرار والمخاوف من سياسات الحكومة الصهيونية الجديدة .

ورغم اعتراف بعض المشاركين في تلك النقاشات بأهمية الحياد وضرورته أحيانا ووجود خلفية تاريخية له في التجربة اللبنانية فان بعض هؤلاء المشاركين طرح مقاربة جديدة على قاعدة: تحييد لبنان عن الصراعات العربية والاسلامية وأن لا يكون لبنان ساحة لهذه الصراعات وأن يتم الاستفادة من زخم التطورات الاقليمية الجديدة ولا سيما الاتفاق السعودي- الايراني برعاية صينية والتقارب العربي – التركي وإعادة زخم العلاقات بين الدول العربية وسوريا والسعي لمعالجة الملفات الساخنة ولا سيما الصراع في اليمن.

ودعا المشاركون لاستعادة تجربة الرئيس فؤاد شهاب في العام 1958 والاتفاق الذي عقده مع الرئيس جمال عبد الناصر على قاعدة تحييد لبنان عن الصراع بين المحور القومي العربي والمحور الغربي الذي كان يتبنى اقامة مشروع ايزنهاوراو حلف بغداد ، وأن هذه السياسة التي اعتمدها الرئيس شهاب أبعدت لبنان عن صراعات المنطقة وأعطته الفرصة لاجراء اصلاح داخي واقامة المؤسسات الاصلاحية، وكل ذلك أعطى لبنان فرصة للهدوء النسبي استمر حتى أواخر مرحلة الستينات وما بعد حرب العام 1967 وصولا الى عودة لبنان الى ساحة للنضال الفلسطيني وعقد اتفاق القاهرة في العام 1969.
وقد تكون الظروف اللبنانية اليوم مشابهة لمرحلة عهد فؤاد شهاب حيث يحتاج لمرحلة من الهدوء الداخلي والابتعاد عن صراعات المنطقة لمعالجة مشاكله الداخلية ومن هنا أهمية الدعوة الى تحييد لبنان عن الصراعات وقد يكون هذا المصطلح أقرب الى الواقعية من مصطلح الحياد او الحياد الايجابي، ولا يعني ذلك التخلي عن دعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد العدو الصهيوني، ولكن ذلك يتطلب مقاربة شاملة للسياسة الخارجية والاستراتيجية الدفاعية وكيفية بناء الدولة القوية، وقد تكون أولوية بناء الدولة والاصلاح الداخلي ركيزة اساسية في أي مشروع مستقبلي لتحييد لبنان عن الصراعات .

ورغم أن هذه النقاشات لم تنته الى نتائج حاسمة ولم تتوصل الى رؤية متكاملة وستتواصل في مراحل مقبلة، فإن أجواء النقاشات كانت ايجابية ومهمة وأكدت امكانية توصل الاطراف اللبنانية الى رؤية انقاذية مشتركة في حال اعتمدت هذه الاطراف منطق الحوار المباشر، مع ضرورة الاستفادة من تجربة فشل اعلان بعبدا والحوارات الوطنية السابقة.

لكن ما أجمع عليه معظم المشاركين في هذه النقاشات والحوارات أننا اليوم أمام لحظة اقليمية جديدة وأن على لبنان واللبنانيين الاستفادة منها من أجل تحييد لبنان عن صراعات المنطقة واعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس قوية، ولعل تجربة اتفاق الترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني برعاية أميركية ودعم فرنسي وعربي إشارة مهمة يمكن الاستفادة منها في هذه المرحلة.
فهل سيستفيد الاطراف اللبنانيون من هذه اللحظة؟ أم ستضيع هذه الفرصة بسبب الخلافات الداخلية والابتعاد عن الرؤية الواقعة للاوضاع؟

السابق
بمشاركة رفاقه القدامى.. إزاحة الستارة عن تمثال المناضل محمد الزيات في صور
التالي
العشائر العربية يطللبون بمصالحة شاملة: لإحقاق الحق بملفّ خلدة!