في يومها العالمي.. القراءة «العدوّة اللدودة» لأنظمة استبدادية تمعن بإنتهاك الحريات

كتاب

شكّل استهداف القراءة، غاية رئيسية لدى الأنظمة الاستبدادية، وسيّما الدينية أوالعسكرية، بحيث وضعتها على رأس أولوياتها ضمن “أجندتها” المتمثّلة، أولاً و أخيراً، في النيل من الديمقراطية، باعتبارها عدواً لدوداً، يقف في وجهها ويمنعها من الانقضاض على الحريات العامة. ولا يخفى على أحد، أن التحرّر الفكري يشكّل ركيزةً لتحرّر الوعيّ، الذي يدفع بالفرد نحو الإنتفاضة على واقع يشكّل أسراً له، نتيجة ما مُنِي به من عملية استلاب، أدت إلى تجريده من قيمته ككائن بشريّ، أي من قدرته على التفكير العقلاني.

تجلّى هذا الاستهداف للقراءة، في عملية يمكن تسميتها بالتعتيم الفكريّ. ولجأت الأنظمة الاستبدادية إلى عملية ترهيب فكري، عبر الاقتصاص ممّن يقرأ ما يعارض إيديولوجيتها الدينية أو السياسية أو الاثنتين معاً. بمعنى آخر، أطبقت هذه الأنظمة على حرية القراءة، وفرضت من خلال أجهزتها رقابة صارمة، و سعت إلى تحديد مواضيع الكتب والمقالات، التي سمحت بكتابتها ونشرها، بما يتناسب مع إيديولوجيتها ومصالحها. و مما لا شكّ فيه، أن هذا الأداء “المَرضيّ”، ما هو إلا ترجمة لوجود ظلامية فكرية، و انعكاساً لرفض الآخر، الذي قد يعدّ خصماً سياسياً أو دينياً.

ويأتي تداخل الديني مع السياسي، ليشكّل عقبة في وجه رقيّ المجتمعات، وانتهاكاً لحريتها الفكرية وترهيبها، لأنه يعطي للسلطات المستبدّة، الحقّ في النَيل من حياة، من “يجرؤ” على التعبير عن كلّ ما يتعارض مع مصالحها!….
و يزخر التاريخ البشريّ بالكثير من الأمثلة، على انتهاك أنظمة هابت ومازالت، حرية التعبير والتحرّر الفكري. و نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، حرق كتب الفلسفة لإبن رشد، الذي اتهم آنذاك بالكفر و الالحاد، تنفيذاً لحكم أصدره الأمير أبو يوسف يعقوب عام ١١٩٤.

هناك الكثير من أمثلة عكست رهاب القراءة كحادثة طعن نجيب محفوظ

وهناك الكثير من أمثلة عكست رهاب القراءة، و تأتي حادثة طعن نجيب محفوظ، الذي تمّ اتهامه بالالحاد والخروج عن الملّة من قبل المتطرّفين، الذين عمدوا إلى شيطنته بعد نشره لروايته “أولاد حارتنا”.

و تعمد الأنظمة الاستبدادية، إلى توظيف القراءة كوسيلة لعملية “غسل” العقول. لذلك، فهي تضع الخطوط الحمراء على قراءة الكتب، التي تسهم في عملية تنوير العقول و تحرّرها من جهة، و من جهة، تسمح لنشر الكتب والمقالات التي تمكّنها من السيطرة على العقول، خصوصاً عقول المراهقين والشباب، و قمعها بأسلوب “خفيّ” و “ناعم”!… وعلى هذا النحو، تعمد إلى تشكيل زُمر قتل خاصة بها، بحيث تحرّكها في كلّ مرة تشعر بالخطر على هويتها الإيديولوحية.

تأتي مقاربة أهمية القراءة، لتفرض نفسها في اليوم العالمي للكتاب المصادف في ٢٣ نيسان من كل عام، لتعرض ما يمكن أن تسهم به من تطوير لحياة الفرد على المستويات كافة، الاجتماعي و المهني و التربوي و حتى النفسي.

لا تعدّ القراءة نشاطاً فكرياً فحسب، و إنما أيضاً فنّاً، باعتبارها تتطلب مهارات متعدّدة من التنظيم الذهني


لا تعدّ القراءة نشاطاً فكرياً فحسب، و إنما أيضاً فنّاً، باعتبارها تتطلب مهارات متعدّدة من التنظيم الذهني، مروراً بالتركيز والاستيعاب، وصولاً إلى تشكيل مخزون نظريّ، و امتلاك رؤية جديدة للواقع، بحيث تتيح للفرد إنتاج ما يسهم في التقدم بمجتمعه و رقيّه.

تسهم القراءة في تعزيز صحة العقل، لأنها تضعه دائماً في حالة نشاط، ولذلك تعدّ رياضة ذهنية. كما تمكّن الفرد من القدرة على التواصل السليم و النجاح المهني. بمعنى آخر، من يقرأ الكتب المتعلقة بعمله أو اختصاصه، يتمكّن من تطوير نفسه في حياته المهنية. و من هذا المنطلق، تؤثر القراءة إيجاباً على الحياة النفسية للفرد، لأنها تعزز تقديره لنفسه. ولا يخفى من أنها تؤدي، أيضاً، دوراً في خفض التوتر النفسي الذي قد يتعرض له الفرد، لأنها تشكّل متنفساً له. لذلك يُنصح من يعيش تحت وطأة ضغط نفسي بقراءة ما يحبّ.

خلاصة، يعكس رهاب الانظمة الاستبدادية من حرية القراءة، ضعفها ووهن ثقتها في تماسكها، لذلك يشكّل الكتاب بالنسبة إليها خطراً وجودياً باعتبارها تخشى الأفكار التي تغذّي التحرّرالفكري.
ومن هذا المنطلق، تعدّ قراءة كل ما يسهم في تنوير العقول وتفتّحها، واجباً على الفرد في سبيل النهوض بمجتمعه.

السابق
اشكال دموي في الضنية.. تضارب بالأيدي والسكاكين
التالي
الصهيونية الحقيقة والخرافة في تمثيل اليهود